يحفّز موقع "أكس" نشر المحتوى العنفي الذي سيتفاقم مع سعي المستخدمين للتميز

الذريعة الأخلاقية للكفّ عن التفاعل مع موقع X لإيلون ماسك

إيلون ماسك - المصدر: بلومبرغ
إيلون ماسك - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

قُتل رجل في الحيّ الذي أقطنه فجر الاثنين الماضي. اسمه راين كارسون وكان ينتظر وصديقته في محطة حافلات قبيل الرابعة فجراً بعدما شاركا في حفل زفاف، حين أتاه رجل وطعنه تكراراً في صدره.

حصلت صحيفة "نيويورك بوست" أولاً على مقطع مصوّر لحادث الاعتداء، وسرعان ما سقط في يد واحد من أحدث نجوم "أكس"، الذين حققوا النجاح بفضل نظام إيلون ماسك الجديد للموقع المعروف سابقاً بـ"تويتر". حساب هذا المستخدم، الذي لن أقوم بالترويج له، عبارة عن تجميع لحوادث مؤججة من حول العالم ينشرها عدّة مرّات في اليوم لجمهوره الذي يداني المليون.

أنا لست من متابعيه، إلا أن خوارزمية "أكس" جازمة في أن تقحم على شاشتي ما تشاء، ويبدو أنها تعتبر أن جريمة قتل جنونية هي محتوىً لا يجب تفويته.

تضمّن المقطع الذي شاركه ذلك المستخدم يوم الثلاثاء كافة مكّونات النجاح، فكان صادماً وتوقيته مناسب، حيث أظهر رجلاً بريئاً يُقتل عن 32 عاماً في شارع من مدينة نيويورك. اغتنم الناشر فرصة هذا الحادث ليكتب تعليقاً تحريضياً تناول نشاط كارسون في مجال السياسة العامة، وكأنّما استجر بذلك مصرعه.

رأيت مشاهدي مقطع الفيديو يبلغون مليوناً ثمّ فاضوا عن مليونين فيما كنت عائداً إلى منزلي في بيدفورد – ستويفيسنت عبر قطار الأنفاق. لقد توالت آلاف التعليقات المقززة عليه، على غرار: هذا مصير من يدعم سياسات وك"، وكان يجدر به أن يحمل مسدساً، وتبدو كجريمة مخططاً لها. لذا، أزلت التطبيق من هاتفي قبل أن أبلغ مسكني.

إقلاع عن التفاعل

سأستمر بمتابعة موقع "أكس" مضطراً لأن هذا من متطلبات عملي، ولكن حان الوقت لأكف عن التفاعل كمستخدم يشارك عدّة منشورات في اليوم ويتصفّح الموقع مرّات لا تعدّ ولا تحصى كما كنت أفعل طوال العقد الماضي. فعيناي ما عادتا تحت تصرف ماسك ولا المحتوى المقزز الذي يريد عرضه لي.

ترتبط شبكات التواصل الاجتماعي بالحوافز المقدّمة للمستخدمين. فكما يمكننا أن نشجع المستهلكين على اقتناء مركبات صديقة للبيئة عبر دعم أسعارها، أو أن نحفّزهم على عيش حياة صحية عبر توزيع ساعات ذكية مثلاً، يمكننا أيضاً الضغط من أجل تحسين سلامة الممارسات عبر الإنترنت. في حين لا يمكن إعطاء تعليمات للمستخدمين حول ما ينشرونه، يمكن للمواقع الإلكترونية أن تدفعهم باتجاه سلوكيات معيّنة، سواء من خلال تصميم الخيارات أو آليات المكافآت.

في ظلّ الإدارة السابقة، كان موقع "تويتر" يولي أهميّةً لهذا الموضوع حتى لو اقتصر ذلك على الكلام. في 2020 مثلاً، طرح الموقع خاصية تشجع المستخدمين على قراءة المقالات قبل إعادة تغريدها من أجل تعزيز "النقاش المستنير". وقال جاك دورسي، المؤسس الشريك للموقع ورئيسه التنفيذي السابق، إنه كان يفكر جدياً بطرق لتحسين جودة النقاش عبر المنصة، ويبحث في تحديد المقاييس المناسبة وتحسين الحوار عبر الإنترنت.

كما حاولت إدارة "تويتر" السابقة أيضاً إخفاء عدد الإعجابات من أجل تدريب أدمغتنا على الكفّ عن التوق لجرعة الدوبامين التي نحصل عليها من التفاعلات الاجتماعية. لكن ما لم تفعله إدارة "تويتر" السابقة هو أن تكون فاعلة في زيادة الأمور سوءاً.

أموال لمنشئي المحتوى

كان إعلان ماسك عن برنامج دفع الأموال لمنتجي المحتوى في يوليو أشبه بصبّ الزيت على نار الجوانب الأكثر ظلمة في المنصة. في حين تواجد مثل هذا النوع من المنشورات بأعداد لا يستهان بها في السابق، إلا أنها أصبحت الحدث الرئيسي المقزز راهناً. وهذا كله بغرض جني الأموال، فقد حوّلت مبادرة "أكس" التحفيزية الموقع إلى خلية لإنتاج التفاعلات على شاكلة منشورات مصمّمة لاستجلاب أي نوع من ردّات الفعل، سواء الضحك أو الحزن أو الخوف، وعلى رأسها الكره، فهو ما يضاعف الأرقام.

صحيح أن ذلك المستخدم لم يكن الوحيد الذي شارك مقطع الاعتداء على كارسون، ولكن سجلَّه الحافل بهذا النوع من المنشورات واللغة التحريضية التي استخدمها، منح مقطعه دعماً من خوارزميات الموقع. وبحلول يوم الثلاثاء كان المستخدم مستمراً وكان يطلق نكاتاً حول صديقة كارسون.

كل المحتوى يدر المال بفضل الإعلانات، وهو ما كانت "أكس" بأمسّ الحاجة إليه.

ما حدث لم يكن زلةً كما أن ذاك المستخدم ليس شخصاً على هامش الموقع، فهو نفسه كان أعلن في يوليو أن "أكس" دفع له أكثر من 16 ألف دولار، كما أن ماسك تفاعل معه تكراراً.

إذاً، أصبح موقع "أكس" اليوم تطبيقاً يفرض بالقوّة محتوىً مقيتاً على المستخدمين، ويقدّم مكافآت مالية لمن حققوا أكبر النجاحات في إنتاج هذا المحتوى، ما يحمّسهم على معاودة نشر مثل هذه المواد تكراراً، فتتحوّل هذه الممارسات إلى مصدر رزق لهم. هنا لا بدّ من إدراك أنه في ظلّ التهافت على استقطاب الاهتمام، يزيد المحتوى عنفاً ومأساويةً وتفرقةً كي يتميّز عن غيره، ونرى بالتالي مزيداً من مقاطع تعرض لحوادث السيارات والشجارات في المدارس الثانوية والإهانات العلنية.

إيلون ماسك يدرس فرض اشتراك شهري على مستخدمي "X"

فقدان الحياء

فقد موقع "أكس" الحياء منذ زمن بعيد، وقد أتى ذلك من قمة هرمه. حين حذّر أخيراً المدير التنفيذي السابق يوئيل روث، الذي اتهمه ماسك زوراً بالتحرش بالأطفال، من انتشار خطاب الكراهية على موقع "أكس"، سارعت رئيسته التنفيذية ليندا ياكارينو للتقليل من شأن مخاوفه. ويوم الاثنين، قال ماسك "نادراً ما رأيت شرّاً صِرفاً كما رأيته في يوئيل روث."

ولكن أنا رأيت ذلك الشرّ، كان عند تقاطع جادة مالكوم أكس وجادة لافاييت فجر الاثنين، كما أعيد نشره لزمرة وحوش كاسرة بلا رحمة يسعد موقع "أكس" باستضافتهم، لا بل بتمويلهم أيضاً في بعض الأحيان. إن الاستمرار في التفاعل مع موقع "أكس" كالمعتاد يساعد على تمكين مثل هذا السلوك، لذا لن أشارك.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك