تدهور الأراضي لا يمثل مشكلة متفاقمة للتغير المناخي فحسب.. بل وللأمن المائي والغذائي أيضاً

العالم يخسر ببطء الأراضي التي يحتاجها للغذاء

حقل ذرة أصابه الجفاف في بلدة سيرودينو، بالأرجنتين، بتاريخ 9 نوفمبر 2023 - المصدر: بلومبرغ
حقل ذرة أصابه الجفاف في بلدة سيرودينو، بالأرجنتين، بتاريخ 9 نوفمبر 2023 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يتسبب النشاط البشري في أكبر التهديدات التي تواجه وجودنا اليوم، وليس تأثير الطبيعة بمعزل عن العوامل الأخرى، وفقاً لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة.

يدرك كثير من الناس الدور الذي يلعبه البشر في تغير المناخ، وربما أيضاً مسؤوليتهم عن إهدار التنوع البيولوجي. ولكن هناك أثر بيئي ثالث نادراً ما يستحوذ على الاهتمام الذي يستحقه: وهو التصحر، المعروف أيضاً باسم تدهور الأراضي.

يفقد العالم الأراضي الصالحة للاستخدام بوتيرة متسارعة لأسباب ذاتية، تتراوح بين الزراعة المكثفة والرعي الجائر للماشية، والتطوير العقاري، وتغير المناخ. وتؤدي هذه الأزمة إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي والمائي، فضلاً عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.

من جانبهم، لم يتجاهل علماء البيئة المشكلة. ففي الواقع، أثمرت "قمة الأرض" التي عُقدت في ريو دي جانيرو عام 1992 عن التوصل إلى ثلاث اتفاقيات للأمم المتحدة، وهي: تغير المناخ، والتنوع البيولوجي، والتصحر.

تعقد اتفاقية المناخ مؤتمرات قمة كبيرة لمؤتمر الأطراف كل عام -مثل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب 28" في دبي- والتي تتصدر حالياً عناوين الصحف في كثير من الأحيان.

لكن، على الرغم من أن اتفاقيات التنوع البيولوجي والتصحر تعقد أيضاً مؤتمرات الأطراف، فإنها تُعقد مرة واحدة فقط كل عامين، ونادراً ما تحظى بهذا القدر من الاهتمام. فهي فرصة ضائعة، كما يقول إبراهيم ثياو، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة المعنية بمكافحة التصحر، والذي نوّه بأنها قد تكون قضية علامة تجارية، لأن الناس يعتقدون بأن الأمر يتعلق بالصحارى وحدها. وأضاف: "هناك سوء فهم لمصطلح التصحر. ولهذا السبب نستخدم أيضاً مصطلح تدهور الأراضي".

تحدٍ عالمي

من المفارقة أن أحد أكبر التحديات في مكافحة تدهور الأراضي هو تحدٍ عالمي: فنحن بحاجة إلى الغذاء. يُستخدم حوالي 40% من أراضي كوكب الأرض –أي ما يعادل 5 مليارات هكتار– للزراعة. يُخصص ثلث هذه المساحات لأغراض زراعة المحاصيل، والباقي لرعي الماشية.

للأسف، لا يحظى العالم بسجل حافل في ما يتعلق بالممارسات الزراعية المستدامة على مدار الخمسمائة عام الماضية، حيث أدى النشاط البشري (الزراعة بشكل رئيسي) إلى تدهور ما يقرب من ملياري هكتار من الأراضي.

ساهم ذلك في إطلاق حوالي 500 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون نتيجة لاضطرابات التربة، أو حوالي ربع إجمالي الغازات الدفيئة التي تسهم في ارتفاع درجات الحرارة اليوم. من الممكن أن يؤدي المزيد من تدهور الأراضي حتى عام 2050 إلى إضافة 120 مليار طن أخرى من مكافئ ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، الأمر الذي يفاقم مشكلة تغير المناخ.

قال ثياو إن تركيز الاهتمام على مشاريع استصلاح الأراضي يمكن أن يقلب هذا السيناريو. وأضاف: "لا توجد حلول لتدهور الأراضي لا تحمل فوائد تعالج المشاكل الأخرى التي نواجهها".

إلى جانب الحد من الانبعاثات، أظهر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن استثمار حوالي 2.7 تريليون دولار سنوياً تنفق في استعادة النظام البيئي والزراعة المتجددة ونماذج الأعمال الدائرية يمكن أن يساعد في إضافة ما يقرب من 400 مليون وظيفة جديدة، وتوليد قيمة اقتصادية بأكثر من 10 تريليونات دولار سنوياً.

تمويل استصلاح الأراضي وزيادة المحاصيل

قال ثياو إن الحكومات على مستوى العالم تنفق أكثر من 600 مليار دولار على الدعم المباشر للزراعة الذي يمكن إعادة توجيهه نحو ممارسات تساعد في استصلاح الأراضي وزيادة المحاصيل. وأضاف: "لا يوجد شيء غير منطقي أخطر من استغلال المال العام لتدمير رأس المال الطبيعي لديك. ولكن ذلك يحدث بعد الانتخابات تلو الأخرى".

قد يكون أحد أسباب تجاهل مشكلة تدهور الأراضي إلى حد كبير هو أن البشر فقدوا ارتباطهم بالأرض، وفقاً لأسامة إبراهيم فقيها، رئيس مؤتمر "كوب 16" المعني بالتصحر، والذي سيُعقد في المملكة العربية السعودية خلال العام الجاري.

قال: "يعيش جزء كبير من السكان في المدن حالياً. نحن نعيش في غابة خرسانية. قلة قليلة من الناس تربطهم صلة مباشرة بينهم وبين إنتاج الغذاء".

ربما يكون هناك تفسير آخر يتعلق بالكيفية التي تعاملت بها الدول الغنية مع المشكلة. وفي هذا السياق قال ثياو: "لفترة طويلة كانت الدول المتقدمة تعتبر هذه المسألة قضية أفريقية. لم يُنظر إليها على أنها عالمية". يؤثر تدهور الأراضي والجفاف اليوم على كل بلد في العالم تقريباً.

حتى أكبر اقتصاد في العالم لا يمكنه تجاهل تدهور الأراضي. قال أنتوني بلينكن في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عُقد في دافوس هذا العام: "عندما تفكر في التربة، ربما لا يكون وزير الخارجية الأميركي هو أول شخص يتبادر إلى ذهنك. لكن الحقيقة هي أن التربة تعد حرفياً السبب الجذري وراء العديد من تحديات الأمن القومي المُلحّة التي نواجهها".

توقع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن يزيد الطلب العالمي على الغذاء بنسبة 50% بحلول عام 2050، حتى مع أن تغير المناخ يمكن أن يقلل المحاصيل عالمياً بنسبة 30%. وقال: "رب الأسرة الذي لا يستطيع توفير الطعام لأطفاله يأخذ أسرته وينتقل إلى مكان آخر. وإذا كان ذلك يكلفهم الانتقال في نصف الطريق حول العالم، فسوف يفعلون ذلك. لكن هذا يسهم في تدفقات هجرة غير مسبوقة".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك