يتعرَّض نصف كُبرى مُدن العالَم على الأقلِّ لخطر الزلازل الكبيرة أو المتوسطة، وتكون المخاوف من "الزلزال الكبير" التالي على المراكز السكانية الرئيسية، مثل طوكيو، ومومباي، وجاكرتا، ومكسيكو سيتي، ومانيلا، ولوس أنجلوس، وسان فرانسيسكو، وسان باولو، وإسطنبول، وطهران.
وفي ظلٍّ تحوُّل العالَم نحو نمط الحياة الحضرية بشكل متزايد (من المتوقَّع أن يعيش نحو ثلثَي السكان في المدن بحلول عام 2050)، يُعَدُّ التأهُّب لحدوث الزلزال تحدياً كبيراً وطويل الأمد، وتكون القرارات بين أيدي قادة منتخَبين على المدى القصير، لذا ما الخطوات التي يجب اتخاذها اليوم لحماية المواطنين والشركات والاقتصاد من تهديد بعيد الأمد، إذ إنه قد يضرب مرة واحدة في الحياة، حال حدوثه؟
نظام الإنذار المبكر
في الوقت الذي تختلف فيه استعدادات المدن اختلافاً كبيراً، ينتقل كثير من الأفراد من مناطق الصدع بشكل عاجل لإعادة النظر في خطط مواجهة الكوارث في أعقاب الزلزال الياباني المروع "توهوكو" 2011، الذي أدى إلى تسونامي وتسبًّب في كارثة نووية، وأسفر عن مصرع أكثر من 15 ألف شخص. وقال حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، إنَّ الزلازل المتتالية التي حدثت في شهر يوليو تُعَدُّ من أقوى الزلازل التي هزَّت كاليفورنيا منذ عقود، لأنَّها كانت بمثابة "نداء صحوة وإنذار" للمواطنين القاطنين في ولايته، والتابعين لحكومته.
يُذكر أنه حتى قبل تلك الزلازل طالبت مدينة لوس أنجلوس نحو 13.5 ألف شخص من مالكي المباني الخشبية، و1500 شخص من مالكي المباني الخرسانية الهشَّة بالعمل على تعزيزها وتقويتها، كما طالبت مدينة سان فرانسيسكو بإجراء تجديدات على المباني السكنية ذات الإطار الخشبي التي تضمٌّ أكثر من 115 ألف شخص.
وقال نيوسوم، إنَّ نظام الإنذار المبكٍّر في ولاية كاليفورنيا -الذي يمكن أن ينبِّه الناس تلقائياً قبل بدء الزلزال إلى البحث عن أماكن آمنة، وإغلاق المنشآت الصناعية، ووقف وسائل النقل سريعة التأثر- طُبِّق بنسبة 70%. ومن المفترض أن يكون هذا النظام جاهزاً في عموم الولاية بحلول نهاية العام الماضي 2019، أمَّا في أوريغون وواشنطن فسيكون جاهزاً في العام المقبل 2021. وتُعدُّ اليابان، وتايوان، وإيطاليا، والمكسيك، مِن أوائل مَن استخدم أنظمة الإنذار هذه، التي تكتشف الموجات الأولى من الزلزال، وتتيح التنبيه السريع عبر وسائل البث الإعلامي، والرسائل النصِّية على الهواتف المحمولة. وقد أدَّت التحسينات التي جرت بعد الزلزال الكارثي خلال عام 1985 في مدارس مكسيكو سيتي، وبعض المباني العامة الأخرى إلى انخفاض عدد الوَفَيَات في زلزال سبتمبر 2017، على الرغم من أنَّ الزلازل لا تزال تودي بحياة ما يقرب من 400 شخص.
المدن الساحلية الأكثر نشاطاً زلزالياً
تُعَدُّ الاهتزازات الأرضية حقيقة من حقائق الحياة، إذ تتعرَّض الأرض لمئات الزلازل التي يمكن ملاحظتها يومياً، مع حدوث زلزال كبير-بقوة 7 درجات ريختر أو أكثر، ويحدث في المتوسط أكثر من مرة في الشهر، إلى درجة أنَّ هناك ما يسمى بـ"نتاج الهزات الأرضية"، أو الزلازل الصغيرة الناجمة عن استخراج النفط، والأنشطة البشرية الأخرى. إنَّ المدن الساحلية شديدة النشاط الزلزالي (منطقة الحزام الناري)، بما في ذلك طوكيو، وجاكرتا، وسان فرانسيسكو، وهي تتشارك فقط في حالة اقترابها من خطوط التصدُّع والبراكين، بل في التربة الناعمة والمشبعة أيضاً، التي يمكن أن تزيد من مخاطر الزلزال.
وأبدى علماء الزلازل دهشتهم من أنَّ زلزال 1985 تسبَّب في وفاة أكثر من 5 آلاف شخص في "مكسيكو سيتي" وما حولها، على الرغم من أنَّ مركز الزلزال كان على بُعد أكثر من 320 كيلومتراً. وفي حين يعتقد العلماء أنَّّ الزلازل الكبرى لا يتزايد ترددها، فإنَّه من المحتمل أن تزداد احتمالية الضرر عندما تزداد المدن ارتفاعاً وكثافةً وثراءً. وتقول شركة إعادة التأمين العالمية "سويس ري": "يوجد 283 مليون شخص في المناطق الحضرية عُرضة لخطر الموت أو الأذى أو الإجلاء بسبب الزلزال".
تجارب دولية مختلفة استعداداً للزلازل
لا يكون التعديل التحديثي للمدن التي يعود تاريخها إلى مئات السنين أمراً هيِّناً أو بسيط التكلفة، إذ تكون الفوائد منها نظرية إلى حدٍّ كبير، وتكون تكلفة الميزانيات الموسعة ملموسة، في حين تكون نتيجة التطوير بطيئة للغاية.
وتمنح لوس أنجلوس أصحاب المباني المعرَّضة للخطر 25 عاماً لإجراء الإصلاحات. وتسمح سان فرانسيسكو لمبانيها الشاهقة فرصة أن تصبح أطول وأكثر كثافة، في ظلِّ التشكك في أنَّ المباني الشاهقة قد تصمد أمام الزلازل، وذلك على الرغم من أنَّ إحدى ناطحات السحاب في المدينة تهبط وتميل. وفي الهند، تراجعت الجهود المبذولة لتحسين التصميمات الهندسية، وإنفاذ قوانين البناء المهملة، مما دفع أحد الخبراء إلى الحزن والأسف على عدم وجود "مؤيِّدين للسلامة من الزلازل". ولم تخلُ تركيا من أجواء القلق والتوتر في ظلِّ الانتقادات الموجهة إلى الحكومة لإلغائها بعض الإجراءات الاستعدادية لمواجهة الزلازل، التي كانت قد تعهَّدت بها بعد زلزال 1999 الذي أودى بحياة 17 ألف شخص على الأقل. أمَّا بيرو، فيوجد في العاصمة ليما عدد من المساكن المهددة، فقد بُنِيَت على سطح تربة غير مستقرِّة، في حين يتولى معهد الدفاع الوطني المدني عمليات إخلاء السكان خشية الزلازل. كلُّ ذلك قد يفسِّر الانتقال نحو أنظمة الإنذار المبكِّر، التي يمكن أن تمنح الناس نافذة صغيرة-ربما ثوانٍ فقط، وربما دقيقة أو أكثر لإخلاء المباني. وقد توفِّر التكنولوجيا أنظمةً أو سبُلًا أرخص لتحذير أولئك المعرَّضين للخطر، ويستكشف الباحثون الأمريكيون كيفية توظيف حساسية الحركة، وانتشار الهواتف الذكية لإنشاء شبكة ضخمة تكشف تلقائياً الزلازل، وتُصدِر تحذيرات شبه فورية.