لم ينته حفل النفط بعد، لكن بالنسبة لكبار المشترين والمديرين التنفيذيين المجتمعين لإجراء محادثات وعقد لقاءات في سنغافورة هذا الأسبوع، فإن البهجة التي صاحبت الأرباح الضخمة في السنوات الأخيرة تتلاشى بوتيرة سريعة.
التباطؤ الاقتصادي في الصين، والتحولات الهيكيلة في مزيج الطاقة العالمي، واحتمال زيادة إمدادات الخام، كلها تضغط على المصافي والمنتجين، حيث تراجعت هوامش تكرير النفط. وبالمثل، المتداولون غير سعداء، حيث حلّت تقلبات السوق مكان اضطرابات جائحة كورونا والأشهر التي أعقبت غزو روسيا لأوكرانيا، وهي أحداث تحصل عادةً مرة واحدة كل جيل.
سيواجه الآلاف من المديرين التنفيذيين في مجال النفط وصناديق التحوط والمستثمرين، الذين يتجمعون لحضور مؤتمر آسيا والمحيط الهادئ للبترول "أبيك" (APPEC)، الواقع القاتم الذي يجبر محللي "وول ستريت" بالفعل على مراجعة توقعات الأسعار والطلب. في الأسابيع الأخيرة، محت أسعار النفط العالمية جميع مكاسب هذا العام. ووجد تحالف "أوبك+" نفسه مضطراً إلى تأجيل زيادة الإنتاج التي يمكن أن ترفع فائض المعروض في الأسواق.
وارن باترسون، رئيس استراتيجية السلع الأساسية في مجموعة "آي إن جي" في سنغافورة، رأى أن "المشاعر بلا شك متشائمة" في ظل غياب حالة عدم اليقين الجيوسياسي وجنون التداول اللذين سادا السنوات التي كان فيها دونالد ترمب بالبيت الأبيض. مضيفاً: "سيتطلب الأمر عودة ترمب لزعزعة الأمور مجدداً وإضافة جو من الإثارة والاضطرابات إلى السوق".
الطلب الصيني
من بين المواضيع القاتمة التي سيتم تناولها بأكبر تجمع نفطي في آسيا هذا العام، ستكون الصين محوراً يصعب تجاهله، وما إذا كان خفوت استهلاك النفط لديها يخفي وراءه انخفاضاً أكثر استدامة في استخدام الوقود الأحفوري مع ترسخ الطاقة النظيفة.
تتفاقم المشكلات الاقتصادية في بكين، وأطلقت المؤشرات تحذيرات متكررة بشأن الطلب في أكبر سوق مستوردة للنفط في العالم، والتي كانت حتى وقت قريب مصدراً رئيسياً لنمو الطلب على الخام عالمياً. شهد نشاط التصنيع انكماشاً في أغسطس للشهر الرابع على التوالي، في حين لم تكن بيانات القروض مبشرة، وسوق العمل ضعيفة. وتشير توقعات خبراء الاقتصاد حالياً إلى أن الصين ستفشل في تحقيق هدفها لنمو الاقتصاد بنسبة 5% هذا العام.
اضطر التجار الذين توقعوا انتعاشاً صينياً بفعل حزم التحفيز الحكومية إلى مراجعة تقديراتهم بشكل متكرر، حيث توقعوا في البداية انتعاش الاقتصاد أوائل هذا العام قبل أن يؤجلوا مثل هذه التوقعات إلى عام 2025.
وحتى خلال العام القادم، من المرجح أن تواجه الصين وضعاً جديداً بما يتعلق بالطاقة. وكانت شركة "ترافغورا" لتجارة السلع الأساسية من بين أولئك الذين رأوا أن الطلب على البنزين في البلاد ربما بلغ ذروته بالفعل بسبب النمو السريع لسوق المركبات الكهربائية، في حين يقلّص السفر بالسكك الحديدية فائقة السرعة، واستخدام الشاحنات التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال، من الشهية لوقود الطائرات والديزل. وساهم ذلك، إلى جانب انخفاض ثقة المستهلك، في انخفاض واردات الخام على أساس سنوي من يناير إلى يوليو، وهي ظاهرة لم تُشاهَد إلا في ذروة جائحة كورونا.
قرار "أوبك+"
الغيمة الأخرى التي تخيّم على اجتماع سنغافورة هي الخطوة التالية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك+"، وسط تجاهل التحالف لانقطاعات النفط الليبي وإرجائه عودة إمدادات الخام الإضافية إلى السوق لمدة شهرين، وهي الخطوة التي لم تكن كافية لتعويض التراجع في الأسعار.
منذ بدأ "أوبك+" بخفض الإنتاج في 2020، فقد بعض الموردين التقليديين داخل التحالف جزءاً من مكانتهم في سوق الصين، حيث زادت المصافي مشترياتها من الخام الخاضع للعقوبات، باستخدام شبكات يصعب على الولايات المتحدة رصدها. كما قامت الهند بدور الوسيط في عمليات التداول عبر كيانات غير معروفة.
وفي حين استثمرت السعودية المزيد بمصافي التكرير الصينية، ما أدى إلى تأمين بعض الطلب على الخام من قِبل هذه المصافي، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان ذلك كافياً لوقف تراجع الطلب. حيث يحد تراجع هوامش الربحية لدى المصافي من قدرتها استيراد الخام، ما أدى إلى انخفاض معدلات التشغيل بقطاع التكرير الخاص في الصين إلى ما يقرب من 50% أو أقل في الأسابيع الماضية. وفي الوقت نفسه، تدرس المصافي المملوكة للدولة تقليص أحجام التكرير في خطوة معاكسة للنشاط الموسمي.
الرابح الوحيد
الرابح الوحيد الأسبوع المقبل بشكل لا يقبل الجدل ستكون سنغافورة، إذ سيشاهد المسؤولون التنفيذيون في قطاع النفط من ناطحات سحاب الفنادق التي يقيمون فيها طوابير من مئات السفن تنتظر قبالة الساحل للحصول على فرصة للتزود بالوقود، في مشهد يذكّر بأنها أحد أكثر مراكز التزود بالوقود ازدحاماً في العالم، فضلاً عن كونها مركزاً مالياً رئيسياً.
منذ بدأت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر العام الماضي، شهد ميناء سنغافورة زيادة بمبيعات وقود السفن ونشاط إعادة الشحن، حيث تقوم السفن، التي تتراوح من حاملات الحاويات إلى ناقلات النفط العملاقة، بالالتفاف حول القارة الأفريقية، ما يسحب البساط من مراكز مثل الفجيرة في الإمارات لصالح منطقة جنوب شرق آسيا.
مركز التجارة الذي ازدهر جنباً إلى جنب مع الميناء لا يزال يتوسع ولم تتأثر جاذبيته، حتى مع ظهور دبي كمركز مالي حيث يمكن للشركات التي تتولى تداول النفط الإيراني والروسي إنشاء نشاط لها بشكل سلس.
ما قد يكون موضع نقاش غير مريح، خلال حفلات الاستقبال والعروض التقديمية في مؤتمر "أبيك"، هو مدى تأثير تباطؤ الطلب الصيني على نشاط سنغافورة كمركز آسيوي وعالمي لتداول النفط.