السنغال تنضم إلى دول أفريقية أخرى تبددت آمالها في مجال الطاقة

منافع ضئيلة لاقتصادات أفريقيا من اكتشافات النفط والغاز

محطة غاز بحرية في سانت لويس، السنغال - المصدر: بلومبرغ
محطة غاز بحرية في سانت لويس، السنغال - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

طالما بذلت السنغال جهوداً ممتدة للاستفادة من اكتشافات النفط والغاز الضخمة قبالة سواحلها، وكان آخر ما تحتاجه البلد أن تسفر تلك الجهود عن أزمة سياسية.

تضخمت آمال البلد، التي تُعد النجم الصاعد الأحدث بإنتاج الغاز الطبيعي في أفريقيا، عندما وافقت شركات "بي بي"، و"وودسايد إنيرجي غروب" (Woodside Energy Group)، و"كوزموس إنيرجي" على تطوير الحقول قبالة سواحل الدولة الواقعة في غرب أفريقيا قبل سنوات قليلة. واعتُبر أن الاكتشافات ستُحدث تغييراً جذرياً في دولة لا تتصل قُراها بشبكة توزيع الكهرباء، ويعيش ثلث سكانها في فقر.

قالت سوكنا با، العضو الأصغر سناً في برلمان السنغال، في مقابلة في العاصمة داكار العام الماضي: "سيصبح توصيل الكهرباء إلى السكان كلهم واقعاً. ويمكن استغلال الإيرادات أيضاً في تحسين الأوضاع المعيشية للشعب".

لكن سلسلة تأخيرات في مشروع حقل "غراند تورتو آميام" (Grand Tortue Ahmeyim) للغاز الذي تطوره "بي بي" بتكلفة 4.8 مليار دولار، ووقع أحدثها في الشهر الماضي، تعني أن تلك الآمال لن تتحقق قريباً. دفع ذلك البلد إلى التصريح باحتمال عدم تحقيق توقعات صندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي في 2024.

اقرأ أيضاً: طلب أوروبا على النفط يرفع أسعاره في غرب أفريقيا وبحر الشمال

وفي الفترة الحالية ساءت الأوضاع نتيجة محاولة تأجيل الانتخابات، ما سيمدد ولاية الرئيس ماكي سال بنحو عام. والدولة التي تُعد من أشد الديمقراطيات استقراراً في غرب أفريقيا تدخل في أزمة، وترتفع تكلفة التمويل اللازمة لتحقيق طموحاتها في مجال الطاقة.

السنغال ليست الوحيدة

بذلك؛ تنضم السنغال إلى دول أفريقية أخرى واجهت تحديات في الاستفادة من بعض أكبر اكتشافات النفط والغاز في العالم خلال عقود. لكن الاكتشافات لم تحقق الآمال المعقودة عليها إلا نادراً، وجلبت ضرراً أكبر من المنفعة. فكل شيء، بما يشمل التأخيرات في المشروع والضبابية السياسية وسوء الإدارة، حدّ من إيرادات التصدير، ما أجبر تلك الدول على اللجوء إلى مزيد من الاقتراض وفاقم سوء أوضاعها المالية.

تتزايد ديون السنغال، واضطرت موزمبيق إلى إعادة هيكلة قروضها، وتخلفت غانا عن السداد في ظل سوء إدارة إنتاجها من النفط والغاز.

كما أن الاكتشافات لم تؤدِّ إلا إلى تحسن طفيف في أوضاع الطاقة في تلك الدول، فالأسواق المحلية في أرجاء القارة لا تُقارن بمثيلاتها المربحة في الخارج. والشركات الأجنبية لا تحبذ مشروعات التطوير التي لا تستهدف أسواق التصدير، ما يحد من قدرة وصول الاقتصادات المحلية إلى الغاز الذي تمتلكه، والممكن استخدامه في توليد الكهرباء للاستعمال المنزلي والصناعي، فنحو 600 مليون شخص، أي أدنى قليلاً من نصف سكان أفريقيا، محرومون من الحصول على الطاقة بشكل مباشر، رغم أن 6% من الغاز و7% من النفط في العالم يُنتج في القارة.

اقرأ أيضاً: نيجيريا تغازل الشركات بخفض التكلفة سعياً لزيادة إنتاج النفط

قالت فيجايا راماشاندران، مديرة الطاقة والتطوير في معهد "بريك ثرو" (Breakthrough Institute)، وهو مركز بحوث مقره في كاليفورنيا: "يُصدّر معظم الغاز الطبيعي، وتستفيد الدول الأفريقية من الإيرادات بالعملة الأجنبية. لكن الحقيقة أن هناك زيادة كبيرة في الاحتياجات المحلية للطاقة لا تُلبى".

اعتماد على الشركات الأجنبية

تُعد أفريقيا القارة الوحيدة التي يتزايد فيها عدد المحرومين من الكهرباء بمرور السنوات. كما أن نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء الموصلة من شبكات التوزيع، بالنسبة لمعظم الأفارقة، أقل مما يستهلكه مُبرّد في الولايات المتحدة.

وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن تكلفة حصول القارة بأكملها على الطاقة الحديثة تبلغ 25 مليار دولار سنوياً، ما يعادل تكلفة إنشاء محطة للغاز الطبيعي المسال.

لكن في ظل اعتماد مشروعات التطوير على الشركات الأجنبية، والطلب القوي من أوروبا، بالأخص باعتبار غاز القارة بديلاً عن روسيا، فإن توفير الكهرباء في الدول الأفريقية لم يحظ بالاهتمام الكافي. وبينما تشير وكالة الطاقة الدولية إلى إمكانية توجيه نحو ثلثي إنتاج القارة من النفط والغاز إلى تلبية الطلب المحلي بحلول 2030، فهذا التقدير مرهون بمصالح الشركات الأجنبية وتضافر الدول، وهو ما لا يحدث.

تجربة السنغال

لنأخذ حالة السنغال مثالاً، فهي تقترب من أن تصبح واحدة من أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي، وأُدرجت متحصلات تصدير نحو 100 ألف برميل نفط يومياً و2.5 مليون طن من الغاز سنوياً من مشروع "غراند تورو"، في التوقعات الاقتصادية للدولة. لكن استغلال حقل "ياكار تيرانغا" البحري للغاز لدعم الصناعات في البلد والمنطقة يبدو أملاً بعيد المنال.

في لغة ولوف المحلية، تعني "ياكار" الأمل، و"تيرانغا" تعني الرخاء، لذلك اعتبر الرئيس سال أن الحقل سيعزز توصيل الكهرباء في غرب أفريقيا، لكن هذه الآمال تلقت ضربة في نوفمبر الماضي، عندما تخارجت "بي بي" من الحقل الذي تشغله وتملك فيه حصة 60%. سعت الشركة إلى تصدير الغاز المستخرج من "ياكار تيرانغا"، إلا أن السنغال أرادت استخدامه محلياً، بحسب ما صرح به وزير النفط والطاقة، أنطوان فيليكس، أمام البرلمان.

استحوذت "بيتروسن" (Petrosen)، شركة النفط الوطنية في السنغال، و"كوزموس"، ومقرها في دالاس، على حصة "بي بي" مؤقتاً. وفي ظل بحثهما عن شريك جديد لديه موارد مالية وفيرة، سرعان ما تتبدد آمال تطوير الحقل في المستقبل القريب. وأفاد كادي نداييه، مدير "كوزموس" في غرب أفريقيا، في تعليقات أُرسلت عبر البريد الإلكتروني، بأن الشركة تتعاون مع "بيتروسن" للالتزام بالجدول الزمني الذي وضعته الحكومة.

اقرأ أيضاً: إيطاليا تخطط لتعزيز علاقاتها مع أفريقيا بـ6 مليارات دولار

قالت "با"، عضو البرلمان، إن "بي بي" تهتم بمصالحها، وكذلك السنغال. الفرق أن "البلد تفتقر إلى الوسائل والخبرة اللازمة لتطوير مواردها".

لم ترد "بي بي" على الاستفسارات عن المشروع، وما تزال هي المُشغلة لمشروع تطوير حقل "غراند تورتو"، ولديها طلب كبير على صادرات الغاز المسال إلى أوروبا. وقد يؤدي "غراند تورتو" ومشروع تطوير آخر لحقل "سانغومار" إلى رفع معدل نمو السنغال إلى 8.3% في العام الجاري، ما دام المشغلون يتجنبون وقوع مزيد من التأخيرات.

دول أفريقية أخرى

مرت موزمبيق بموجة مشابهة من الحماس وخيبة الأمل، بعد بدء اكتشافات الغاز الضخمة في 2010 قبالة سواحل الدولة الواقعة في جنوب شرق أفريقيا. غير أن خطط شركة "شل" لتشييد منشأة تحويل الغاز إلى سوائل، ومشروع مصنع الأسمدة الذي قادته شركة "يارا إنترناشيونال" (Yara International ASA) النرويجية، أُلغيت بعدما تذرعت الشركتان بتغييرات في الاستراتيجية وتقلب الأسواق.

مع توقع الإيرادات القادمة من صادرات الغاز الطبيعي المسال، رفعت موزمبيق، إحدى الدول الأشد فقراً في العالم، توقعات النمو السنوي إلى نحو 24% ما بين عامي 2021 و2025، وأعادت هيكلة سنداتها المحلية في 2019، مع ربط جدول السداد بالإيرادات المتوقع تحقيقها من مشروع ستشتريه "توتال إنرجيز".

لكن تمرد جماعة إسلاموية متطرفة عطل المنشأة البرية والإيرادات المرتبطة بها، ما رفع مخاطر خدمة الدين. وترك ذلك موزمبيق في وضع أسوأ، وفق المعهد الدولي للتنمية المستدامة (International Institute for Sustainable Development)، وهو مركز بحوث مقره في وينيبغ.

كتب باحثو المعهد في بحث نُشر في ديسمبر الماضي أن "نمو الناتج المحلي الإجمالي تراجع، فيما زادت الديون، وعدم المساواة، والبطالة، والفقر. كما أن الإيرادات المستقبلية للحكومة، والمتوقع ألا تشهد زيادة كبيرة إلا بدءاً من 2032، ستكون عرضة أيضاً لسوق غاز يلفها عدم اليقين، وقد تصبح المشروعات غير المربحة عبئاً صرفاً".

اقرأ أيضاً: أسعار النفط تتراجع مع إشارة إيران إلى تقدم محادثات غزة

أما غانا، فقد أخفقت في إدارة موارد النفط والغاز فيها بالشكل الأمثل. بعد بدء الاكتشافات الكبرى على يد "تالو أويل" في 2007، نالت غانا الفرصة لتعزيز التنمية الصناعية من خلال الكهرباء المولدة باستخدام الغاز. لكنها تحرق الغاز في الحقول بدلاً من ذلك.

رغم ثروتها من الموارد الطبيعية، تخلفت غانا عن سداد ديونها السيادية، وتراكمت مستحقات شركات إنتاج الكهرباء المستقلة على منظومة الكهرباء الحكومية، وتوقف مشروع لاستيراد الغاز المسال.

تأثير كبير

تواجه مشروعات الطاقة الضخمة في أفريقيا تأخيرات في العادة، إذ استغرقت مشروعات تطوير حقول النفط عقداً، ما يقارب ضعف المدة المخطط لها، وفق معهد حوكمة الموارد الطبيعية (Natural Resource Governance Institute)، وهو منظمة غير حكومية. وعوضاً عن تحقيق الأرباح المفاجئة المنتظرة، قد تسفر تلك التأخيرات عن ضرر كبير لاقتصاد صغير.

قال بابا داوودا ديِّن، المحلل لدى المعهد، في حوار إن "صندوق النقد الدولي نقّح توقعات نمو السنغال في 2024 من 10.6% إلى 8.3%، والسبب الرئيسي لذلك هو التأخيرات في إنتاج المواد الهيدروكربونية".

في مواجهة ما تعتبرهم شركاء أجانب غير موثوقين، تسعى شركات النفط الوطنية في أفريقيا إلى تشييد تلك الأصول وتشغيلها بنفسها. فترغب "بيتروسن" السنغالية أن تصبح المُشغل الرئيسي لمشروع "ياكار تيرانغا"، كما تمد الدولة خطوط أنابيب محلية.

جوزيف ميدو، المدير العام لشركة "روز غازييه دو سنغال" (Reseau Gazier du Senegal) لتوزيع الغاز في السنغال، قال في حوار: "لا نريد الانتظار، نود الشروع في بناء شبكة الأنابيب. الفكرة تكمن في الاستعداد قبل اكتمال مشروع الغاز".

اقرأ أيضاً: الجزائر توقع أول صفقة توريد غاز عبر خطوط الأنابيب مع ألمانيا

سيتعين على الحكومة إصدار سندات محلية لجمع المال لتمويل حصة الدولة في مشروعات النفط والغاز، وفي ضوء عدم اليقين المحيط بتحول الطاقة، قد تأخذ بعين الاعتبار تعزيز الإشراف على "بيتروسن"، بحسب ديِّن.

كما أن تصاعد التوترات السياسية في البلد خلال الفترة الحالية قد يرفع تكاليف أي قروض تسعى الدولة إلى الحصول عليها.

قالت "با" إنه في ظل بحث مشروع "ياكار تيرانغا" عن شريك رئيسي، واستمرار التأخيرات في مشروع "غراند تورتو" الذي تموله "بي بي"، الذي ارتُقب تشغيله في 2022، اقترضت السنغال 900 مليون دولار لخدمة الديون في 2024، وعلى هذا المنوال قد تغرق البلاد في فجوة تمويلية أعمق، وأن "الأجيال القادمة هي من ستسدد تلك الديون".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك