يواجه تحالف "أوبك+" الكثير من التحديات خلال 2025، بدايةً من ضعف نمو الطلب على النفط، وزيادة الإنتاج من منافسيه، ووصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض رافعاً شعار زيادة الحفر. تلك هي التهديدات الخارجية. لكن يوجد خصم في الداخل أيضاً.
بين الحين والآخر، يواجه التكتل تحدياً متكرراً يتمثل في أن أحد أعضائه ينفق مبالغ ضخمة على حقول نفط جديدة، ويكون مستعداً وبشغف لتحويل هذا الاستثمار إلى إنتاج فعلي من النفط الخام. في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، كانت الجزائر هي العضو المتحمس لزيادة الإنتاج، وفي العقد الثاني، لعب العراق هذا الدور. مؤخراً، كانت الإمارات العربية المتحدة. وفي العام المقبل، ستكون كازاخستان.
مشروع توسيع أكبر حقول كازاخستان
انضمت كازاخستان إلى منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عام 2016، عندما أسست المنظمة تحالفاً مع عدد من الدول النفطية الكبرى الأخرى، أُطلق عليه اسم "أوبك+". على مدى ما يقرب من عقد، كانت كازاخستان شريكاً مشاكساً للمنظمة، إذ غالباً ما تجاوز إنتاجها حصتها المحددة. سيزداد هذا التحدي العام المقبل مع الانتهاء من مشروع بقيمة 45 مليار دولار لتوسيع أكبر حقول النفط في البلاد.
إذا سُمح لكازاخستان بالعمل بكامل سعتها الإنتاجية، فإن توسيع حقل "تنجيز" النفطي، الذي استغرق قرابة عقد من الزمن لإتمامه، يمكن أن يضيف نحو 260 ألف برميل يومياً مع حلول منتصف 2025. قد يبدو هذا الرقم صغيراً، لكنه يعادل نحو ربع الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط العام المقبل.
هذا التوسع، إلى جانب الإنتاج الأقوى من المتوقع من المنشآت القائمة في الحقل، قد يسمح لكازاخستان برفع إنتاجها من النفط، بما في ذلك نوع من النفط الخفيف يسمى المكثفات، إلى مستوى قياسي يتجاوز مليوني برميل يومياً خلال العام المقبل.
كانت كازاخستان تأمل أنه مع دخول حقل "تنجيز" حيز التشغيل تكون حصتها الإنتاجية ارتفعت بما يكفي لمنحها مجالاً لزيادة الإنتاج دون انتهاك واضح للحدود المقررة. في يونيو الماضي، وافق "أوبك+" على خطة لزيادة الحصص تدريجياً خلال الأشهر الأخيرة من 2024 ومع بداية 2025. كان من المفترض أن تبدأ هذه الزيادات الشهرية في سبتمبر الماضي، لكن انخفاض أسعار النفط دفع التكتل لتأجيل تطبيق القرار حتى يناير المقبل. من المقرر أن يعقد "أوبك+" اجتماعاً الأحد المقبل لمناقشة إمكانية تأجيل إضافي. ووفقاً لما ذكره ممثلو "أوبك+"، فإن التأجيل يبدو مرجحاً، رغم عدم بدء المناقشات الرسمية بعد. (أجل تحالف "أوبك+" اجتماعه فعلاً إلى 5 ديسمبر).
تداول خام برنت، وهو المعيار العالمي، عند حوالي 75 دولاراً للبرميل لعدة أسابيع رغم التوترات الكبيرة بمنطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك القصف الإيراني والإسرائيلي المتبادل. قد يؤدي احتمال وجود انقسامات داخلية في "أوبك+" إلى إضعاف السوق بطريقة أكبر.
مأزق تأجيل زيادة حصص الإنتاج
إذا وافق التحالف على مزيد من التأجيل، فسيكون ذلك بمثابة انتكاسة كبيرة لكازاخستان. إذا التزمت البلاد بحدود إنتاج "أوبك+"، فلن تتمكن من إنتاج النفط الإضافي رغم استثماراتها الضخمة، أو ستضطر إلى خفض الإنتاج في مواقع أخرى لتعويض زيادة إنتاج "تنجيز". من الناحية الاقتصادية البحتة، ربما تختار كازاخستان الخيار الثاني، إذ يتمتع حقل تنجيز بتكلفة إنتاج منخفضة للغاية، ما يجعله مربحاً للغاية للحكومة وشركائها الأجانب. يُدار حقل تنجيز من قبل شركة "شيفرون" الأميركية، وهو جزء من 3 حقول نفط عملاقة في كازاخستان، تشمل أيضاً حقلي "كاراشاغاناك" و"كاشاغان".
تدير شركة "كازموناي غاز" (KazMunayGas) الحكومية، إلى جانب مجموعات صينية وروسية وشركات خاصة محلية، حقولاً أصغر بكثير وبتكاليف إنتاج أعلى. في الماضي، طلبت الحكومة من شركة "كازموناي غاز" خفض الإنتاج في هذه الحقول التي تحتاج غالباً إلى أسعار تفوق 50 دولاراً للبرميل لتحقيق الربح.
بدلاً من ذلك، قد تتجاهل كازاخستان الحدود التي وضعها "أوبك+" وتنضم إلى الإمارات والعراق في تجاوز الإنتاج الحصص المحددة من قبل التحالف. أقدمت البلاد بالفعل على ذلك خلال الأشهر الأخيرة، ما أسفر عن مواجهة متوترة مع المنظمة، تضمنت زيارة الأمين العام لـ"أوبك+"، هيثم الغيص، إلى العاصمة الكازاخستانية، نور سلطان، لعقد اجتماعات مع قيادة البلاد خلال أغسطس الماضي. ستُفاقم أي زيادات إضافية للإنتاج المشكلة.
المسار التصادمي مع "أوبك+"
تكمن النقطة المحورية في مدة تأجيل "أوبك+" لزيادة الحصص الإنتاجية. أكدت شركة "شيفرون" مؤخراً للمستثمرين أن توسعة حقل "تنجيز" ستبدأ الإنتاج في النصف الأول من العام المقبل، ما يضع موعداً نهائياً لبدء إنتاج النفط الجديد مع حلول نهاية يونيو المقبل. تشير تقديرات الموقف إلى أن "شيفرون" تسعى لتقليل التوقعات وتحقيق نتائج مبكرة، ما يعني أن الإنتاج قد يبدأ قبل الموعد المعلن. إذا أعلن "أوبك+" تأجيلاً لمدة 3 أشهر فقط، حتى نهاية الربع الأول من العام المقبل، فقد لا يمثل ذلك مشكلة كبيرة لكازاخستان. لكن إذا تم تأجيل الزيادة إلى الربع الثاني -كما يتوقع الكثيرون في سوق النفط- فقد يضع ذلك كازاخستان و"أوبك+" في مسار تصادمي.
سبق وتسببت مواجهات مشابهة في خلافات كبيرة داخل المجموعة من قبل. خلال 2021، على سبيل المثال، عطلت الإمارات اتفاقية "أوبك+" لعدة أيام بعد خلاف مع السعودية بشأن الحصص. رغم أن الرياض كسبت المعركة في ذلك الوقت، إلا أن أبوظبي حصلت في النهاية على تنازلات كبيرة في الحصص خلال الشهور التالية. عندما حاول التكتل تقليص حصة أنغولا خلال 2023، قاومت البلاد، وفي النهاية غادرت التحالف. يوجد خطر من أن تتبع كازاخستان المسار نفسه. تواجه "أوبك+" تحديات على جبهات عديدة خلال 2025.