اعتبر الأمر مثيراً للسخرية أو شاعرياً قليلاً على الأقل، فالسيارات الكهربائية، الرائعة في مكافحة تغير المناخ، لا تعمل جيداً في درجات الحرارة الشديدة. وهذه مفارقة تظهر جلياً في وقت تعاني فيه ولايات أميركية عدة من موجات الحرارة التي أصبحت أكثر تواتراً وشدة.
درجات الحرارة المرتفعة ليست قاتلة للمركبات التي تعمل بالبطاريات، وإنما تعمل السيارة الكهربائية في المناخ الحار بجهد أكبر للحفاظ على البرودة لبطاريتها ولركابها أيضاً، لكنَّها تعمل بشكل جيد إلى حد ما. أما على المستوى الكيماوي؛ فإنَّ الحرارة الشديدة تشبه إصابة بطارية المركبات الكهربائية بمرض في القلب أو بنوع خفيف وبطيء التطور من السرطان.
يرجع ذلك إلى أنَّ الأيونات في بطارية السيارة تتسارع عندما ترتفع درجات الحرارة، وبمجرد حدوث ذلك، غالباً ما تواجه مشكلة في الاتصال بالقطب الموجب أو القطب السالب. يمكن أن يؤدي الضغط والسرعة أيضاً إلى حدوث شقوق صغيرة، مما يبطِّئ التفاعلات الكيماوية ويقلل عمر البطارية.
إضعاف البطارية بلا رجعة
إلى حد ما، يحدث الأمر نفسه خلال أي دورة شحن سريع، إذ يؤدي استخدام الشاحن فائق السرعة الخاص بـ"تسلا" إلى تحريك الأيونات بسرعة أكبر مقارنة بالشحن من منفذ كهربائي عادي بالحائط، والحرارة الناتجة عن الشحن السريع هي إحدى أسباب عدم تسريع شحن بطاريات الهواتف الذكية عن المستوى الحالي. أما في الأيام شديدة الحرارة؛ فتتحرك الأيونات في بطاريات السيارات الكهربائية حتى عندما لا تكون السيارة قيد القيادة أو موصولة بالكهرباء، وقد يقلل ذلك نطاق البطارية بلا رجعة، أي تقل المسافة التي تقطعها السيارة أو مدة عملها قبل الحاجة إلى إعادة الشحن.
يقول سكوت كيس، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "ريكرنت" (Recurrent)، وهي شركة ناشئة تصدر تقارير عن حالة البطارية لعملاء ووكلاء المركبات الكهربائية: "السيناريو الأسوأ هو أن تكون السيارة في مرآب غير مكيف الهواء في فينيكس طوال الصيف دون توصيلها بالشاحن… إذ سيضر ذلك البطارية بسرعة كبيرة". أما إذا كانت السيارة موصولة بالكهرباء، فيمكنها استخدام طاقة الشحن للحفاظ على برودة بطاريتها.
الطقس البارد أيضاً يؤثر على بطاريات السيارات الكهربائية، فكلما كانت درجة الحرارة أكثر برودة، كانت التفاعلات الكيمياوية أبطأ، وتقلص وقت احتفاظ البطارية بالشحن. لكن هذه الخسائر قصيرة الأمد، وعندما يأتي الربيع، ستستعيد البطارية الموجودة في ولاية ميتشغان الثلجية أو ماين الباردة كفاءتها بالكامل، أما الحرارة؛ فيمكن أن تخفض النطاق الأقصى إلى الأبد.
يقول كيس: "تستطيع أن تدرب الناس على هذه الأمور، لكنَّك لا تستطيع أن تطلب منهم ألا يعيشوا في فينيكس، إذ لا يبدو ذلك منصفاً نوعاً ما".
الحفاظ على البطارية
مع زيادة استخدام المركبات الكهربائية بالتوازي مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب؛ سيتعين على السائقين في جميع أنحاء العالم التعرف على أفضل الطرق للحفاظ على عمر البطارية. تشهد الولايات المتحدة على وجه الخصوص مستويات عالية من انتشار واعتماد المركبات الكهربائية في المناطق الحارة. وتعد كاليفورنيا وفلوريدا وتكساس وأريزونا وجورجيا موطن 56% من السيارات التي تعمل بالبطارية في البلاد، وفقاً لوزارة الطاقة. لحسن الحظ؛ يمكن تبني تدابير عناية لتحييد تأثير كبير من عوائق حرارة الطبيعة.
يقول سكايلر ويليامز، رجل الأعمال المقيم في أوستن الذي تعلم جيداً عن كيمياء البطارية وصيانتها قبل شراء سيارة "ريفيان آر 1 إس" (Rivian R1S) في أغسطس الماضي: "أحاول إيجاد أي مكان فيه ظل في الصيف الحار في تكساس… ولا يهم إذا كنت سأبقى في محل البقالة لمدة 10 دقائق أو ساعتين، تحري الأمان أفضل من الندم".
يتبع ويليامز أيضاً قواعد أخرى جيدة؛ فهو لا يشحن سيارته في محطات الشحن السريع إلا عند الاضطرار، ويترك شاحنته موصولة بالكهرباء دائماً عندما تكون متوقفة في المرآب، ونادراً ما يشحن البطارية فوق 80%، ويستخدم تطبيق "ريفيان" لفتح النوافذ إذا كان بعيداً عن الشاحنة في يوم حار. بعد عام تقريباً، لم تفقد سيارته نسبة من قدرتها، مما يحافظ على قيمتها عند إعادة البيع.
حالة البطارية وإعادة البيع
سرعان ما أصبحت حالة البطارية مقياساً ضرورياً تأتي أهميته في الترتيب الثاني في سوق المركبات الكهربائية، وبات هناك اندفاع لقياس حالتها بتفصيل شديد. تقول ستيفاني فالديز ستريتي، مديرة التخطيط الاستراتيجي في شركة "كوكس أوتوموتيف" (Cox Automotive Inc)، إنَّ أربعة من كل خمسة مشترين للمركبات الكهربائية يفكرون الآن في طول عمر البطارية عند الشراء، وهذا أحد أسباب إعداد فريقها لدرجات خاصة يمكن استخدامها في قياس هذا العمر.
تضيف فالديز ستريتي: "مازلنا نركز بقوة على البحث والتطوير في هذا الشأن، لكن هذه هي الرؤية … إنَّ توفّر خيار شراء سيارة كهربائية مستعملة مهمٌ للغاية، وبالتالي؛ ستكون الشفافية بشأن حالة البطارية مهمة".
في هذه الأثناء؛ فإنَّ عمل شركة "ريكرنت" بمثابة خطوة للأمام، وتجمع الشركة ثلاث مرات في اليوم مقاييس البطاريات من أكثر من 17 ألف سيارة مسجلة في خدمتها، وباستخدام هذه البيانات، يمكن أن تعطي "ريكرنت" درجة لأي مركبة كهربائية محددة سريعاً من خلال النظر في تقدير نطاق البطارية وحالة الشحن وعداد المسافات، وإذا تمكن نظامها من تحديد حالة السيارة أثناء الشحن، يكون ذلك أفضل.
محور جديد للمنافسة
على سبيل المثال، قد تحصل سيارة كهربائية اختبرت عدداً قليلاً من فصول الصيف في تكساس على درجات أقل من سيارة من الطراز نفسه، قطعت عدد الأميال نفسه في مناخ معتدل. وعلى النقيض، يمكن لسائق تكساس الذي اتخذ جميع الاحتياطات المناسبة لمركبته الكهربائية أن يحصل على درجة من "ريكرنت" أعلى من سيارة مماثلة في مناخ أكثر برودة، حيث يتم دفعها بشكل روتيني إلى التفريغ بالكامل ثم إعادة شحنها، وهي ممارسات تزيد من معدل إهلاك بطارية الليثيوم أيون.
يقول كيس: "يتنافس المصنعون على ثلاثة محاور: نطاق عمل البطارية قبل إعادة شحنها، وسرعة الشحن، والتكلفة… هذه المحاور الثلاثة مسؤولة عن المحور الرابع وهو مدة استمرار تلك المقاييس".
وبالفعل؛ تدرس الجهات التنظيمية في كاليفورنيا اقتراحاً يتطلب مقياساً لصحة البطارية لكل مركبة كهربائية معروضة للبيع. حتى الآن؛ فإنَّ بعض أفضل عملاء "ريكرنت" هم وكلاء توزيع سيارات في المناطق الحارة، حيث يمكن أن يكون الاختلاف صارخاً بين النطاق الفعلي لعمل البطارية قبل إعادة الشحن والنطاق الرسمي "المعتمد"، كما حددته وكالة حماية البيئة الأميركية.
يقول سكوت: "شهادات النطاق من وكالة حماية البيئة خاطئة من اليوم الأول، لأنَّها لا تأخذ في الحسبان التغيرات في درجات الحرارة… وهذا تغير ضخم يحتاج الجميع إلى رؤيته".