كشفت مراجعة الإرشادات التي قام بها صندوق الثروة النرويجي، الذي تصل قيمة أصوله إلى 1.4 تريليون دولار، إلى عدم قيام بعض الشركات النفط في محفظته بما يكفي "نهائياً" لخفض الانبعاثات، مما سيدفع الصندوق لاتخاذ إجراءات في هذا الخصوص.
ولا يزال الصندوق يمتلك حصصاً في عدد من عمالقة الوقود الأحفوري، بما في ذلك "إكسون موبيل"، و"شيفرون"، و"بي بي بي إل سي"، بعد فشله في الحصول على موافقة سياسية لإخلاء محفظته من الأسهم النفطية كلها قبل بضع سنوات.
وفي مقابلة، قالت كارين سميث إيهيناتشو، كبيرة مسؤولي حوكمة الشركات بالصندوق ومقره أوسلو: "نراقب هذه الشركات عن قرب بشكل مُكِّثف، وخصوصاً فيما يتعلق بالمناخ والانبعاثات".
مخاطر على المناخ
يأتي تحذير الصندوق في الوقت الذي تُعيد فيه النرويج تقييم التفويض الذي منحته إلى أكبر صندوق ثروة عالمي، واقترحت ورقة تكليف من الحكومة يوم الجمعة، أن تشمل القرارات الاستثمارية في جميع نواحي الصندوق المخاطر المناخية، نظراً لتزايد الأدلة المقلقة حول ارتفاع سخونة كوكب الأرض بشكلٍ أسرع مما كان يُعتقد سابقاً. وتساهم شركات الوقود الأحفوري بالكثير في هذا الأمر.
أوصى فريق الخبراء، المُكلَّف من قِبل وزارة المالية النرويجية، أن "تُغيِّر النرويج التفويض" الذي يعمل الصندوق بموجبه لأجل "التعامل بشكلٍ أفضل مع مخاطر المناخ".
وستشمل التغييرات منح الصندوق مجالاً أكبر للضغط على مُصدِري انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في محفظته، مع إمكانية التخلص من تلك المتباطئة في خفض انبعاثاتها الكربونية.
ثورة المستثمر
بدأ صندوق الثروة النرويجي خلال هذا العام التصويت ضد مجالس إدارات الشركات، وسيستمر في استخدام هذا الأداة بشكل كبير حتى يُحدث التغيير، وفقاً لقول إيهيناتشو.
أدى تكرار ثورات المستثمرين الشبيهة بالنرويجية إلى بعض الاضطرابات المذهلة في عدد من كبريات الشركات النفطية العالمية، وكان أبرزها فشل "إكسون" خلال مايو الماضي في صد تحركٍ أدى لتسليم مقاعد مجلس إدارة لمجموعة مستثمرين نشطاء، أصروا على أن تبذل الشركة مزيداً من الجهود لتقليل الانبعاثات الكربونية.
واستخدم صندوق الثروة النرويجي الأصوات التي حصل عليها، والتي لم تشمل التأثير على مقترحات المساهمين على مقاعد مجلس الإدارة، للمطالبة بأن تكون شركة "إكسون" شفافة بشأن مساهمتها السياسية، وذلك في محاولة لإيقاف الشركات من ممارسة ضغوطات تؤدي إلى إصدار سياسات مناخية مشبوهة.
كما حجب الصندوق دعمه المُقدَّم إلى دارين وودز، الرئيس التنفيذي لـ"إكسون"، من أجل الاستمرار في منصب رئيس مجلس الإدارة، لأنه يرى أن مثل هذه الوظائف يجب ألا يشغلها شخص واحد. وقالت إيهيناتشو: "نحن نستخدم الأدوات التي نملكها".
تحدي الشركات الكبرى
أشارت إيهيناتشو أيضاً إلى "شيفرون" كمثال على تمكّن المساهمين من الضغط لإحداث التغيير، إذ كان صندوق الثروة النرويجي من بين مجموعة المستثمرين التي دعمت اقتراحاً ناجحاً، أصر على أن يتم تضمين "النطاق 3" في أهداف الشركة للانبعاثات، وهو مصطلح واسع يشمل البصمة الكربونية لعملاء عملاقة النفط.
جاء هذا التصويت في نفس اليوم الذي انتصر فيه مساهمو "إكسون"، وتزامن مع قرار محكمة هولندية، أجبرت "رويال داتش شل" على خفض انبعاثاتها، مما أثار أصداءً صادمة في صناعة النفط التي اعتادت فرض أجندتها الخاصة.
انبعاثات عمالقة النفط
لكن النرويج، المنتج الأكبر للنفط في أوروبا الغربية، واجهت انتقادات لعدم استخدامها أداة استثمارها العملاقة في مكافحة تغير المناخ بشكلٍ أقوى.
وبينما كان العالم يستعد هذا الشهر لأحدث تقييم من قبل اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، انتقدت مجموعة من الأكاديميين والاقتصاديين الدول التي لم تحدد أهدافاً صافية للانبعاثات في صناديق ثرواتها. ومن بين الموقِّعين كريستيانا فيغيريس، السكرتير التنفيذي السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وكانت النرويج في واجهة الدول التي تعرّضت للانتقاد.
وقال هافارد هالاند، كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي الذي بدأ حملة الضغط على المستثمرين السياديين: "لقد وصل الأمر بهم إلى نقطة أصبح فيها اختيار عدم تحقيق أهداف مناخية هو الخيار الفعَّال". وأشار إلى أن صندوق الثروة النرويجي، من خلال حيازاته الاستثمارية، ينبعث منه ضِعف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تنبعث منها الدولة بأكملها، وهو أمر غير مُدرج في إحصاءات الانبعاثات النرويجية الرسمية.
وأضاف أنه مع "اختيار" النرويج للتغاضي عن تحديد أهداف مناخية لصندوق ثروتها، "تستفيد" البلاد بشكل أساسي من جهود الآخرين في مكافحة الاحتباس الحراري.
مخاطر مُعقّدة
تنظر وزارة المالية النرويجية إلى الاحتباس الحراري على أنه "خطر مالي مُعقّد"، وفقاً لبيان مُرسل بالبريد الإلكتروني رداً على الأسئلة، لكن الوزارة تقوم حالياً بمراجعة توصيات فريق الخبراء، قبل عرض الأمر على البرلمان لاتخاذ القرار.
ولن يحدث أي تغيير في تفويض الصندوق حتى العام المقبل، بسبب مؤشرات استطلاعات الرأي التي تُظهر أن كتلة أكثر يسارية ستحل محل التحالف الحالي بقيادة المحافظين في انتخابات شهر سبتمبر.
وقالت كريستيان هاتش، المتحدثة باسم تحالف مالكي الأصول الصافية الذي عقدته الأمم المتحدة، إن" التزام صناديق الثروة السيادية يحتاج إلى ملاءمته مع الأجندة الحكومية، وإلى تلبية متطلبات عمليات اتخاذ القرارات الاستراتيجية المُعقّدة".
في غضون ذلك، قال صندوق الثروة النرويجي إنه يعمل جدياً على خفض انبعاثات المحفظة، إذ قالت إيهيناتشو:"إننا نطلب من الشركات تحديد أهداف تتوافق مع اتفاقية باريس، وبصفتنا صندوقاً، يتضح أن تحقيق الأهداف الواردة في اتفاقية باريس من مصلحتنا، بما فيها تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050".