اضطرابات الطقس في المصافي الأوروبية أثرت على مليون برميل يومياً خلال العام الماضي

الطقس الملتهب يثير مخاوف مصافي النفط داخل أوروبا وخارجها

إطفائيون يكافحون حرائق الغابات بالقرب من مدينة ستاماتا، في شمال شرق أثينا، اليونان، بتاريخ 30 يونيو 2024 - المصدر: بلومبرغ
إطفائيون يكافحون حرائق الغابات بالقرب من مدينة ستاماتا، في شمال شرق أثينا، اليونان، بتاريخ 30 يونيو 2024 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تقترب درجات الحرارة في أوروبا من مستويات قد تجبر بعض مصافي النفط على تقليص إنتاج الوقود. فاليونان تواجه حرائق غابات، ويُتوقع أن تصل درجات الحرارة في العاصمة إلى أكثر من 40 درجة مئوية (104 فهرنهايت) في الأسابيع المقبلة. وفي بولندا، ربما تتجاوز الحرارة قريباً النقطة التي تستطيع عندها أكبر شركة لتوريد الوقود في البلاد تشغيل مصافيها بشكل طبيعي.

تشير تقديرات "ماكواري غروب" إلى أن الاضطرابات المتعلقة بالحرارة في المصانع الأوروبية أثرت على حوالي مليون برميل يومياً في العام الماضي، أي ما يقارب 10% من حجم الإنتاج الطبيعي.

وتجاوزت درجات الحرارة في أوروبا المعدلات الموسمية بكثير، ولا توجد إشارات على تغير ذلك قريباً. وباستشراف المستقبل، تقول أكبر مصفاة في السويد إن تغير المناخ يجعل إنتاج الوقود أكثر صعوبة.

قال ألان غيلدر، نائب رئيس أسواق التكرير والكيماويات والنفط في شركة "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie) للاستشارات: "تم تصميم المصافي الأوروبية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وأصبح العالم أكثر سخونة منذ ذلك الحين".

تحديات فرضتها الممارسات

التحديات التي تواجهها الصناعة ترجع جزئياً إلى ممارساتها، إذ إن تغير المناخ ناجم عن استهلاك الوقود الأحفوري. وتحاول المصافي التغلب هذا الوضع عبر إضافة معدات جديدة في الأماكن المربحة لها من الناحية الاقتصادية. 

تُعتبر المصافي في المناطق التي اعتادت على الطقس الحار مثل الشرق الأوسط مهيأة بشكل أفضل للتعامل مع ذلك. أما في أوروبا، فتم بناء المصافي لتحمل درجات الحرارة المنخفضة وليست المرتفعة، وفقاً لشركة "كينت" (Kent) الهندسية.

وأدى التغيير في أنواع النفط الخام التي تستخدمها منشآت القارة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا إلى تفاقم المشكلة، لكن هناك مؤشرات على التحسن. فالمصافي الأوروبية التي اتجهت إلى الإمدادات الوفيرة من النفط الأميركي الخفيف تعالج الآن أنواعاً أثقل من النفط الخام، مما قد يساعدها على التعامل مع المشكلة، وفقاً لبيانات شركة "كبلر".

قال فيكاس دويفيدي، المحلل في "ماكواري غروب"، والذي عمل سابقاً كمهندس في شركة "شل": "حتى لو لم تكن درجات الحرارة قياسية كما كانت في العام الماضي -إذ يمكن وصفها بأنها ساخنة للغاية مقارنة بالوضع الطبيعي- إلا أن المصافي ستواجه تحديات مشابهة جداً لما شهدته العام الماضي".

تقليص معدلات تكرير النفط

ما تزال التوقعات بشأن معدلات التكرير الإجمالية في المصافي غير محددة لأن هناك العديد من المتغيرات، وقد تضطر المصافي إلى تقليص هذه المعدلات. كما تُعتبر هذه المعدلات أمراً بالغ الأهمية لفهم العرض والطلب.

وتتمثل المتغيرات التي تؤثر على معدلات معالجة المصافي، في: عدم القدرة على التنبؤ بالطقس، فضلاً عن حقيقة أن كل مصفاة لها تركيبتها الخاصة، ونوعية النفط الخام المثالي بالنسبة لها في إنتاج الوقود.

قال ستيف سوير، المدير السابق للتكرير في "إف جي إي" (FGE) ومدير الاقتصاد والتخطيط السابق في مصفاة "كوريتون" (Coryton) المغلقة الآن في المملكة المتحدة، إن سيناريو الحرارة الشديدة قد يدفع المصفاة إلى خفض التشغيل بنسبة تصل إلى 15% على مدار فترة 24 ساعة. 

من جانبه، قال جانيف شاه، نائب رئيس تحليل أسواق النفط في "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy)، إن تأثير الحرارة كان سيئاً بشكل خاص في البحر الأبيض المتوسط ​​​​العام الماضي. وأضاف في إشارة إلى أزمة التكرير في ظل درجات الحرارة المرتفعة: "أناقش هذا الموضوع مع العملاء كل يوم تقريباً".

مصافي النفط الأوروبية والأميركية غير مهيأة

مصافي التكرير في أوروبا ليست وحدها التي تواجه الطقس الحار. ففي الولايات المتحدة قد تكون مناطق الساحل الشرقي والغرب الأوسط الأكثر تضرراً.

قال راندي هوربورن، رئيس التكرير في شركة "إنرجي أسبكتس" (Energy Aspects) ومقرها في لندن، إن العمليات هناك مصممة للتعامل مع برد الشتاء، وليس حرارة الصيف.

ويحتضن ساحل الخليج الأميركي أكبر المصافي في البلاد، والتي تكون مزودة بأبراج التبريد الأكثر عدداً والأكبر حجماً وقدرة على تخزين مياه التبريد، مما يسمح لها بتحمل درجات الحرارة في الصيف بشكل أفضل.

مع ذلك، فإن درجات الحرارة المرتفعة تضغط على وحدات الإنتاج هناك. ومن المتوقع أن تعمل أبراج التبريد والمبادلات الحرارية المبردة بالهواء وغيرها من المعدات المستخدمة للتخلص من الحرارة الناجمة عن عمليات وحدات التكرير بجهد إضافي.

لفت هوربورن إلى أن حرارة الصيف المستمرة لفترة طويلة يمكن أن تضع أعباءً على شبكات الطاقة في هذه المنطقة، مما قد يجبر مصافي كاملة على الإغلاق المفاجئ.

وقد تضطر بعض الوحدات إلى الإغلاق أيضاً. وخلال الصيف الماضي، أغلقت مصفاة "ماكي" التابعة لشركة "فاليرو إنرجي" (.Valero Energy Corp)  في تكساس بشكل مفاجئ، الوحدة الرئيسية للتكسير التحفيزي للسوائل المسؤولة عن تصنيع البنزين، وسط درجات حرارة شديدة. كما انقطع التيار الكهربائي عن وحدة التكسير التحفيزي للسوائل في مصفاة "بايتاون" التابعة لشركة "إكسون موبيل" بعد تعطل غلاية وسط درجات الحرارة الشديدة في تكساس.

قال هوربورن: "لا يتعلق الأمر كثيراً بفقدان الكهرباء. يمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تدهور الأداء بحيث تعمل وحدات المعالجة بشكل أقل فعالية، وقد تُضطر المصافي إلى خفض معدلات التشغيل".

 تعمل مصافي التكرير الأميركية بالفعل بالقرب من المعدلات الكاملة، حيث يبلغ الطلب على البنزين ذروته خلال موسم قيادة السيارات في الصيف. وكان الهدف من عدة عمليات صيانة خلال موسمي الشتاء والربيع -والتي تم تأجيل بعضها منذ أن أدت كورونا إلى تدمير الطلب في عام 2020- هو  الحصول على أقل عدد من الأعطال حتى عند  استخدام طاقة التشغيل الكاملة لفترات طويلة في حرارة الصيف القاسية.

مخاوف زيادة درجات الحرارة

لا يُتوقع أن يسود طقس حار على امتداد جنوب الولايات المتحدة كما كان الحال في الصيف الماضي، وفقاً لتايلر رويس، كبير خبراء الأرصاد الجوية في شركة "أكيوويذر" (.AccuWeather Inc). كما يُتوقع أن تكون مناطق جنوب أوروبا أكثر برودة هذا الصيف مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية.

مع ذلك، قد تصل درجات الحرارة القصوى في وارسو إلى أكثر من 35 درجة مئوية هذا الأسبوع، وفقاً للمركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى. إذا وصلت الحرارة في العاصمة البولندية إلى هذه الدرجة، فستكون قريبة من الحد الأقصى لدرجة الحرارة التي يمكن أن تعمل فيها مصافي شركة "أورلين" (Orlen SA)، وهي أكبر مورد للوقود في البلاد. وأي درجة حرارة أعلى من هذا المستوى ستجبرها على خفض الإنتاج.

قالت "أورلين" في رسالة بالبريد الإلكتروني: "عند زيادة حرارة الطقس، يكون نقل الحرارة في أنظمة التكثيف والتبريد محدوداً بشكل كبير، مما يجبرنا على تخفيف الحمل في كل وحدة على حدة".

تسببت العقوبات على النفط الخام الروسي والمواد الخام الأخرى المستخدمة في وحدات المعالجة، في اضطراب كبير بقطاع التكرير الأوروبي في السنوات الأخيرة. فقد جرى تصميم معظم المصافي بحيث تعالج نوعية معينة من النفط، وبدون نفط "الأورال" الروسي الذي اعتمدت عليه المصافي لسنوات، تحتاج هذه المصافي إلى مزج أنواع أخرى لتوفير بديل صناعي.

قال فيكتور كاتونا، رئيس محللي النفط الخام في "كبلر": "كان العام الماضي قاسياً على صعيد توريد النفط في أوروبا، حيث كانت الخامات خفيفة جداً"، وجاء ذلك في وقت غير مناسب للمصافي.

ومع ذلك، قال إن التدفقات الكبيرة من البراميل الثقيلة من أميركا اللاتينية، أسهمت في تحسين الوضع هذا العام.

لكن حتى مع زيادة إمدادات أميركا اللاتينية، ما تزال الولايات المتحدة ترسل كميات قياسية من خام غرب تكساس الوسيط إلى المنطقة، وهو نوع يحتوي على نسبة عالية من مادة النافتا التي تُستخدم في صناعة البلاستيك والبنزين.

الأعمال الداخلية

في مصفاة النفط، يتم تسخين النفط الخام إلى مئات الدرجات المئوية بحيث يتحول جزء كبير منه إلى بخار. ويتم فصل البخار بعد ذلك وتحويله إلى منتجات بترولية مختلفة، مثل الديزل ووقود الطائرات، من خلال وحدة تقطير الخام، أو ما يُعرف بالمجزئ.

عندما يكون الطقس حاراً في المحيط الخارجي للمصفاة، يتعذر تحويل البخار في وحدة تقطير الخام إلى سائل أثناء فترة ضغط التشغيل العادية- خصوصاً بالنسبة إلى تلك المنتجات البترولية التي لديها أقل نقطة تكثف/ غليان، وفقاً لغيلدر، الذي عمل سابقاً ككبير مهندسين في شركة "إيسو إنجنيرينغ" (Esso Engineering). وهذا قد يجبر مصافي النفط بنهاية المطاف على تقليص معالجة النفط الخام.

تتطلب مادة النافتا، جنباً إلى جنب مع الغازات البترولية، التي تُعرف مجتمعة بالمنتجات العلوية (التي تخرج من الجزء العلوي لبرج التقطير)، عملية تبريد أكثر كثافة. لذلك، إذا كانت المصفاة تستخدم نفطاً ينتج عنه نسبة عالية من هذه الأجزاء الخفيفة، فقد يشكل ذلك صعوبات في درجات الحرارة المرتفعة لأن الأمر يتطلب تبريداً أكثر.

تخفيضات إنتاج الوقود

تشير تقديرات شركة "ماكواري" إلى أن حوالي 1.5 مليون برميل من الطاقة الإنتاجية اليومية كانت خارج الخدمة عالمياً في الصيف الماضي نتيجة للطقس الحار. وأُجبرت منطقة البحر الأبيض المتوسط على خفض الإنتاج بحوالي ثلث هذه الكمية في الربع الثاني من العام الماضي، وفقاً لتقديرات "بنك أوف أميركا" في ذلك الوقت.

أما في ما يتعلق بالتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة، قد تقوم المصفاة بأكبر تقليص لمعدل الإنتاج لتجنب الجزء الأكثر حرارة من اليوم، ثم تبدأ في عكس ذلك التخفيض خلال الليل عندما يكون الطقس أكثر برودة، وفقاً لستيف سوير.

وتُعتبر المصافي في الشرق الأوسط قادرة عموماً على التعامل مع الحرارة الشديدة بشكل أفضل من نظيراتها في أوروبا؛ كونها مصممة خصيصاً لذلك، حيث يجري إعدادها للعمل عند ظروف ضغط تشغيل أعلى، مما يعني أنها يمكن أن تعمل بشكل فعال في درجات حرارة محيطة أعلى، وفقاً لغيلدر.

قالت شركة "ريبسول" (Repsol SA) الإسبانية إن بعض أجزاء مصافيها قد تواجه قيوداً بسبب درجات الحرارة المرتفعة، ولكنها مصممة للتعامل معها. وذكرت شركة "أورلين" أن مصفاتي غدانسك وبولك التابعتين لها ستعملان بشكل طبيعي في درجات حرارة تتراوح بين -25 درجة مئوية و+36 درجة مئوية. كذلك تخطط الشركة لتركيب ما يُسمى بالمبردات لتحسين عملية التبريد من أجل مواجهة درجات الحرارة المرتفعة. 

وقال لودفيغ كولبرغ، المتحدث باسم شركة "بريم" (Preem) السويدية: "في ظل تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، يصبح من الصعب الحفاظ على درجة الحرارة والضغط منخفضين في قمة برج التجزئة"، مشيراً إلى أن ذلك يمكن أن يقلص قدرة الإنتاج.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك