كان إطلاق العشرات من مشاريع تطوير اللقاحات منطقيًّا للغاية، في وقت مبكّر من انتشار جائحة فيروس "كوفيد-19" كونه يزيد من فرص نجاح أحدها على الأقل، ولكن ما بدا أمراً حكيماً آنذاك أصبح يمثل مشكلة الآن، إذ لا بدّ من الاعتراف بأنّ العلماء قد تفوّقوا على أنفسهم، وقد يتوفر قريبًا كثير من اللقاحات بحيث يواجه الناس صعوبة في اختيار اللقاح الذي يحصلون عليه، وقد تنتهي بهم الحال بعدم اختيار أي منها.
ويُعَدّ "شلل الاختيار" ظاهرة معروفة في علم الاقتصاد السلوكي، وهو ما أظهرته دراسة شهيرة نُشرت عام 2000 لمجموعة متسوّقين في متجر (سوبر ماركت) فخم في مدينة مينلو بارك في ولاية كاليفورنيا، إذ عرض على المتسوقين عينات من المربى، وأُعطي البعض ست خيارات في حين حصل البعض الآخر على 24 خيارًا.
خيارات أكثر للمشترين
وعلى الرغم من كون النظرية الاقتصادية المعيارية (التقليدية) تقول إنّ خيارات أكثر هي دائماً أمر أفضل، فإن الواقع يقول إن العملاء الذين عُرض عليهم مجموعة واسعة من الخيارات كانوا الأقلّ احتمالًا للشراء والأكثر توقفًا واستعراضًا لما هو موجود، إذ اشترى 3% منهم فحسب عبوة مربى، مقابل نسبة 30% من المتسوقين الذين عُرضت عليهم المجموعة المحدودة.
ووفقا لدراسة [PDF] أجراها كل من شينا إينغار أستاذة الدراسات العليا لإدارة الاعمال في جامعة كولومبيا، ومارك ليبير أستاذ علم النفس في جامعة ستانفورد، فإنّ "مجموعة الخيارات الواسعة قد تبدو في البداية جذابة للغاية للمستهلكين، إلا أنها تقلل من دافعهم لشراء المنتج".
ويمكن أن يكون "شلل الاختيار" بشأن اللقاحات أسوأ من المربى، فاللقاحات أكثر أهمية وتعقيدًا، ومن المؤكد أن الاختيار سيكون صعبًا بين شركة "فايزر-بيونتك" وشركة "موديرنا" و"أسترازينيكا - جامعة أوكسفورد" وغيرها من الخيارات التي لا تزال قيد العمل والتحضير، مقارنة بالاختيار بين مربى الكيوي والدراق والبرتقال (ثلاثة من المربيات التي بيعت في مدينة مينلو بارك).
ويختبئ خلف هذا التعقيد كله الشعور بالخوف، إذ تشير الدراسات الاستقصائية إلى أنّ كثيرًا من الناس قلقون بشأن أخذ لقاح كورونا، في حين أنّ هذا الخوف قد لا يكون منطقيًّا لأنّ اللقاحات تخضع لاختبارات سلامة مكثفة، إلا أنّ هذا الخوف بلا شك يشكّل عقبة، ووجود خيارات متعددة يجعل العقبة أكبر بكثير.
فرص استرداد الشركات لاستثماراتها
وفيما لا يبدو واضحًا ما الذي يمكن عمله حيال ذلك، فإنّ أيّ شركة تصنع لقاحاً آمناً وفعالًا يجب أن تتاح لها فرصة استرداد استثماراتها من خلال تسويقه على نطاق واسع، لكن الرسائل الإعلانية المنافسة قد تكون مثبطة للعزيمة، وقد يكون أحد الحلول هو أن تختار الحكومات وشركات التأمين لقاحًا واحدًا، واحدًا لا غير، يدفعون ثمنه.
ولا يتعين عليهم جميعًا اختيار نفس اللقاح. وفي الواقع، سيكون من الأفضل ألا يفعلوا، لأنه من السابق لأوانه معرفة أي لقاح/لقاحات ستثبت أنها الأقوى والأكثر أمانًا. ولكن وفي هذا السيناريو يُمنح معظم الأفراد خيارًا واحدًا فحسب، وهو اللقاح الذي تدفع حكومتهم أو شركة التأمين ثمنه.
إنّ الأمل أن يتحول القرار إلى مسألة بسيطة للأفراد، "هذا هو اللقاح. هل ستأخذه؟ نعم أم لا؟"، وعلى أساس هذا سوف يتلقى عدد كبير من الناس جرعة اللقاح وتتحقق بذلك مناعة القطيع بشكل أسرع ويُنقَذ أشخاص أكثر.