انطفأت أنظمة التدفئة في المنازل، وواجهت المشافي نقصاً في المياه، وتوقفت مصافي تكرير البترول عن العمل... هكذا كشف الطقس السيئ في تكساس مدى السرعة التي يمكن أن ينهار بها نظام الطاقة، ومدى إمكانية حدوث فوضى نتيجة لذلك.
وتزداد التساؤلات عن ضعف شبكات الطاقة حول العالم في الوقت الذي يُعتمد فيه على الكهرباء في مزيد من أجزاء حياتنا اليومية.
ويربط مشغلو الشبكات موثوقية أنظمتهم بالقدرة على التعامل مع حالات الطقس القاسية، ويثير التغير المناخي كثيراً من هذه الحالات على طرفَي مقياس الحرارة، وتُعد كهربة قطاعات مثل النقل والتدفئة ضرورية لتقليص الانبعاثات المساهمة في الاحتباس الحراري، ومع ذلك قد لا تكون الشبكات قادرة بعدُ على التعامل مع أحمال الاستخدام.
ويقول سانغيت سانغيرا، محلل طاقة لدى "BloombergNEF" لأبحاث الطاقة النظيفة في لندن: "تزداد المخاطر الواقعة على مستهلكي الطاقة لأن المنزل النموذجي يزيد حصة اعتماده على الكهرباء في استهلاكه للطاقة، وبالتالي يضع جميع البيض في سلة واحدة".
وتقدر "BloombergNEF" أن الطلب العالمي على الكهرباء قد يرتفع بنسبة 60% بحلول 2050، نتيجة شيوع المركبات الكهربائية والأجهزة الذكية وإنترنت الأشياء، كما تتوقع أن يصل الاستثمار العالمي في البنية التحتية للشبكات إلى 28.7 تريليون دولار خلال نفس الفترة لدعم التضاعف المتوقع في القدرة المتجددة ثلاثة أضعاف، ويتجاوز هذا الرقم حجم الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
ويتمثل التحدي الذي يواجه صناع السياسة في تسويق هذا الإنفاق للمستهلكين، ففي بريطانيا تشكّل رسوم الشبكة بالفعل 22% من فواتير الطاقة.
وقد تحتاج أوروبا إلى أن تنفق 4.6 تريليون دولار على شبكاتها مع إنفاق 45% من ذلك المبلغ على تقوية الشبكات القائمة فقط.
وتستهدف ألمانيا، أكبر اقتصاد في القارة، وجود 10 ملايين مركبة كهربائية على الطرق بحلول 2030، ويقول أندرياس لوشيل، أستاذ اقتصاديات الطاقة في جامعة مونستر، إن ذلك قد يرفع إجمالي الطلب على الكهرباء بنسبة 10%.
وتُعد الصين أكبر سوق للسيارات الكهربائية، وتحاول شبكة الطاقة بها إبقاء هذه المركبات على الطرق، وأنفقت مؤسسة "الشبكة الحكومية للصين" (State Grid Corp. of China)، التي تشغل 80% من البنية التحتية للدولة، 2.43 تريليون يوان (373 مليار دولار) على المشروعات في السنوات الخمس الماضية، كما تخصص 350 مليار دولار أخرى للاستثمار حتى 2025، ويريد ثاني أكبر اقتصاد في العالم أن يحقّق محايَدة الكربون بحلول 2060.
ضَعف قدرة الشبكات الأمريكية
ويقول غيرهارد سالج، مدير التكنولوجيا في "هيتاتشي باور غريدز" (Hitachi ABB Power Grids Ltd)، أكبر شركة تركيب شبكات في العالم: "ستزداد الشبكات تعقيداً بقدر كبير بسبب الحاجة إلى مزيد من نقاط الربط وارتفاع الطلب".
وتسلّط الأزمة في تكساس الضوء على أوجه الضعف في الشبكة الأمريكية التي تحتاج إلى الإصلاح للمساعدة على تحقيق هدف الرئيس جو بايدن لنظام طاقة خالٍ من الانبعاثات بحلول 2035، وأظهرت دراسة أجرتها المنظمة التجارية "وايرز" (WIRES)، قبل انقطاع التيار الحالي، أن ما يعادل 600 مليار دولار من الاستثمارات ستكون مطلوبة قبل 2050.
ومن الصعب تقدير الحجم الكافي للاستثمارات المطلوبة، وتتزايد الدعوات التي تطالب القطاع بتغيير نماذج الاضطرابات المناخية وخطط التعامل معها.
ويعد انخفاض درجات الحرارة دون الصفر في تكساس أمراً نادراً، وتسببت العواصف القطبية الشمالية في الآونة الأخيرة في تجمد رِيَش توربينات الرياح، وإغلاق محطات الطاقة، وتجمُّد البترول والغاز المسال في الأنابيب والآبار.
وتحطمت المستويات القياسية للطلب على الطاقة في أوروبا الشهر الجاري بسبب المناخ المثلج في عديد من الدول، ومع ذلك لم يحدث أي انقطاع في التيار، وأحد أسباب ذلك أن الغاز هو الوقود الأكثر شيوعاً في التدفئة من الكهرباء، وبالتالي فإن الحمل موزَّع عبر شبكات مختلفة.
مع ذلك قد تختفي هذه الميزة قريباً في ظل سعي الاتحاد الأوروبي لتطبيق الاتفاق الأخضر، وهو ما سيتطلب تحول أنظمة التدفئة عن الغاز من أجل خفض انبعاثات الكربون.
قوة الشبكات الأوروبية
ولمرونة أوروبا أمام الطقس البارد سبب آخر، هو أن نحو 41% من خطوط الطاقة ذات الجهد المنخفض (الخطوط التي تخدم على الأغلب المجتمعات السكنية) موجودة تحت الأرض، مما يجعلها أقل عرضة للتقلبات المناخية، وفقاً لمجموعة الضغط لصالح القطاع "يوروكابل" (Europacable).
وهذا ليس الحال في الكابلات العلوية التي يمكن أن تتمدد في درجات الحرارة العالية في صيف تكساس، وتتدلى إلى مستوى منخفض خطير بالقرب من الأرض، وتشكّل الرياح القوية والبرق الصاعق تهديدات كذلك.
ورغم أن عاصفة تكساس حدث نادر يتكرر مرة كل عشر سنوات، فإن حالات الطقس المتطرفة أصبحت تحدث بوتيرة أسرع، والعام الماضي سجّلت الولايات المتحدة رقماً قياسياً من أحداث الطقس والمناخ الكارثي بلغ 22 حدثاً، وتجاوزت تكلفتها مليار دولار، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وضربت أسوأ موجة حرارة في عدة أجيال كاليفورنيا في أغسطس، فتسببت في أول انقطاع في التيار الكهربائي من 2001، ولدى الولاية سياسة طاقة نظيفة طموحة (جَعْل ثلث الكهرباء المولدة من مصادر متجددة)، لكن الطلب الذي اقترب من مستويات قياسية اختبر هذا التحول.
ويقول المشرعون إن ذلك لن يتكرر، وأمروا شركات المرافق بإيجاد مزيد من مصادر الطاقة، بما في ذلك بناء بطاريات عملاقة والتعاقد على مزيد من الطاقة من محطات الغاز.
اختبار أنظمة الطاقة
وكتب المحللان من وكالة الطاقة الدولية، كيث إيفرهارت وغيرغلي مولنار، في تقرير بتاريخ 18 فبراير الجاري: "درجات الحرارة القصوى تختبر أنظمة الطاقة الحالية التي تمر بمرحلة انتقالية، ويُعَدّ تجنُّب الانقطاعات الكبيرة في التيار الكهربائي ضرورياً أيضاً لضمان الدعم الاجتماعي للتحول إلى الطاقة النظيفة".
وعانت ولاية جنوب أستراليا انقطاع التيار الكهربائي على مستوى الولاية في سبتمبر 2016 بعد أن أسقطت العواصف خطوط الكهرباء، مما أثار الجدل في الدولة التي يهيمن الفحم على إنتاج الطاقة فيها، حول موثوقية توليد الطاقة من المصادر المتجددة، وكانت محطات الرياح توفّر نحو 48% من كهرباء الولاية في ذلك الوقت.
بحلول عام 2050، سيأتي نحو 70% من قدرة الطاقة في أوروبا من الرياح والطاقة الشمسية، وستحتاج الشبكة إلى طرق أفضل لجمع وتوزيع هذه الكهرباء، وسيكون تخزين البطاريات أمراً بالغ الأهمية لجعل النظام أكثر مرونة في مواجهة الطقس القاسي.
ويُعَدّ أحد الانتقادات الموجهة إلى تكساس أن شبكتها معزولة عن بقية الولايات المتحدة ، لذلك لا تستطيع شركات الطاقة طلب المساعدة من الولايات المجاورة.
وقال سالج: "نحن في المرحلة الأولى من التطوير، ويجب أن نستمرّ، بل ونعجّل به، ودون ذلك لن يكون لدينا أي فرصة لتحقيق هذا".