في عام 2019، تولى ويليام ريبل، العالم البيئي في جامعة ولاية أوريغون، مهمة رئيسية بقيادة فريق لكتابة مقال أعلن بشكل صريح وحازم أن الأرض تمر بأزمة مناخية. المقال سلط الضوء على "علامات حيوية" تشير إلى الوضع المتأزم الذي يواجهه كوكبنا. وقبل نشره، حظي المقال بتوقيع ودعم أكثر من 11 ألف عالم من مختلف أنحاء العالم.
والآن يرى ريبل وزملاؤه أن السيناريوهات التي يستخدمها خبراء المناخ للتعامل مع المستقبل ليست كافية. ففي ورقة بحثية نُشرت يوم الثلاثاء في "إنفايرونمينتال ريسيرش ليترز" (Environmental Research Letters)، دعوا إلى أن تشمل النماذج المناخية "مساراً تصالحياً" جديداً، لا يقتصر على خفض العالم لانبعاثات الغازات الدفيئة فحسب، بل يحقق أيضاً سلامة بيئية وعدالة اجتماعية أكبر في سياق هذه العملية.
يعتمد علماء المناخ حالياً على خمسة سيناريوهات مختلفة للمستقبل، تُعرف باسم "المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة" (SSPs). وقد طور فريق دولي هذه المجموعة من المسارات التي تستخدمها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، وهي تتتبع كيفية تطور الاحترار العالمي في الأعوام المقبلة، استناداً إلى مدى سرعة خفض البلدان لانبعاثاتها، بجانب عوامل اجتماعية واقتصادية مثل السكان والتعليم والتطور التكنولوجي.
في أفضل السيناريوهات الحالية، أي "المسار الاجتماعي والاقتصادي المشترك الأول" (SSP1)، يصل العالم إلى الحياد الكربوني بحلول 2050 تقريباً. وفي أسوأ السيناريوهات، أي "المسار الاجتماعي والاقتصادي المشترك الخامس" (SSP5)، يُسرع العالم من وتيرة استخدام الوقود الأحفوري، مما يضاعف الانبعاثات الكربونية بحلول 2050 ويرفع درجات الحرارة بمقدار 4.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
يضيف المسار الإصلاحي أهدافاً بيئية وأخرى تتعلق بالمساواة إلى منحنى الانبعاثات الهبوطي في سيناريو "المسار الاجتماعي والاقتصادي المشترك الأول" (إس إس بي 1). ووفقاً لهذا المسار، ستنخفض الأراضي الزراعية في العالم بحلول 2100، مقارنة مع توسعها في إطار "إس إس بي 1"، كما سينخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بدلاً من الارتفاع كما هو الحال في هذا المسار.
كتب المؤلفون أن المسار الجديد قد يشمل "تقارباً أكبر بين نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، واستهلاك اللحوم، واستخدام الطاقة حول العالم" لتعزيز المساواة بين شمال العالم وجنوبه.
طلبنا من ريبل التحدث بشكل أوسع عن الاقتراح، وقمنا بتحرير هذه المقابلة وتلخيصها بغرض الوضوح.
ما هو المسار الإصلاحي؟
نقترح سيناريو أكثر إنصافاً على الصعيدين البيئي والاجتماعي، وذلك لمعالجة الأزمات المتداخلة بما فيها تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والظلم الاجتماعي.
نقترح شيئاً شاملاً، وهو أن يكون لدينا حلول لتحديات متعددة في نفس الوقت بدلاً من العمل عليها بشكل منفصل. لذلك نعتقد أن تغير المناخ ليس مشكلة قائمة بذاتها، بل هو عرض لمشكلة أكبر بكثير. والمشكلة الأكبر تشمل الاقتصاد والتفاوت الاجتماعي والحفاظ على الطبيعة، إضافة إلى انبعاثات الغازات الدفيئة التي يتحدث عنها الكثيرون.
لم نجر كافة الحسابات للتوصل إلى النسبة الدقيقة لخفض الانبعاثات، لكن بشكل عام، يتشابه السيناريو الخاص بنا مع مسار "إس إس بي 1"، حيث تتراجع انبعاثات الغازات الدفيئة تراجعاً كبيراً مع مرور الوقت.
كيف طورتم هذا المسار؟
حددنا مجموعة متنوعة من المتغيرات في نظام الأرض في الأعوام الخمس مئة الماضية، بما فيها انبعاثات الوقود الأحفوري والكثافة السكانية والناتج المحلي الإجمالي واستخدام الأراضي وانبعاثات الغازات الدفيئة ودرجة الحرارة. وبداية منها حتى عام 2100، استخدمنا توقعات "المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة" لبعض المتغيرات، لكننا نختلف في كيفية تعاملنا مع الأراضي الزراعية المستقبلية وأكسيد النيتروز (الغاز الدفئ).
كيف يختلف هذا السيناريو أيضاً عن سيناريوهات "المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة" الحالية؟
بالمقارنة مع "المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة"، فإن السيناريو الخاص بنا يعتمد بشكل أقل على التطورات التكنولوجية لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. إضافة إلى ذلك، فإنه يركز بشكل أكبر على معالجة التفاوت في الاستغلال المفرط للكوكب، ونحن نتوقع تحسن التنوع البيولوجي في السيناريو الخاص بنا.
وهناك فارق رئيسي آخر هو ما نتوقعه للناتج المحلي الإجمالي، فالسيناريو الخاص بنا يدعم استقرار الناتج المحلي الإجمالي بمرور الوقت بدلاً من صعوده باستمرار.
ما هو نوع التطورات أو السياسات العالمية اللازمة لتحقيق هذا السيناريو؟
من الناحية الاقتصادية، ربما توضع سياسة عالمية لضريبة الكربون، وهذا من شأنه أن يحقق هدفين، وهما إمكانية تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري والمساعدة في إعادة توزيع الثروة حيث يدفع الأثرياء مزيداً من ضرائب الكربون.
كما أننا نسعى للحفاظ على الطبيعة، حيث سنحقق زيادة في أراضي الغابات، مع تخفيض مساحة الأراضي التي نقتطعها من الطبيعة بهدف استخدامها في الزراعة. ما نقترحه لتحقيق مزيد من المساواة على مستوى العالم هو رفع مستوى تعليم الفتيات والنساء، مما يؤدي إلى انخفاض معدلات الخصوبة وارتفاع مستويات المعيشة.
وفقاً للورقة البحثية، سيستقر الناتج المحلي الإجمالي العالمي في هذا السيناريو مع توزيع أعلى 10% من الدخل بشكل أكثر تكافؤاً بين السكان. كيف سيبدو ذلك بالنسبة للاقتصاد العالمي؟
نظراً لأن طبيعة النشاط الاقتصادي المعتادة ليست مثمرة والنمو الاقتصادي اللامتناهي يمثل مشكلة، فإننا بحاجة للتحول نحو اقتصاد ما بعد النمو، حيث تُعطى الأولوية لجودة الحياة ورفاهية المجتمع. سنحتاج إلى خبراء في الاقتصاد البيئي للمساعدة في التخطيط لعصر اقتصادي مختلف.