يقول المثل "كلما زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده"، وهذا ما ينطبق تمامًا على استخدام المضادات الحيوية، فقد كان اكتشافها من أهم ما توصل إليه الطب في القرن الماضي، لكن ثبت علميًا أن الإفراط في استخدامها يقلل من فعاليتها، وسط إجماع واسع على ضرورة تسريع عملية تطوير أنواع جديدة إلى جانب توقف الأطباء عن وصفها حين لا يستدعي الأمر.
وهناك جانب آخر مثير للجدل، فما يقرب من 80 بالمئة من المضادات الحيوية في الولايات المتحدة يتم إطعامها لحيوانات المزارع، إذ يقول العاملون في المجال أن استخدام المضادات لتسمين المواشي بشكل أسرع يساعد في نشر مقاومة هذه الأدوية. وتشير التقديرات إلى أن 700 ألف شخص في العالم يموتون سنويًا بسبب العدوى المقاوِمة للأدوية، بالإضافة إلى ملايين المصابين بالأمراض.
الوضع الحالي
في عام 2015، أعلن الباحثون عن اكتشاف جين حديث التطور قادر على إبطال مفعول أقوى أدوية المضادات الحيوية، وعلى ما يبدو أن هذا الجين قد نشأ من استخدام الصين للمضادات الحيوية في الزراعة، وهو يتبع آلية تسمح بانتشار المقاومة أسرع من ذي قبل. وبناءً على ذلك، وضعت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية خطة غير مُلزمة، تضمنت اتفاق جميع شركات الأدوية المعنية على وضع ملصق خاص على المضادات الحيوية لتجعل استخدامها الزراعي مشروطًا بوصفة طبيب بيطري.
بينما فرضت ولاية كاليفورنيا حظرًا على إعطاء الأدوية للحيوانات السليمة في عام 2015، فإن الاتحاد الأوروبي قد سبق الجميع بهذا الحظر في عام 2006. أما على صعيد سلاسل مطاعم الوجبات السريعة، فقد أعلن بعضها عن سياسات تقلل استخدام لحوم الحيوانات التي تلقّت المضادات الحيوية، ومن بينها "تشبوتلي" (Chipotle)، و"بانيرا بريد" (Panera Bread)، و"ماكدونالدز" (McDonald’s).
كما أعلنت أكبر شركة لبيع الدواجن في الولايات المتحدة "تايسون فودز" (Tyson Foods)، أنها ستلغي استخدام المضادات الحيوية في الطيور السليمة والمستهلكة كذلك من قبل الإنسان ابتداءً من سبتمبر 2017.
وسجّل مسؤولو الصحة بعض النجاح من خلال الحملات الداعية للحد من الاستخدام البشري غير المناسب لهذه المضادات، إذ توصلت إحدى الدراسات إلى أنه رغم تنامي الاستهلاك العالمي للمضادات الحيوية بنسبة 36 بالمئة بين عامي 2000 و2010، فإن استخدامها قد استقر أو انخفض باعتدال في معظم الدول الغنية.
ويعني ذلك أن جزءًا كبيرًا من نمو الاستهلاك كان في الدول الفقيرة، حيث توصَف المضادات الحيوية كبديل عن إجراءات الصحة العامة. وتدرس إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مسألة مطالبة الشركات بإثبات فعالية وسلامة معقمات الأيدي المضادة للبكتيريا، بدعوى أنها لا تحسّن الصحة وقد تساهم في مقاومة الجراثيم.
تكرار التعرض للمضادات الحيوية يؤدي لظهور بكتيريا أكثر مقاومة
تستمر البكتيريا بتكوين الطفرات الجينية، وبعضها يتغير بطرق تتيح لها النجاة من تأثير أدوية معينة، فمع تكرار التعرض لهذه الأدوية تظهر بكتيريا أكثر مقاوَمة. فقد بدأ استخدام المضادات الحيوية في قطاع الثروة الحيوانية عام 1946، حين لاحظ الباحثون أن الدواجن الحاصلة على جرعات قليلة من الأدوية قد سجلت نموًا أسرع.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت المضادات الحيوية جزءًا أساسيًا من مجال تربية الحيوانات الكثيفة التي تتضمن وضع الحيوانات في مساحات ضيقة، لكن المشكلة أنها تصبح عرضة للعدوى إذا لم تُمنح جرعات يومية من الأدوية.
واستطاع قطاعا الثروة الحيوانية والأدوية تفادي الالتزام بالأنظمة منذ عقود، بحجة وجود ارتباط ضئيل بين المضادات الحيوية المستخدمة في الزراعة والعدوى المقاوِمة للعلاج لدى الإنسان، لكن الأدلة تزايدت على أن البكتيريا المقاوِمة في المزارع تصل إلى الإنسان من خلال التربة أو الهواء أو الماء الملوث بمخلفات الحيوانات ومن خلال استهلاك المنتجات الحيوانية.
ويشير ما سبق إلى أن الانتشار المتزايد لسوء استخدام المضادات الحيوية يغذّي المقاوَمة بالتأكيد، في حين ينخفض عدد الشركات الكبرى التي تعمل على تطوير مضادات حيوية جديدة إلى 4 شركات في 2014 من أصل 20 في أواخر التسعينيات.
تشير إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) إلى أن استراتيجيتها غير الملزمة في وضع الملصقات التعريفية ستخفض من استخدام المضادات الحيوية في قطاع الثروة الحيوانية بشكل أسرع من فرض الحظر القانوني الذي قد يستغرق سنوات حتى يحصل على الموافقة.
في حين أبدت مجموعات معنية بهذا القطاع مثل "أمريكان ميت إنستِتيوت" (American Meat Institute) تأييدها لهذا النهج، إلا أن بعض الداعمين لحقوق المستهلك انتقدوه باعتباره إنجازًا أجوفًا. واستنتجت دراسة أجريت عام 2013، أنه مع استمرار المزارعين باستخدام المضادات الحيوية لمنع الأمراض، فإنه ليس من المحتمل أن نرى تغييرًا حقيقيًا.
ويقول مسؤولون في الاتحاد الأوروبي إنهم لاحظوا انخفاضًا في استخدام المضادات الحيوية منذ حظر عام 2006، مع أن التأثير لم يكن ظاهرًا بسبب ارتفاع معدلات المرض بعد توقف تلقي الحيوانات لهذه الأدوية التي تعزز نموها. بينما شهدت الدنمارك، التي فرضت الحظر في وقت سابق، انخفاضًا أكبر بعد أن أدرك المزارعون حاجتهم إلى تربية حيواناتهم في ظروف أفضل من الناحية الصحية لأنهم لا يتلقون جرعات الأدوية.