أعلنت المملكة العربية السعودية في مطلع الشهر الحالي عن انخفاض عجز الموازنة الحكومية إلى ملياري دولار، ليسجل 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من عام 2021، منخفضاً من 9 مليارات دولار خلال الربع الأول من العام الماضي.
برغم أنَّ هذا التحسُّن كان مدفوعاً بشكل كبير بارتفاع أسعار النفط، وانخفاض معدلات الإنفاق الفصلية، فإنَّ أداء وبيانات الموازنة العامة تكشف أيضاً عن تحسُّن هيكلي واضح، تجسَّد بانخفاض العجز المالي غير النفطي إلى أدنى مستوياته في أكثر من 6 سنوات.
ضريبة القيمة المضافة
يرجع التحسُّن الهيكلي، الذي يقلل من تعرُّض الدولة للتقلبات المالية الناجمة عن تقلبات الطلب العالمي على النفط، بشكلٍ أساسي إلى مضاعفة معدل ضريبة القيمة المضافة (VAT) ثلاث مرات، لتصل إلى 15% في يوليو الماضي، بالإضافة إلى انخفاض معدل الإنفاق الرأسمالي بنسبة 50% تقريباً حتى الآن، ليتماشى مع مستهدفات ميزانية عام 2021، وفقاً لتقرير صادر عن "موديز" لخدمات المستثمرين.
إنَّ الإجراء الذي اتخذته الحكومة السعودية برفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15%، عوَّض الانخفاض في معدل الإيرادات الضريبية الأُخرى، وكذلك انكماش الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. ونتيجةً لذلك؛ ارتفعت الإيرادات غير النفطية إلى 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في 2020، من 10.9% للعام الذي سبق، ولتتضاعف من 4.8% في 2017، وهو العام الذي سبق تطبيق ضريبة القيمة المضافة.
خفض الإنفاق
وفقاً لميزانية 2021 المعتمدة؛ فإنَّ قرار الحكومة السعودية بخفض معدلات الإنفاق، الذي تمَّت صياغته ضمن برنامج التوازن المالي على المدى المتوسط، يهدف إلى خفض الإنفاق الإجمالي لهذا العام بنسبة 8% مقارنةً بالإنفاق الفعلي خلال عام 2020.
من المقرر أن يتمَّ توجيه ثلثي هذا التخفيض نحو الإنفاق الرأسمالي، الذي تستهدف الحكومة السعودية خفضه بمعدل 35% خلال 2021، مُقارنةً بمستويات عام 2020، لينخفض بذلك إلى أدنى مستوى له منذ عام 2006.
مع الإشارة إلى أنَّه غالباً ما توجه الحكومة السعودية الإنفاق الرأسمالي لاستيعاب صدمات الإيرادات (كما فعلت في عامي 2015، و2016) أو لمواكبة أوليات الإنفاق الأخرى (كما فعلت في عامي 2019، و2020).
صندوق الاستثمارات العامة
برأي "موديز"، فإنَّ تخفيض الإنفاق الرأسمالي في الميزانية، سيساعد على انتعاش الاقتصاد السعودي، وسيتمُّ تعويض جزء منه من خلال الإنفاق الاستثماري على المشاريع المحلية من قِبل صندوق الاستثمارات العامة، الذي تهدف أجندته إلى دعم التنويع الاقتصادي، والاستثمار المشترك للحكومة مع القطاع الخاص، في مجموعة من المشاريع الضخمة التي أُعلن عنها كجزء من رؤية السعودية 2030، التي سيتمُّ تطويرها خلال العقد المقبل.
استناداً لاستراتيجية 2021 - 2025 التي أعلنها صندوق الاستثمارات العامة في يناير الماضي، يهدف الصندوق إلى إنفاق ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً في المتوسط على المشاريع المحلية، أي ما يعادل حوالي 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لعام 2021، وهو ما يناهز ضعف ما تمَّ إنفاقه خلال 2019 - 2020.
تقلبات النفط
ماتزال الموازنة السعودية شديدة التأثر بالتقلُّبات في أسعار النفط العالمية، إذ تشكِّل عائدات النفط أكثر من نصف إجمالي الإيرادات. ونتيجة لذلك، أدى ارتفاع أسعار النفط الخام إلى متوسط 61 دولاراً للبرميل خلال الفترة من يناير إلى مارس للعام الحالي، من مستوى 44.5 دولار للبرميل للفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2020، إلى زيادة كبيرة في عائدات النفط الحكومية بلغت 21% مقارنةً بالربع الأخير من العام الماضي، بحسب "موديز".
وترى الوكالة أيضاً أنَّ الانخفاض الفصلي في معدلات الإنفاق، وارتفاع أسعار النفط أديا إلى انخفاض العجز المالي إلى أدنى مستوياته في 6 سنوات، باستثناء الربع الأول من 2019 الذي حقق فائضاً مالياً قدره 7 مليارات دولار، بفضل حصول الحكومة السعودية على توزيعات أرباح من شركة "أرامكو".
دروس كورونا
تكشف البيانات المالية للربع الأول أيضاً عن تحسُّن هيكلي ناجم عن الإصلاحات المالية، وإجراءات التحفيز التي اتخذتها السعودية استجابةً لتداعيات جائحة كورونا، فقد ساهمت هذه الإصلاحات والتدابير في انخفاض معدل تأثُّر الموازنة السعودية بتقلُّبات أسعار النفط العالمية.
تشير "موديز" لخدمات المستثمرين إلى أنَّه في حال استمرار التحسُّن الهيكلي؛ فإنَّه سيساعد أيضاً على احتواء التدهور المالي الذي شهده العام الماضي نتيجة تداعيات فيروس كورونا. مُتوقعةً أن ينخفض العجز المالي غير النفطي للحكومة السعودية إلى حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في 2021، من 35.4% لعام 2020، ومن 39% كمتوسط سنوي للفترة من 2015 إلى 2019. كما تتوقَّع الوكالة أيضاً نمو القطاع غير النفطي بنسبة 3.4% خلال 2021، من انكماش بنسبة 2.3% العام الماضي، وذلك بدعم من الإصلاحات الهيكلية، والتقدُّم الأولي على صعيد المبادرات الهادفة لتحقيق التنوع الاقتصادي بعيداً عن النفط.