باتت الأخبار التي تمَّ الاطلاع عليها، تعجُّ بالقصص المختلفة حول عودة الموظفين لمكاتبهم هذا الصيف، وربما تواجهون ذلك أنتم أيضاً. وفي الحقيقة، فإنَّ أكثر ما أظهرته تجربة الجائحة للناس، هو أنَّ هيكل الأعمال ليس مجرد عادة، بل هو بالأحرى ثقافة.
عالم الأعمال
ففي حين تتبع الأولى نموذجاً مرناً يجمع بين العمل من المنزل والمكاتب، تتقيَّد الأخرى بالعمل حصراً من مكاتبها. وفي حين يقلق الموظفون الأصغر سناً، من صعوبة تنمية مهاراتهم وبناء العلاقات، خلال العمل عن بعد. يشعر الآباء العاملون، بحماس أقل حيال العودة لتنقُّلاتهم، وجداولهم الزمنية المعقَّدة كما قبل الجائحة. خاصةً بعد أن اختبروا مرونة العمل المكاني والزماني خلال الوباء.
المناخ يفرض نفسه
وتماماً كما اضطرت الشركات لإعادة النظر بثقافتها بشكل كامل، بعد تلقيها لصدمة العمل من المنزل التي سبَّبتها جائحة "كوفيد-19". كذلك باتت هذه الشركات أيضاً تأخذ بعين الاعتبار قضايا معالجة تغيُّر المناخ بشكل أكبر. وفي حين كان من الممكن أن تتسبَّب الجائحة في تراجع أولوية المناخ على جدول الأعمال. إلا أنَّ ما حصل بدلاً من ذلك، هو تسجيل عام 2020 لأرقام قياسية في كل من انتشار الطاقة النظيفة، ومبيعات السيارات الكهربائية، وتعهدات الشركات الصفرية الصافية، والتمويل المستدام.
وفيما قد يكون المناخ العالمي ليس في وضع يعكس الصدمات بما يكفي؛ إلا أنَّ التزامات عالم الأعمال بتحسينه، كانت كذلك.
أعضاء مجلس الإدارة
إنْ أخذنا هذا بالاعتبار، فأعتقد أنَّ الشركات مازالت بعيدة عن التعامل مع تأثير أعمالها على المناخ، وتأثير المناخ في أعمالها. ففي وقت سابق من هذا العام، سلَّط زميلي تيم كوينسون الضوء على بحث أجرته تينسي ويلان، الأستاذة في كلية "ستيرن" للأعمال بجامعة نيويورك. وكان البحث يتناول العدد القليل لأعضاء مجالس إدارة الشركات من ذوي الخلفيات المتعلِّقة بالموضوعات البيئية والاجتماعية و/أو الحوكمة. وقد عاودتُ قراءة بحث ويلان مرة أخرى، بشكل خاص لتقصي خلفياتهم في موضوع الخبرة البيئية، وكانت البيانات قاتمة جداً.
الخلفية المعرفية للإدارة
في إبريل 2018، كان من بين أعضاء مجلس الإدارة البالغ عددهم ألف و200 تقريباً، ضمن أفضل مئة شركة بحسب مجلة "فورتشن 100"، 5% فقط يملكون خبرة في التنوع في مكان العمل. في حين 2.6% منهم يملكون خبرة في الإشراف المحاسبي، وبالكاد كان لدى 1% أية خبرة في مجال الطاقة أو الحفاظ عليها. وهما الفئتان الأعلى تصنيفاً في دراسة ويلان. كذلك كان لدى ثلاثة أعشار المئة من أعضاء مجالس إدارة الشركات، خبرة في الاستثمار في القضايا البيئية، والاجتماعية، والحوكمة. ولدى 0.2% منهم خبرة في قضايا المناخ.
لكن، ما من شكٍّ في أنَّ التغيير الأخير في مجلس إدارة شركة "إكسون موبيل كورب"، الذي تضمَّن تعيين عضوين من أعضاء مجلس الإدارة من ذوي الخبرة المناخية، سيغيِّر هذه الأرقام إلى حدٍّ كبير. ومع ذلك؛ فإنَّ حقيقة أنَّ تعيين اثنين من أعضاء مجلس الإدارة في شركة واحدة بهذه الخلفية، من شأنه أن يغيِّر بشكل فعليٍّ من عدد أعضاء مجالس الإدارة المؤهلين في مجال المناخ، وهذه تعدُّ علامةً بحدِّ ذاتها على الندرة.
تحوّل ثقافي
وإذا حدث ذلك؛ فإنَّ وصول المعرفة المناخية إلى مستوى مجلس الإدارة سيكون بمثابة تحوُّل ثقافي آخر لعمالقة الشركات في العالم. وهذا أمر مهم لأنَّه سيعني بشكل شبه مؤكَّد جلب أعضاء مجلس إدارة جدد. هذا ومن المحتمل جداً أن يكون هؤلاء أصغر سناً، وأكثر أكاديمية وخبرة في ريادة الأعمال. وأكثر معرفة في أسس نجاح التقنيات المناخية التي ما تزال في مراحلها المبكرة من التطور. وذلك عند مقارنة هؤلاء بأعضاء مجالس الإدارة الحاليين من المخضرمين، أو قادة الأعمال شبه المتقاعدين، أو كبار الشخصيات في المجال.
وفي الحقيقة، فإنَّ هذا سيشكِّل تحدياً. إذ لا تشتمل مجالس الإدارة عادةً على علماء مناخ من ذوي الأعمار الذين يقلُّون عن 40 عاماً. وذلك لأنَّ هذه المجالس ببساطة،
لا تضمُّ عادةً العديد من العلماء أو الأشخاص من هذه الفئة العمرية.
قرارات جريئة
لكن، في حال كانت الشركات ستجعل المناخ أولوية، فعليها أن تكون جريئة حيال ذلك. إذ يبدأ التغيير لتلبية الضرورات الجديدة بتغيير القيادة أولاً. سواء كان التغيير مدفوعاً بالجائحة، أو بالتكنولوجيا، أو المناخ.
في سياق الحديث عن تغيُّرات مكان العمل بعد الجائحة، وهو ما ينطبق على التغييرات في شأن المناخ. كتب عن ستيفن سينوفسكي، وهو مدير تنفيذي مخضرم في مجال التكنولوجيا، ومراقب لأكبر شركاتها، مؤخراً: "هكذا يبدو الاضطراب"، وأضاف: "بداية يحدث التغيير ببطء في البداية، ومن ثم بسرعة كبيرة. إذ يصبح من المستحيل تخيُّل طريقة مختلفة للقيام بالأمور. إلا أنَّنا نقوم لاحقاً بالأمور بطريقة مختلفة تماماً. كونوا مترقِّبين لطريقة جديدة تماماً للعمل".
وإذا كانت معالجة تغيُّر المناخ أمراً حتمياً، فإنَّ دمجها أيضاً في أعلى مستويات الأعمال التجارية العالمية هو أمر حتمي كذلك. وهذا يعني أنَّ مجالس الإدارة في الشركات، يجب أن تكون جاهزة ليس فقط لطريقة جديدة تماماً للعمل؛ ولكن لانضمام مجموعة جديدة كلياً إليها على الطاولة.