يتوقع بعض العلماء أن يدفع التغير المناخي أسماك التونة إلى منطقة يحتمل أن تشهد عمليات تعدين في أعماق البحار.
في ورقة بحثية راجعها باحثون آخرون نُشرت يوم الثلاثاء بالمجلة العلمية "نيتشر إن بي جيه أوشين ساستينابيليتي" (Nature npj Ocean Sustainability)، حلل باحثون نماذج مناخية للتنبؤ بأن الكتلة الحيوية للأجسام الكبيرة ستزداد لأنواع التونة "كبيرة العين" و"الوثابة" وذات "الزعنفة الصفراء" بمتوسط 21% مع حلول منتصف القرن الحالي في منطقة كلاريون كليبرتون، وهي منطقة شاسعة من المحيط الهادئ تقع بين هاواي والمكسيك تستهدف لاستخراج المعادن الثمينة.
ذكرت الدراسة أن "هذه الزيادات المتوقعة في تداخل الأنشطة يوضح أن احتمال حدوث تعارض وما ينجم عنه من تداعيات بيئية واقتصادية سيتفاقم في المحيط الذي يتأثر بالتغير المناخي".
هجرة التونة
بنيت هذه الدراسة على بحث سابق توقع هجرة التونة جراء ارتفاع درجات حرارة المحيطات باتجاه الشرق نحو نهاية منطقة كلاريون كليبرتون، حيث يرجح أن تقام أنشطة تعدينية.
في حال استمرت أعمال التعدين، فقد تُلحق أضراراً بقطاع إنتاج التونة بالمحيط الهادئ الذي تبلغ قيمته 5.5 مليار دولار بعدة وسائل، بحسب الباحثين. تخطط شركات التعدين لإرسال روبوتات عملاقة إلى قاع المحيط - على عمق 13 ألف قدم (4 آلاف متر) تحت سطح المياه - لامتصاص العُقيدات المكونة من عدة معادن فلزية وصخور بحجم حبات البطاطس غنية بالكوبالت والنيكل ومعادن أخرى. سينجم عن أعمال التعدين سحابة عمودية من الرواسب قد تنتشر عبر مئات الأقدام وأكثر. بمجرد نقل العُقيدات للسطح ومعالجتها، ستخلف سحابة عمودية أخرى من نفايات التعدين تعود مرة ثانية للمحيط.
أوضحت ديفا آمون، المؤلفة الرئيسية للدراسة والعالمة المتخصصة في أعماق البحار في جامعة كاليفورنيا بمدينة سانتا باربرا أن صحة أسماك التونة قد تتضرر أيضاً من خروج معادن سامة أثناء عمليات التعدين، في حين أن الضوضاء والضوء الناجمين عن عمليات الاستخراج التي تجري على مدار الساعة قد يكون لهما تأثير ضار على أنماط تكاثرها وهجرتها.
معاهدة الأمم المتحدة التاريخية جاهزة لضبط التنقيب في المحيطات
يتزامن صدور الدراسة مع انعقاد اجتماع الهيئة الدولية لقاع البحار (ISA) الأسبوع الجاري، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة تنظم أنشطة التعدين في أعماق البحار. تقوم الهيئة بوضع مسودة لوائح قد تسمح لعمليات التعدين بالبدء في أقرب وقت خلال 2024 بمنطقة كلاريون كليبرتون، لكن عدداً متزايداً من الدول الأعضاء البالغ عددهم 167 دولة (علاوة على الاتحاد الأوروبي) تطالب بفرض حظر أو وقف مؤقت للتعدين بقاع البحار.
انضم يوم الثلاثاء "تحالف التونة العالمي" (Global Tuna Alliance)، وهو اتحاد مكون من شركات تجارة تجزئة وشركات توريد، إلى 6 مجموعات أخرى بقطاع المأكولات البحرية في الدعوة أيضاً لوقف مؤقت لأنشطة التعدين في الأعماق.
يشير العلماء إلى أن نتائجهم تؤكد ضرورة أن تدرس الهيئة الدولية لقاع البحار التأثيرات المحتملة على مصايد أسماك التونة. لا تطالب الهيئة حالياً شركات التعدين بأخذ هذه التداعيات بعين الاعتبار، ولا تدرجها في خططها الإقليمية لإدارة البيئة.
لوائح تنظيمية
لم تصدر الهيئة حتى الآن لوائح تنظم عمق تفريغ نفايات التعدين. أشارت الدراسة إلى أن أسماك التونة التي تسبح تحت أعماق بعيدة تعيش على عمق يصل إلى 500 متر تحت سطح البحر، في حين يمكنها العثور على فريستها على عمق 1500 متر. وأكدت آمون أن "أعمال التفريغ في أعماق أبعد من ذلك سيجعل وضع التونة أفضل، لكنها ستكون أكثر تكلفة وصعوبة من الناحية التقنية بالنسبة لعمليات التعدين في أعماق البحار، وهو ما قد يثبط شركات مقاولات أنشطة التعدين عن القيام بها".
بين غرينتي غالاند، مدير مشروع في برنامج مصايد الأسماك الدولي التابع لمؤسسة "بيو تشارتابل تراستس" (Pew Charitable Trusts)، أن منظمات إدارة مصايد الأسماك الإقليمية - المعروفة اختصاراً بـ (RFMOs)، المسؤولة عن تجمعات أسماك التونة بالمحيط الهادئ - لم تأخذ تداعيات أنشطة التعدين في أعماق البحار في اعتبارها. أضاف غالاند: "أن الأمر قطعاً خارج اهتمامها ولم يُطرح فعلاً للنقاش ولو في اجتماع واحد من التي شاركت فيها مؤخراً". ينتظر أن تغير الدراسة الحديثة ذلك الوضع، وربما ستشجع منظمات إدارة مصايد الأسماك الإقليمية على الالتحاق بالهيئة الدولية لقاع البحار بوصفها جهات رقابة معتمدة حتى يتمكن مسؤولوها من التعبير عن آرائهم.
اختتم غالاند قائلاً: "لا ينبغي السماح بأنشطة تعدين بمناطق من هذا النوع حيث تعد موطناً لنظم بيئية حساسة ومصايد أسماك ذات قيمة عالية ما لم تتوافر لدينا معرفة علمية لضمان إمكانية حماية الحياة الفطرية ومصايد الأسماك من هذه الأنشطة الجديدة بقدر معقول".