يمكن للمبادرة الفرنسية لحظر السفر الجوي التجاري على بعض المسارات الداخلية أن تكون أنموذجاً للدول الأخرى التي تسعى إلى جعل الطيران أكثر نظافة.
وسيمنع مشروع القانون الذي يشقُّ طريقه عبر البرلمان، السفر الجوي التقليدي، عندما يكون هناك بديل بالقطار يستغرق أقل من ساعتين ونصف. وتمَّ تقديم التشريع في الجمعية الوطنية خلال عطلة نهاية الأسبوع، كجزء من نقاش أوسع حول تشريعات المناخ، وما يزال بحاجة إلى تمريره عبر مجلس الشيوخ.
خيارات الطيران المستدام
وفي هذا الصدد، قال "فينكات فيسواناثان"، الأستاذ المساعد في جامعة كارنيجي ميلون: "تتمتَّع هذه السياسة بالقدرة حقاً على تسريع جميع خيارات الطيران المستدام، ويمكن أن تدفع الطيران الكهربائي نحو الأمام".
وكان قطاع الطيران أحد أسرع المصادر نمواً لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري قبل أن تتسبَّب جائحة فيروس كورونا في توقُّف السفر العالمي. وفي عام 2019، أنتج القطاع حوالي 2٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يصنعها الإنسان، وتُسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك وفقاً لمجموعة الصناعة "أتاغ" (ATAG).
وتعدُّ الرحلات الجوية القصيرة من أكثر الرحلات تلويثاً للبيئة. وفي حين جعلت فرنسا موضوع تقليص المسارات المحلية شرطاً لمساعدة الذراع الفرنسية لشركة طيران "إير فرانس- كيه إل أم"، العام الماضي، لم يوسِّع أي بلد الإجراءات ليشمل سوق الطيران المحلي الأوسع.
فرق التكلفة
ما يزال الوقود الأحفوري هو الخيار الأقل تكلفة لتشغيل الطائرات، حتى مع تطوير بدائل أنظف؛ إذ يتوفَّر وقود الطائرات المستدام بكميات صغيرة، والرحلات التي تعمل بالبطاريات لمسافة تقل عن 400 ميل أصبحت جاهزة تقريباً، كما تعمل شركة "إيرباص" العملاقة للطيران على تصميم طائرات الهيدروجين التي لن تُصبح جاهزة قبل أكثر من عقد من الزمن.
وينصُّ القانون المقترح على أنَّه سيتمُّ توفير إعفاءات للرحلات "الخالية من الكربون" في المستقبل. وقال "فيسواناثان"، إنَّ ذلك قد يفتح سوقاً لرحلات جوية قصيرة المدى منخفضة الكربون، مما يخلق مساحة لبدائل مستدامة يمكن أن تساعد في خفض التكاليف بشكل أكبر.
وسيحظر القانون الفرنسي أيضاً إنشاء مطارات جديدة أو توسعات للمحاور الحالية، وذلك في حال أدَّت الأعمال إلى زيادة الانبعاثات، على الرغم من أنَّه سيتمُّ إجراء استثناءات في بعض الحالات لأسباب تتعلَّق بالصحة أو الأمن القومي، وفقاً لبيان من وزارة البيئة يوم الأحد.
وسيُطلب من شركات الطيران إدخال برامج تعويض الكربون للرحلات الداخلية بين عامي 2022 و2024؛ وقد تشمل هذه البرامج إعادة زراعة الأشجار أو خطط حماية الطبيعة الأخرى. وما يزال من الممكن تعديل الحزمة أثناء تمريرها عبر مجلس الشيوخ، إذ قد تستغرق الموافقة النهائية أسابيع.
وبالنسبة لبريطانيا، التي أقرَّت مثل فرنسا قانوناً للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية مع حلول عام 2050، فهي تمضي قدماً في توسعات المطارات؛ فقد وافقت الحكومة المحلية مؤخَّراً على تمديد مدرج في مطار ساوثهامبتون، على الرغم من معارضة الجماعات البيئية.
ليس كافياً؟
طلبت مجموعات حماية البيئة من فرنسا أن تذهب أبعد من ذلك، فقد قال "جون هايلاند"، المتحدِّث باسم منظمة السلام الأخضر في الاتحاد الأوروبي، "إنَّ الحدَّ الزمني المقترح للسفر في فرنسا، وهو ساعتان ونصف، يترك عدداً كبيراً من الرحلات القصيرة المدى قيد التشغيل؛ وعلى الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية، بما في ذلك فرنسا، حظر جميع الرحلات الجوية القصيرة المحلية والعابرة للحدود عندما يكون بوسع الركاب استخدام وسائل نقل أقل تلويثاً مثل السكك الحديدية أو الحافلات".
من جهته قال "جو داردين"، مدير الطيران في مجموعة النقل والبيئة، إنَّه يتعيَّن على الحكومة الفرنسية أيضاً استهداف الرحلات الطويلة المدى من خلال "فرض استخدام وقود طائرات أكثر صداقة للبيئة، وفرض سعر كربوني فعَّال يُجبر شركات الطيران على الطيران بشكل أنظف".
وتمَّ وضع القواعد بعد أن اضطرت شركة طيران "إير فرانس" للتخلي عن بعض مسارات المسافات القصيرة في فرنسا كجزء من خطَّة الإنقاذ الحكومية البالغة 7 مليارات يورو (8.3 مليار دولار)، فقد طلبت الحزمة من الشركة الحد من الرحلات الداخلية بنسبة 40٪. كما طلبت الحكومة الهولندية من شركة النقل الشقيقة "كيه إل إم" خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار النصف لكلِّ راكب مع حلول عام 2030.
وقد صُمِّم مشروع القانون، وهو قيد المناقشة حالياً، لمنع منافسي "إير فرانس- كيه إل أم"، بما في ذلك المنافسون أصحاب التكلفة المنخفضة، من اتخاذ تلك المسارات التي تخلَّى عنها الناقل الفرنسي.
وقبل خطَّة الإنقاذ الأخيرة لشركة "إير فرانس- كيه إل أم"، كانت دول الاتحاد الأوروبي قد وجهت ما لا يقل عن 23 مليار يورو إلى شركات الطيران من خلال القروض، والضمانات، وضخ رأس المال، والمنح.
أما النمسا، فهي الدولة الأوروبية الوحيدة الأخرى التي فرضت قيوداً على السفر الجوي قصير المدى كجزء من خطَّتها التمويلية للوحدة المحلية لشركة طيران "دويتشه لوفتهانزا"، وذلك وفقاً لبيانات تعقُّب الإنقاذ التي جمعتها هيئة النقل والبيئة.