يواجه المغرب 4 تحديات كبرى في طريقه لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته بحلول نهاية العقد، تتمثل في ضبابية الطلب عالمياً، وعدم نضوج التكنولوجيا المستعملة لتحقيق تنافسية الإنتاج، إضافة إلى طول مدة تحقيق العائد على الاستثمار، وتوفير الأراضي الكافية للمستثمرين.
تحاول المملكة الظفر بحصة من السوق العالمية لهذا الوقود الخالي من الكربون في المستقبل، حيث تضع نصب أعينها هدف تلبية أكثر من 4% من الاحتياجات العالمية في أفق 2030، وتعمل الحكومة على تسريع التعاقد على أولى المشاريع في هذا المجال قبل نهاية العام الجاري.
إنتاج الهيدروجين الأخضر يتم عبر فصل جزيئات الهيدروجين في المياه المحلاة عن جزيئات الأوكسجين باستخدام كهرباء مولّدة من مصادر طاقة متجددة. ولدى المملكة إمكانيات مهمة في هذا المجال بفضل قدرة متاحة حالياً من الطاقة المتجددة تبلغ 5440 ميغاواط تُمثل 45% من القدرة الكهربائية المركبة في البلاد، مع وجود خطط لزيادتها إلى 52% قبل 2030.
نضج التكنولوجيا
لا تزال أغلب مشاريع الهيدروجين الأخضر في العالم في بداياتها، وفي المغرب تقود جهات حكومية وشركات خاصة مشاريع صغيرة تجريبية، ما يُؤشر على عدم وصول تقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى مستوى يسمح باختبارها في مشاريع الإنتاج التجاري بأسعار تنافسية.
ينوّه جواد الخراز، مدير شبكة خبراء المياه والطاقة والمناخ (WECEN)، بأن التحدي الأكبر الذي يواجه المغرب، كما هو الأمر بالنسبة لجميع دول العالم، هو الجانب التكنولوجي في عملية إنتاج الهيدروجين الذي لا يزال في بدايته، وأضاف في مقابلة مع "الشرق"، على هامش القمة العالمية للهيدروجين الأخضر التي عُقدت خلال أكتوبر في مراكش، أن أفضل سعر إنتاج حالياً يناهز 5 دولارات للكيلوغرام الواحد، لذلك فهو لا يزال باهظ الثمن مُقارنةً مع مصادر الطاقة الأخرى.
توافر إمكانيات إنتاج الطاقة النظيفة من الرياح والشمس في بعض المناطق في البلاد بشكل متزامن هي نقطة إيجابية ستسمح بالتحكم في التكلفة الإجمالية، بالنظر إلى أن الطاقة تمثل 60% من التكلفة النهائية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وفقاً للمدير العام لمعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة في المغرب (IRESEN) سمير رشيدي، في حديث لـ"الشرق".
من جانبه، يقول طارق حمان، مدير عام المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب الحكومي، إن "الإمكانيات المتاحة للمملكة لإنتاج الطاقة النظيفة كبيرة جداً، وذلك سيسمح بإنتاج هيدروجين أخضر في ظروف اقتصادية مثيرة للاهتمام، لكن العمل بالكاد بدأ للتو ويحتاج وقتاً أطول للوصول إلى مراحل الإنتاج المستهدفة بأسعار تنافسية".
لا أحد يشتري تقريباً
تُشير إحصائيات نشرتها "بلومبرغ" إلى أن الشركات والحكومات حول العالم تُخطط لبناء نحو 1600 محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، لكن مع ذلك ما يزال الطلب مُحاطاً بشكوك كبيرة في ظل غياب عملاء مستعدين للشراء بشكل نهائي، بعبارة أخرى: لا أحد يشتري تقريباً هذا الوقود.
"سوق الهيدروجين الأخضر لم تتضح معالمها بعد في ظل غياب عملاء برؤية واضحة عن حاجياتهم. ليس هناك عميل اليوم قادرٌ على تحديد احتياجاته بدقة وبسعر معين ولفترة معينة، ما يعني أن الطلب غير واضح، مقابل عرض بالكاد تتبلور أولى مشاريعه"، بحسب سمير رشيدي.
تشير التوقعات إلى أن العالم سيكون بحاجة إلى استخدام 390 مليون طن من الهيدروجين سنوياً بحلول 2050 لتخليص الاقتصاد العالمي من الانبعاثات الكربونية، وهو ما يزيد عن أربعة أضعاف الكمية المستخدمة اليوم، بحسب "بلومبرغ إن إي إف".
في ظل هذا الوضع، ينهج المغرب مقاربةً تقوم على العمل في مسارين متوازيين للنجاح في مغامرة الهيدروجين الأخضر كما يُسميها طارق حمان، الذي قال إن "المغامرة بدأت للتو وهي تتطلب بعض الوقت والتعاون لدعم بروز هذه الصناعة، لذلك يجب أن ينصب التركيز على مسارين بالتوازي: مشاريع متوسطة الحجم يمكن إنجازها بسرعة، والتخطيط للمشاريع الضخمة التي تتطلب وقتاً أطول للبدء فيها بحلول 2027 و2028".
العائد على الاستثمار والأراضي
تحدٍّ آخر يواجه صناعة الهيدروجين الأخضر يتمثل في طول زمن تحقيق العائد على الاستثمار، وهو أمر يوليه المستثمرون أهمية كبيرة، لأن الأمر يتعلق باستثمارات ضخمة لبناء مزارع شاسعة لطاقة الرياح والشمس ومحطات تحلية مياه البحر والمحللات الكهربائية، إضافة إلى بنية تحتية للتوريد إلى أماكن الاستهلاك.
وإذا كانت مشاريع الطاقة المتجددة تحقق عائداً على الاستثمار في أمد 20 سنة، فإن مشاريع الهيدروجين الأخضر قد تحقق عائداً بعد 20 أو حتى 40 عاماً، وهذا يعني أنها استثمارات طويلة الأمد تحتاج رؤية واضحة، كما يفيد رشيدي.
بالإضافة إلى التحديات سالفة الذكر، يواجه بعض المستثمرين في هذا المجال تحدي توفر العقارات الكافية لإنجاز مشاريعهم، فعدة شركات عالمية مثل "سي دابليو بي غلوبال" (CWP GLOBAL) ترغب في مساحات شاسعة تصل إلى 200 ألف هكتار بينما يتوقع ألا تتجاوز القطع المخصصة لكل مشروع من طرف الحكومة 30 ألف هكتار، وهو التحدي الذي تواجهه أيضاً شركة "أكوا باور" السعودية كما ورد في تقرير سابق لـ"الشرق".
تدرس الحكومة المغربية حالياً 40 مشروعاً استثمارياً مُقدماً من شركات أجنبية ومحلية تترقب الحصول على قطع أرض لبدء مرحلة التنفيذ. وقد تمتد الدفعة الأولى من المشاريع على مساحة تصل إلى 300 ألف هكتار، من أصل مليون هكتار رصدتها المملكة لقطاع الهيدروجين الأخضر.