يوجد مبدأ متداول منذ ما يزيد على عقدين، وهو أن يدفع الملوِّثون ثمن الأضرار التي ألحقوها بالبيئة بهدف إبطاء تغيُّر المناخ، وقد تبنَّت أكثر من 50 دولة، وولاية ومدينة ما يُعرف بأسعار الكربون في جميع أنحاء العالم، إذ يُعدُّ هذا النهج من قِبل خبراء البيئة والسياسيين، فضلاً عن كثير من شركات النفط، بمثابة طريقة فعَّالة للسوق الحرة لإبطاء الاحتباس الحراري.
ويحدث ذلك، إما من خلال فرض ضريبة على كل طنٍّ متري من ثاني أكسيد الكربون المنبعث، أو من خلال إنشاء سوق لتجارة تصاريح التلوُّث. وعلى الرغم من أنَّ هذه الفكرة قد تحظى بدعم كبير؛ فإنَّ الرسوم أثارت جدلاً واسعاً في ألمانيا، وكندا، وأستراليا، ودول أخرى.
1. كيف يُسعَّر الكربون؟
تحدد الحكومات أو الأسواق أسعار الكربون، وتغطي تلك الأسعار جزءاً محدداً من إجمالي انبعاثات الدولة، مع تركيز معظم الرسوم على المرافق التي تنتج الكهرباء، إذ تتخذ بعض الأسعار شكل ضريبة، أو رسماً يُفرَض على كلِّ طن من ثاني أكسيد الكربون المنبعث. أما في السوق فيُعيَّن حدٌ لإجمالي حجم الانبعاثات المسموح بها، ثم تُخصَّص التصاريح، أو يشتريها الملوِّثون. ويمكن بعد ذلك شراء الاعتمادات وبيعها، وهو نظام يُعرف باسم "الغطاء والتجارة" أو مقايضة الانبعاثات الكربونية.
2. هل التسعير مؤثر؟
يقول المناصرون لحماية البيئة، إنَّ معظم واضعي السياسات، كانوا غير مستعدين لتحديد أسعار مرتفعة، بما يكفي لفرض تغييرات في سلوك الملوِّثين. ووفق العلماء، فإنَّ أسعار الكربون التي تبلغ 40 دولاراً أو أكثر للطن، تُعدُّ حاسمة إذا أراد العالم تحقيق أهداف خفض الغازات الدفيئة التي حددتها اتفاقية باريس لوقف تغيُّر المناخ. ومع ذلك، فقد شجعت الضرائب على مزيد من التحول إلى الغاز الطبيعي الأنظف، وبدأت تكلفته تتسلل إلى أسعار الكهرباء في جميع أنحاء العالم. ويعود الفضل إلى ضريبة الكربون في المملكة المتحدة في مساعدة البلاد على التخلص من الفحم بسرعة.
3. أين مكامن المشكلة؟
هي في كل مكان في العالم تقريباً. لكن نعرض هنا لأكثر الدول تأثراً: تخطِّط ألمانيا لتوسيع تسعير الكربون، ليشمل وقود النقل والتدفئة. وانتقد المدافعون عن البيئة المبادرة التي كُشِف النقاب عنها لتسعير الكربون في 20 سبتمبر، ورأوا أنَّ السعر المحدد منخفض جداً، كي يكون له أيّ تأثير. وتتوخى شركات النفط دفع 10 يورو للطن من ثاني أكسيد الكربون للوقود الذي تبيعه بدءاً من عام 2021، الذي سيرتفع بمرور الوقت.
وفي كندا، كان يمكن أن تتوقَّف نتائج معركة انتخابات أكتوبر على طرح رئيس الوزراء "جاستن ترودو" لضريبة الكربون.
ودعت مجموعة تسمى "مجلس قيادة المناخ"، في الولايات المتحدة ، وتضم شركات للنفط، والطاقة، والمنتجات الاستهلاكية الكبرى، إلى فرض ضريبة تبلغ 40 دولاراً للطن، على أن ترتفع قيمة الرسوم بنسبة 5 % كل عام على الأقل، بالإضافة إلى رد العائدات للمستهلكين الأمريكيين. وركَّز مرشحو الحزب الديمقراطيي في انتخابات 2020 بشكل كبير على ضرائب الكربون.
وشارفت الصين على الانتهاء من قواعد السوق الوطنية المخطط لها، والخاصة بتسعير الكربون.
4. ما مدى انتشار القواعد؟
تعمل أسواق الكربون بناءً على قواعد محددة، وتتبع ما يزيد على 50 سلطة قضائية حول العالم. وتشمل تلك المناطق الاتحاد الأوروبي، وعشرات الولايات الأمريكية، إذ فرضت نحو 30 دولة وولاية ضرائب على الكربون. وتتراوح تلك الأسعار بين دولار واحد تقريباً للطن المتري في المكسيك، وما يقرب من 127 دولاراً في السويد. وتستخدم دول عديدة، مثل المملكة المتحدة، ومعظم الدول الاسكندنافية، تجارة التصاريح إلى جانب الضرائب المستهدفة على الوقود المسبب للتلوث مثل الفحم. وعلى الرغم من ذلك، فإن تسعير الكربون لا يغطي سوى ما يقرب من 20 %من الانبعاثات العالمية. ويعدُّ برنامج كاليفورنيا، على سبيل المثال، أحد البرامج القليلة التي تشمل وقود النقل، في حين تسعى الخطوة الأخيرة التي اتخذتها ألمانيا إلى محاكاة الولاية الأمريكية
5. لأيِّ مدى يجب ارتفاع السعر؟
نحتاج وفق تقرير البنك الدولي، إلى نطاق سعري يتراوح بين 40، و80 دولاراً لطن الكربون، لتحقيق الأهداف الواردة في اتفاقية باريس للأمم المتحدة لعام 2015 لوقف تغيُّر المناخ. وسيحتاج السعر إلى الارتفاع إلى أكثر من 100 دولار للطن، بحلول منتصف القرن لتشجيع التقنيات باهظة الثمن، مثل احتجاز الكربون وتخزينه والوقود الأنظف. ويتوقع أن تستخدم نحو نصف الدول التي وقَّعت على الاتفاقية، والبالغ عددها 200 دولة تقريباً، شكلاً من أشكال تسعير الكربون للوصول إلى أهدافها.
6. مَن يعارض تسعير الكربون؟
كافح القادة السياسيون للترويج لنظام تسعير للكربون، كون الانفلات في سعره يتسبَّب في ارتفاع تكلفة السلع والخدمات، وخصوصاً الصلب والإسمنت. ويقول بعض قادة الأعمال، إنَّه يشوه أسواق السلع التي تأتي من دول لا تفرض ثمناً على التلوث. وألغت أستراليا ضريبة الكربون في عام 2014، بعد أن عدَّها بعضهم مسؤولة عن تدمير الوظائف. ومن ناحية أخرى، قد يكون الفقراء هم الأكثر تضرراً من أسعار الكربون نظراً إلى رفع أسعار الطاقة المنزلية، على الرغم من أنَّ هذا العبء، يمكن تعويضه عن طريق إعادة توجيه الإيرادات المجمعة.
7. هل سيستمر؟
يقول كثير من خبراء البيئة، إنَّ العالم سيستمر في التقصير في تحقيق أهدافه للحدِّ من الانبعاثات، إن لم يكن هناك أسعار للكربون ذات تأثير حقيقي. وتستخدم شركات عديدة بالفعل سعراً داخلياً للكربون، أو ما يُعرف بـ "سعر الكربون الافتراضي" لاختبار جدوى مشاريعها الجديدة.