كان الصياد الأسكتلندي بيتر بروس يأمل بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأن يُسمح له بصيد المزيد من سمك القد، وهو نوع السمك المستخدم في أحد الأطباق المفضلة في بريطانيا. ولكن بدلاً من ذلك، كان قلقاً من أن ينتهي به الأمر بصيد عدد أقل من الأسماك.
وبالرغم من ادعاء رئيس الوزراء بوريس جونسون أنَّ اتفاق التجارة المبرم في ديسمبر الماضي، سيسمح للمملكة المتحدة باستعادة السيطرة على مياه الصيد الخاصة بها من خلال استعادة 25% من حقوق الاتحاد الأوروبي في مياه الصيد على مدى خمس سنوات، إلا أنَّ العديد من الصيادين يشعرون بالخيبة.
فهم مستاؤون من انخفاض حصتهم من الصيد بنسبة أقل بكثير مما يطالبون به، مما قد يعني أنَّ كميات الصيد باتت أقل.
دعم الصناعة المحلية
ويقول بروس، الذي اعتاد الصيد قبالة شواطئ شمال شرق أسكتلندا منذ عقود: "أحد أنواع الأسماك التي نشعر بالقلق تجاهها أكثر من غيرها، هو سمك القدّ. كنَّا نأمل في الحصول على حصة أكبر، ويؤسفني القول، إنَّنا ربما سنحصل على القليل".
وصحيح أنَّ صيد الأسماك يعدُّ جزءاً صغيراً من الاقتصاد، لكنَّه يمثِّل قضية رئيسية عرقلت المحادثات التجارية، وتحوَّلت إلى رمز للاتفاق والعضوية في السوق الأوروبية الموحَّدة.
وتقول الحكومة: إنَّ الصفقة ستسمح لبريطانيا بصيد ما قيمته 146 مليون جنيه إسترليني (199 مليون دولار) إضافية من الأسماك، مما يساعد بصناعة شهدت تراجعاً كبيراً منذ السبعينيات.
ويسمح الاتفاق للأساطيل بصيد المزيد من سمك الأسقمري، والرنجة، ولكنه قد
لا يسمح للصيادين سوى باصطياد كميات أقل من سمك القد، وسمك الحدوق، وهي الأسماك المفضَّلة لعمل طبق السمك والبطاطا المقلية الشهير في المملكة المتحدة.
وحصلت المملكة المتحدة على ما يقرب من مليار رطل من أسماك الصيد في عام 2019. وكان جونسون قد طالب بخفض حقوق الاتحاد الأوروبي في المياه البريطانية بنسبة 80%، قبل أن يتنازل عن ذلك لإنجاز الاتفاق. ويذكر أنَّ بريطانيا تمتلك بعضاً من أكثر مناطق الصيد الغنية في أوروبا، ولسنوات عدّة كان واجباً عليها مشاركتها مع الدول الأخرى.
تبادل الحصص
ويؤثر الاتفاق الجديد على تبادل الحصص، إذ يتمُّ عادةً تبادل حقوق أنواع الأسماك بين القوارب، وهذا قد لا يكون ممكناً الآن بالنسبة لأساطيل المملكة المتحدة.
وقالت الحكومة الأسكتلندية: إنَّ كمية سمك القد الذي يمكنهم صيده في بحر الشمال ستنخفض إلى 57%، من 63.5%. ويذكر أنَّ الكثير من أسماك الأسقمري والرنجة التي تصطادها قوارب المملكة المتحدة، تصدَّر إلى القارة الأوروبية.
وفي حين أنَّه لن يُسمح بعد الآن بمقايضة الحصص بين الدول الفردية، ستجري المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي محادثات منفصلة حول تطوير آلية جديدة. إلا أنَّ النتيجة ليست واضحة بعد، وهذا يعني المزيد من عدم اليقين بالنسبة للصيادين.
وقال بروس الذي يعمل في بلدة بيترهيد، التي تعدُّ أكبر ميناء للصيد في بريطانيا: "لقد تنازلوا كثيراً، لتستعيد المملكة المتحدة السيطرة بالاسم فقط".
السماح للسفن الأجنبية بالصيد
أما الصياد الأسكتلندي جيمي بوكان، فقال: إنَّ القطاع كان يأمل من خلال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تعويض الخسائر التي تكبَّدها على مدى العقود الخمسة الماضية، وذلك بعد أن استبدلت البلاد مناطق الصيد الشاسعة للوصول إلى السوق المشتركة، ولكن هذا لم يحدث، فضلاً عن خيبة الأمل الناتجة من السماح للقوارب الأجنبية بالصيد ضمن مسافة 12 ميلاً (1 ميل = 1,609 كم) من الشواطئ البريطانية.
ويقول روب وينغ، الذي يدير شركة "كورنيش فيش"، وهي شركة تجارة جملة، تقع جنوب غرب إنجلترا: "من بين القرارات الحكيمة التي تخلَّينا عنها؛ كان عدم إبقاء السفن الأجنبية على بعد مسافة 12 ميلاً. إذ كان يمكن لهذا أن يقدِّم مساعدة لقطاعنا بشكل كبير".
مشاكل التصدير
التجار اليوم قلقون بشأن البيع للقارة الأوروبية، وهي أكبر سوق يصدِّرون إليها. إذ تسبَّبت الإجراءات البيروقراطية الجديدة في تأخير الشحن، مما يترك البضائع القابلة للتلف عرضة لخطر التعفن في مراكز الجمارك. كما لم تعد العديد من شركات النقل تأخذ كميات مختلطة من الصيد البحري بسبب الأعمال الورقية المعقدة ذات الصلة.
وتقول فيكتوريا لي-بيرسون، مديرة المبيعات في شركة "جون روس جونيور"، التي تأخرت شحنتها إلى أوروبا لمدة ستة أيام بسبب تعطل الجمارك: "أنت اليوم بحاجة إلى شهادة دكتوراه في التصدير لتتعامل مع الوضع المعقد، والطعام يضيع، ويفسد بسبب هذا".
هذا السبب هو ما دفع بعض السفن البريطانية إلى إنزال صيدها في الدنمارك لتسهيل العملية، بناءً على ما أفاده جيمس ويذرز، الرئيس التنفيذي لمجموعة أسكتلندا للأغذية والمشروبات، مما أدَّى إلى قطع الأعمال عن وسطاء بيع الصيد البحري البريطانيين.
وقال بوكان، وهو الرئيس التنفيذي لجمعية المأكولات البحرية الأسكتلندية أيضاً: إنَّ زيادة الأعمال الورقية تعني أيضاً تكاليف إضافية، مما قد يجعل الشركات البريطانية أقل قدرة على المنافسة، خاصة الشركات الصغيرة منها.
بعض فوائد الصفقة
ويقول وينغ: إنَّ الاتفاقية ستسمح لأساطيل المملكة المتحدة بالحصول على المزيد من الصيد بشكل عام، وبكميات إضافية، مما يفيد الوسطاء بين الصيادين وبائعي التجزئة من الآن فصاعداً. كما تعهَّدت الحكومة بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 100 مليون جنيه إسترليني، للمساعدة في إعادة بناء الأساطيل، والبنية التحتية القديمة، وتوسيع قدرة قطاع الوساطة على التعامل مع الصيد الإضافي.
التخلص من معايير الاتحاد الأوروبي
وبات الكثيرون أيضاً من العاملين بالقطاع سعداء بالتخلُّص من بعض اللوائح التقييدية التابعة للاتحاد الأوروبي، مثل الاضطرار إلى إحضار جميع الأسماك التي يتمُّ صيدها إلى اليابسة.
وهناك سؤالان أساسيان مطروحان الآن بالنسبة لمستقبل قطاع صيد الأسماك البريطاني، هما: ما مدى السرعة التي من خلالها يمكن للقطاع بناء سفنٍ جديدة، وتحسين الموانئ، للاستفادة من الصفقة الجديدة؟، وما الذي يخبئه المستقبل خلال السنوات الخمس والنصف القادمة؟.
واقترح جونسون البحث عن شروط أفضل خلال المفاوضات السنوية، بمجرد انتهاء فترة التنفيذ التدريجي، على الرغم من أنَّ كلاً من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، سيكونان قادرَين على استخدام الرسوم الجمركية الانتقامية في حال اختلافهما.
ويشكك الكثيرون في قطاع الصيد بمعالجة الحكومة لمخاوف صناعة صيد الأسماك، عند بدء مفاوضات جديدة، متوقعين أن تركِّز بدلاً من ذلك على القطاعات ذات التأثير الاقتصادي الأكبر.
ويقول باري دياس، الرئيس التنفيذي للاتحاد الوطني لمنظمات الصيادين: "على الرغم من المكانة السياسية الرفيعة، لم ننجح في تغيير أيِّ شيء، ولا حتى تغيير المسافة. ويشكُّ عدد كبير داخل الصناعة الآن بحدوث أي تغيير في عام 2025 أو عام 2026".