يسافر إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع إلى الجزائر، أحد أكبر منتجي الغاز في العالم، والتي كانت ذات يوم مستعمرة فرنسية. لكن من غير المرجح أن يعود الرئيس الفرنسي مع الشيء الوحيد الذي جعل القادة الأوروبيين يجوبون العالم من أجله: التزامات بإمدادات بديلة من الغاز الطبيعي المسال.
على الرغم من أن ماكرون سترافقه كاثرين ماكريغور، الرئيسة التنفيذية لشركة المرافق "إنجي" (Engie)، فإن الرحلة لا تتعلق باستبدال واردات الغاز من روسيا، بل بإصلاح العلاقات، وفقاً لمسؤولين فرنسيين مقربين من الرئيس. علاوة على ذلك، من غير المحتمل أن يكون لدى الجزائر فائض في العرض لتقدمه لفرنسا.
اضطرابات الغاز
دخلت أسواق الطاقة في حالة اضطراب منذ أن بدأت روسيا في تخفيض إمدادات الغاز لأوروبا، مما دفع المستشار الألماني أولاف شولتس إلى اتهام موسكو باستخدام الطاقة كسلاح للرد على عقوبات الاتحاد الأوروبي. دفعت المخاوف بشأن الاقتصاد عملة اليورو إلى مستوى قياسي منخفض مقابل الدولار هذا الأسبوع، مع تزايد التضخم بأسرع ما يمكن منذ سنوات.
حذّر ماكرون من مصاعب محتملة في الأشهر المقبلة، وطلب من الفرنسيين: "قبول دفع ثمن حريتنا وقيّمنا"، في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي في ذكرى تحرير بلدة بجنوب فرنسا في الحرب العالمية الثانية.
زار رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي الجزائر مرتين منذ غزو روسيا لأوكرانيا منذ ستة أشهر، وفي يوليو أعلن أن شركة الطاقة الجزائرية الحكومية، مجموعة "سوناطراك"، ستزود إيطاليا بـ4 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز خلال فترة غير محددة. زوّدت الجزائر إيطاليا بـ13.9 مليار متر مكعب من الغاز منذ بداية عام 2022، بزيادة 113% عما تم تخصيصه في البداية لروما، بحسب بيان صادر عن "سوناطراك".
الجزائر تتفق على توريد إضافي من الغاز الطبيعي إلى إيطاليا بقيمة 4 مليارات دولار
تعمل إيطاليا، التي يربطها خط أنابيب بالجزائر، بشكل أفضل من العديد من نظيراتها الأوروبيين في تقليل اعتمادها على روسيا بعد غزو أوكرانيا. خفّضت الأمة اعتمادها على الغاز الروسي إلى 25% من حوالي 40% في بداية عام 2022.
مخزونات جديدة
تُعد الجزائر بالفعل أكبر مورد للغاز لأوروبا، بعد روسيا والنرويج، بما في ذلك فرنسا. كما أنها اكتشفت مخزونات جديدة أثارت اهتماماً متزايداً.
قال المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم وفقًا للممارسات المعتادة، إنه بدلاً من الحصول على التزامات جديدة بشأن إمدادات الطاقة، سيتطلع ماكرون إلى إعادة العلاقات بعد سنوات من التوترات. وفي زيارة تستغرق ثلاثة أيام، سيزور ماكرون العاصمة الجزائر ووهران ثاني أكبر مدن الجزائر. وسيلتقي رواد الأعمال الشباب ورجال الدين ومحبي موسيقى الهيب هوب.
"سوناطراك" الجزائرية تعلن عن 3 اكتشافات للغاز والنفط
لقي فوز ماكرون بالرئاسة عام 2017 ترحيباً حاراً في الجزائر. وأثناء حملته الانتخابية ندد بما أسماه "الجرائم ضد الإنسانية" التي ارتكبتها فرنسا إبان حكمها الاستعماري للجزائر، وأثناء فترة ولايته الأولى أعاد الرؤوس المقطوعة لمئات من مقاتلي المقاومة الجزائريين المُحتَجزة منذ قرن ونصف في متحف بباريس.
تغير النبرة
لكن تغيرت نبرة ماكرون مع محاولة القادة العسكريين الكبار في الجزائر الذين حكموا منذ الاستقلال عن فرنسا وقف الاحتجاجات الجماهيرية المؤيدة للديمقراطية. واتهم "النظام السياسي العسكري" الجزائري بـ"المرهق" وإذكاء "الكراهية تجاه فرنسا".
رداً على ذلك، أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، مما أثّر على عمليات حفظ السلام في مالي، واستدعت سفيرها في باريس بسبب ما وصفته بـ"التدخل غير المقبول في شؤونها الداخلية".
من جانبها، خفضت فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين بمقدار النصف-وكذلك للتونسيين والمغربيين- بعد أن رفضت حكوماتهم تسهيل عودة المواطنين الذين يعيشون في فرنسا دون أوراق رسمية.
وزاد تحوّل الدولة الواقعة في شمال أفريقيا إلى تركيا والصين وروسيا من أجل الصفقات التجارية وإلى إيطاليا لاتفاقيات الطاقة.
حتى لو تمكن ماكرون من إجراء تعديلات خلال زيارته، فإن شركة الطاقة الجزائرية التي تديرها الدولة، وتفتقر إلى الاستثمارات، تقول إنها لا تملك القدرة على تقديم المزيد لفرنسا على المدى القصير.
أفضل ما يمكن أن يأمل فيه ماكرون هو محاولة إرساء أسس علاقات جديدة، بحسب علي بك نصري، رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين. وقال: "على فرنسا أن تبدأ في النظر للجزائر كشريك".