الدولة العربية تتجه بسرعة للمستقبل الأكثر سخونة الذي تحاول قمة "كوب 27" تجنبه

حقول مصر القاحلة جرس إنذار لقمة المناخ "كوب 27" في شرم الشيخ

رسم تعبيري لمناطق وبيئات مختلفة في مصر - المصدر: بلومبرغ
رسم تعبيري لمناطق وبيئات مختلفة في مصر - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حينما انضم المُزارع شكري محمد عبد السلام إلى برنامج حكومي يُعلّم كيفية زراعة القطن والخضروات في الصحراء، كان حلمه توسيع مزرعته الصغيرة يوماً ما. وبعد 20 عاماً من هذا التاريخ مايزال عبد السلام يستخدم الوسائل نفسها التي تعلمها في هذا البرنامج فقط لضمان استمرار محاصيله، في ظل تسرب الملح من البحر المتوسط الذي يتزايد منسوبه إلى الآبار الموجودة حول مزرعته ويسمم التربة.

تزداد درجة حرارة كوكب الأرض، لكن وتيرة السخونة في مصر أسرع، ما يجعلها في الصف الأول بمواجهة الآثار المؤلمة الناتجة عن تغير المناخ. كما أن دلتا النيل، التي كانت بمثابة سلة خبز الحضارة المصرية، ويوجد فيها مزارع عبد السلام، أصبحت قاحلة تدريجياً. يقول المزراع المصري: "أعمل في هذه الأرض منذ أكثر من 50 عاماً. وشهدت حروباً وثورات وتغيرات كبيرة. لكن المياه أكبر مصادر قلقي".

عندما يصل زعماء العالم إلى مصر في نوفمبر الجاري لحضور محادثات قمة المناخ "كوب 27" (COP 27) التي ترعاها الأمم المتحدة، سيكونون بذلك داخل دولة تعيش بالفعل في المستقبل الحارق. فمصر اليوم أكثر سخونة بما يقرب من درجتين مئويتين مقارنة بما كانت عليه في بداية القرن العشرين. في عام 2015، حددت اتفاقية باريس هدفاً يتمثل في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم أقل من حد درجتين مئويتين بحلول 2100. لكن نظراً لأن مصر تسخن بمعدل يناهز ضعف سرعة بقية الكوكب تقريباً، فهي من أوائل الدول التي تصل إلى المستقبل الأكثر سخونة الذي تحاول محادثات قمة المناخ المساعدة في تجنبه.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

مخاطر أكبر

تسببت عدة أشهر من درجات الحرارة القياسية والجفاف والفيضانات والحرائق حول العالم في زيادة المخاطر قبل قمة هذا العام، المقرر عقدها في منتجعات مدينة شرم الشيخ المطلة على البحر الأحمر. خلال الصيف، شهدت مصر موجات حرارية عالية تجاوزت 40 درجة مئوية. أصبحت درجات الحرارة الشديدة الآن شائعة في الربيع والخريف أيضاً. شهد شهر أبريل، مثلاً، ارتفاع الحرارة في العاصمة المصرية القاهرة إلى 39 درجة مئوية. تعزز هذه الآثار مطالب الحصول على الدعم المالي في مصر والدول النامية الأخرى، المسؤولة عن جزء بسيط من الانبعاثات التاريخية، لكنها تدفع تكاليف بيئية واقتصادية وبشرية قاسية.

مؤتمر مصر للمناخ.. اتفاق أوروبي على التفاوض بشأن تعويض الدول النامية

في هذا الشأن يقول محمد عبد ربه، رئيس مركز بحوث التأقلم مع التغيرات المناخية بالإسكندرية: "علينا أن نسأل أنفسنا ما أنواع الحياة التي نرغب في عيشها، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالبقاء هنا على قيد الحياة. وإنما بالقدرة على الشعور والتصرف كإنسان، لتطوير وعيش حياتنا بالطريقة التي مارستها البشرية عبر التاريخ".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

مستقبل أكثر سخونة

وجد عبد السلام وملايين مثله طرقاً للصمود حالياً في بلد أصبح أكثر سخونة، بالاعتماد على ما هو أكثر بقليل من إمكاناتهم الخاصة. وبدون الحصول على مساعدة، لا يتضح ما يمكنهم فعله للمقاومة مستقبلاً، فيما يواجهون ظروفاً صعبة لا حصر لها، مثل ارتفاع منسوب البحار، والجفاف، والتصحر، والحرارة القاتلة. فالدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الشرق الأوسط بمثابة دراسة حالة لما يمكن أن يحدث عندما تفشل جهود التكيف مع الاحتباس الحراري.

تبلغ مساحة مصر ضعف فرنسا تقريباً، وهي بلد صحرواي تقريباً. في الوقت الحاضر، يعيش 95% من سكانها على 5.5% فقط من أراضيها، ومعظمهم على طول ضفاف النيل، شريان الحياة للبلاد عبر التاريخ. مع انحسار تدفق النهر واتساع الصحراء، تضيق السبل أمام المصريين.

حتى إذا نجحت محادثات "كوب 27" في تشجيع الدول على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإيجاد طرق لتمويل التعافي من الكوارث المناخية، فإن تطبيق التغييرات على الأرض سيستغرق سنوات حتى تظهر أثاره.

"أوكسفام": تمويلات الدول الغنية بشأن المناخ "مضللة"

إذا فشلت مفاوضات هذا العام ومؤتمرات القمة اللاحقة في وقف ارتفاع درجات الحرارة، فبحلول الوقت الذي يصل المتوسط ​​العالمي إلى 3 درجات مئوية، ستكون حقول عبد السلام قد غُمرت منذ فترة طويلة في المياه المالحة. وستشهد القاهرة درجات حرارة أعلى من 50 درجة مئوية. كما أن أجزاء من الإسكندرية، وهي المدينة التي تمتعت بشأن عظيم منذ العصور القديمة، ستغرق في البحر. نظراً لكونها واحدة من أكثر البلدان تعرضاً لارتفاع درجات الحرارة، ستكون درجة حرارة مصر قد ارتفعت بما يصل إلى 5 درجات مئوية في ذلك الوقت.

فيما يلي نلقي الضوء على ما سيعنيه الفشل الجماعي في محادثات قمة "كوب 27" بالنسبة للدولة المضيفة، وما يفعله الشعب المصري للتكيف حالياً:

ارتفاع مستوى سطح البحار

إذا وصل الاحتباس الحراري العالمي إلى 3 درجات مئوية، سيرتفع مستوى سطح البحر بمقدار 6.4 متر (ما يعادل 21 قدماً). من شأن ذلك أن يُغرق مساحات من دلتا النيل، ويجبر حوالي ثلث المصريين على الهجرة، وفقاً لـ"كلايمت سنترال" وهي منظمة غير ربحية مقرها في برينستون، بولاية نيو جيرسي الأميركية.

ستتفشى أزمة تملُّح الأرض التي يعاني منها عبد السلام الآن، ما يحد من قدرة مصر على إنتاج طعامها، ويجعلها أكثر اعتماداً على أسواق السلع الرئيسية العالمية المتقلبة. ومع وجود 102 مليون نسمة تحتاج إلى تأمين الغذاء لهم، فإن البلاد معرضة بالفعل لانعدام الأمن الغذائي. ويُتوقع أيضاً أن يتضاعف عدد سكان البلد بنهاية القرن الحالي.

اقرأ المزيد: مصر تحصل على مليارَي دولار من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية

يُتوقع أن يكون تمويل أعمال البنية التحتية الرئيسية المطلوبة لمساعدة مصر والدول النامية الأخرى على التكيف أحد أكثر القضايا الشائكة في "كوب 27"، حيث لم يتم الوفاء بتعهد الدول الصناعية الأكثر ثراءً الذي صدر في 2009 حول المساهمة بمبلغ 100 مليار دولار سنوياً في تمويل المناخ بحلول 2020.

تهديدات كارثية

لن تتحدث مصر عن نفسها فقط في "كوب 27"، بل نيابة عن الدول النامية الأخرى أيضاً. فهي رابع أكثر دول العالم عرضة للفيضانات متقدمة بذلك على باكستان، وفقاً لمعهد الموارد العالمية. في الوقت نفسه، لديها أدنى معدل لتشكيل رأس المال بين الدول العشرين الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، بحسب البنك الدولي. تساهم الكوارث المرتبطة بالمناخ مثل الفيضانات المفاجئة وتملُّح الدلتا في تفاقم المشكلات الاقتصادية للبلاد، والصعوبات في جمع رأس المال للبنية التحتية.

تقع حقول عبد السلام في ضواحي بلطيم، وهي آخر قرية يصل إليها النيل قبل أن يتدفق إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو مكان خصب لدرجة أنه حفز ظهور التجارب البشرية الأولى للزراعة على نطاق واسع قبل 10 آلاف عام.

لكن مع ارتفاع منسوب مياه البحر، والجفاف المستمر منذ عقود بسبب تغير المناخ الذي يُضعف تدفق النيل، بدأت مياه البحر المالحة في التحرك باتجاه المنبع. جعل الملح العديد من الحقول قاحلة، وغطاها بقشرة بيضاء تتكسر تحت الأقدام. يضيف عبد السلام: "الوضع يزداد سوءاً، فالنيل يتقلص، وبالكاد يمكننا الوصول للمياه، وعندما نحفر بعمق بحثاً عن الآبار الجوفية؛ تكون المياه مالحة غالباً".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

المخاطر على الإسكندرية

قبل 4 سنوات، جمع عبد السلام ومجموعة من المزارعين الآخرين مدخراتهم الضئيلة واستأجروا جرافة لتنقية المياه المالحة وتصفيتها. ومن ثم اشتروا أنابيب بلاستيكية، وفتحوا ثقوباً فيها لعمل نظام الري بالتنقيط الذي ساعدهم على الصمود بمياه أقل. قد لا تكون هذه التقنية البدائية كافية لأن العالم يصبح أكثر سخونة.

إلى ذلك فإن دلتا النيل ليست الوحيدة المعرضة للخطر مع ارتفاع مستوى سطح البحر. فهناك أحياء كاملة في مدينة الإسكندرية الساحلية التي أسسها الإسكندر الأكبر قبل 2300 عام مهددة بالغرق أيضاً. تعاني الإسكندرية من الاكتظاظ بالسكان، كما أن بنيتها التحتية متداعية، وهي بالفعل معرضة للخطر. يُتوقع أن تعاني من زيادة تفوق 100% في "متوسط ​​الخسائر السنوية"، ويعد هذا المتوسط أحد الآجال التأمينية التقديرية، ويُحسب بناءً على مجموع الخسائر من جميع الأحداث التي طرأت في الفترة من 2005 إلى 2050، وفقاً لتوقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي إحدى الوكالات المدعومة من الأمم المتحدة، ويعمل بها عددٌ من كبار علماء المناخ. ولا يشبه الإسكندرية في ذلك سوى مدينة بارانكويلا الساحلية في كولومبيا، التي يُتوقع أن تعاني بنفس القدر.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

القاهرة الأكثر تضراراً

ستصبح الحياة اليومية أكثر صعوبة على المصريين عقداً بعد عقد. ارتفع متوسط ​​درجات الحرارة السنوية في مصر بمقدار 1.98 درجة مئوية منذ 1901، وفقاً لبيانات جمعها البنك الدولي. بحلول 2100، يمكن أن تصل درجات الحرارة إلى 5.2 درجة مئوية أعلى من المتوسط ​​للفترة بين عامي 1971 و2000، وفقاً لمركز خدمات المناخ في ألمانيا (جيريكس). كما يتوقع المركز أن ترتفع درجات الحرارة الدنيا، ما يجعل تحمل الليالي أصعب، وستستمر موجات الحرارة لمدة 100 يوم متتالٍ.

أسوأ المتضررين ستكون القاهرة، التي تعد موطناً لأكثر من 9 ملايين شخص اليوم، واستوعبت موجات المهاجرين من المناطق النائية منذ خمسينيات القرن الماضي، بينما فر السكان الأثرياء من المناطق المركزية المكتظة بالسكان إلى ضواحي أكثر عزلة.

تطورت المدينة على الطريقة القديمة، حيث تقلصت المساحات الخضراء التي كانت شحيحة بالفعل بنسبة 3% في العقدين الأولين من هذا القرن، فيما توسعت المساحات المعمارية لتزداد من 23% من إجمالي مساحة المدينة إلى 35%، مع بناء جسور علوية بعيداً عن نوافذ الشقق في طبقات متداخلة من الخرسانة وحركة المرور. اندمجت الأجزاء القديمة من القاهرة مع المدن الجديدة المحيطة الشاسعة، ومساحات لا نهاية لها على ما يبدو من المساكن العشوائية، ما أسفر عن الحال الذي وصلت له القاهرة التي تختنق حالياً بانبعاثات السيارات والأدخنة.

مدينة نور الخضراء

تخطط شركة العقارات المصرية العملاقة "مجموعة طلعت مصطفى" لبناء ضاحية مستقبلية "خضراء"، كمتنفس هادئ بعيد عن الحرارة وما تنفثه عوادم المركبات لمن يستطيعون تحمل التكلفة. فـ"مدينة نور"، التي تقع على بُعد نحو 40 كيلومتراً (25 ميلاً) شرق القاهرة، وأبعد قليلاً إلى شمال العاصمة الإدارية الجديدة التي يجري إنشاؤها بالفعل، يراد لها أن تضم ما يصل إلى 140 ألف منزل لقرابة 700 ألف شخص.

ما تزال على مجموعة "طلعت مصطفى" حساب البصمة الكربونية للضاحية، إما خلال الإنشاء أو بمجرد السكن فيها، لكنها تقول إنها سيجري تشغيلها جزئياً بالطاقة المتجددة. كل مصادر الإنارة العامة في المدينة، بالإضافة للمباني الإدارية والمولات والمستشفيات التي تديرها المجموعة، ستعمل بالطاقة الشمسية، وفقاً لنائب رئيس المجموعة للمدن الذكية، محمد صلاح. ستكون الحافلات الإلكترونية ودراجات السكوتر الكهربائية والدراجات العادية متاحة للقاطنين، وستُستخدَم مياه الصرف الصحي المعالَجة لري الخضرة في المناطق العامة في المدينة.

ستقدم هذه الواحات بعض الراحة لقلة مختارة، لكن، بشكل عام، المدن الكبيرة في الدول النامية، مثل مصر، ستكون أكثر مَن يعاني من الاحتباس الحراري. تزيد احتمالات وفاة سكان هذه المدن بسبب الحرارة، لعدم امتلاك الحكومات القدرة لمساعدتهم على التكيف، وفقاً لـ"كلايمت إمباكت لاب"، وهو اتحاد للأبحاث يدرس العلاقة بين درجات الحرارة والدخل والوفيات.

سيناريو زيادة الوفيات في مصر

سيرتفع معدل الوفيات في القاهرة بسبب الحرارة الزائدة إلى 80 وفاة لكل 100 ألف شخص في حال حدوث سيناريو يشمل انبعاثات كبيرة جداً يتصور ارتفاعاً في درجات الحرارة العالمية بين 3.2 درجة مئوية و5.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. هذا السيناريو ليس تنبؤاً، فهو طريقة معتادة يستخدمها العلماء لتحديد النطاق المحتمل لتأثير التغير المناخي. ستكون الوفيات بسبب الحرارة في القاهرة أعلى من المتوسط العالمي الذي يتوقعه الباحثون، وأعلى بكثير من معدل 4 وفيات بسبب الحرارة لكل 100 ألف شخص الذي عاشته المدينة في 2020.

سيكون عدم المساواة بين الدول، وأيضاً داخل كل دولة، في قلب محادثات المناخ هذا العام، إذ يُعقَد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في أفريقيا لأول مرة منذ 2016. يُتوقع أن تسعى الدول الفقيرة إلى ممارسة ضغوط على نظيرتها الأغنى لتعويضها عن الكوارث التي تعاني منها، رغم أن مساهمتها أقل في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التاريخية، ومن أجل التطوير الاقتصادي المطلوب منهم التنازل عنه.

مصير غابة سيرابيوم بالإسماعيلية

من أوجه عديدة، تاريخ مصر هو انعكاس لمعاناة الإنسانية في ترويض الصحراء. لآلاف السنوات، وجد المصريون طرقاً لزراعة الخضراوات، سواء على ضفاف النيل الخصبة أو في واحات الصحراء. لكن الوضع يتغير الآن. يسهم ارتفاع منسوب مياه البحار وقلة الأمطار، والحرارة، والبناء العشوائي على الأراضي الزراعية في اختفاء ما تبقى من المناطق الخضراء القليلة.

لعدة سنوات، كانت البلاد موطناً لأحد أنجح مبادرات زراعة الأشجار في العالم. لكن هذه المبادرة أيضاً كانت ضحية الاضطرابات السياسية وقلة الدعم. بموجب مبادرة وُلِدَت في تسعينات القرن الماضي، جرى زراعة الأشجار في منطقة صحراوية على أطراف مدينة الإسماعيلية في شمال شرق البلاد. كانت النتائج مفاجئة، حتى بالنسبة لهاني الكاتب، الباحث الألماني من أصل مصري الذي صمم النظام. يقول الكاتب إن مياه الصرف المعالَجة استُخدمَت كسماد، ما ساعد الأشجار على النمو بشكل أسرع وضَمَن إطالة أعمارها مقارنة بتجارب أخرى لتشجير الصحراء.

رغم ذلك، توقف تمويل مشروع غابة سيرابيوم بالإسماعيلية فجأة في 2015، عندما دخلت مصر في فترة من الاضطراب الاقتصادي والسياسي. تعرضت محطات المعالجة لأعطال وتآكلت معدات الري بفعل الأملاح الموجودة في المياه. مرضت الأشجار وجرى قطع الكثير منها في 2019 و2020 وبيعها في مزاد علني. يقول صلاح عبد الغفار، القائم بأعمال المدير العام للهيئة المسؤولة عن الغابات في مصر، إن الأشجار بيعت بنحو 60 ألف دولار.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

اليوم، هناك عدد محدود من أصل 500 فدان مُشجَّر بالكامل. يجري زرع أشجار جديدة لتحل محل تلك التي قُطعَت. لكن المكان مهجور فعلياً. وتعني الأزمات المالية المتوالية أن العاملين لم يعد باستطاعتهم كسب ما يكفي من المال لتغطية احتياجاتهم الأساسية، ولم يتبق سوى 7 عمال من أصل 45 عاملاً اهتموا بالغابة حتى 2018.

أحد الثمار الرئيسية لمؤتمر المناخ "كوب 26"، الذي عُقِد العام الماضي في جلاسكو بإسكتلندا، كان الوعد الذي قدَّمه أكثر من 100 من القادة العالميين بإنهاء إزالة الغابات واتخاذ إجراءات لتعويض الأضرار بحلول 2030، وباستثمار قرابة 19 مليار دولار في صناديق خاصة وعامة للعمل على تحقيق ذلك الهدف. هذا العام، يُتوقع أن تسلط المنظمات غير الهادفة للربح في مجال البيئة الضوء على مدى تطور هذه الجهود، على اعتبار أن إزالة الغابات في بالوعات الكربون الرئيسية، مثل غابات الأمازون، ما تزال معدلاتها عالية.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تكلفة الاحتباس الحراري على اقتصاد مصر

إذا استمر الاحتباس الحراري بمعدله الحالي، ستفقد مصر 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي بحلول 2027، وسترتفع التكلفة إلى 1.87% في 2067، وفقاً لتوقعات الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي، وهو منظمة دولية غير هادفة للربح.

حتى السياحة، التي مثّلت نحو 15% من اقتصاد الدولة قبل جائحة كوفيد-19 وتُشغِّل قرابة عُشر القوى العاملة، تأثرت بارتفاع درجات الحرارة. تضم مصر بعض أكثر المعالم شهرةً في العالم، ومن بينها أهرام الجيزة ومعبد الأقصر والكثير غيرها. هذه المعالم، التي صمدت لآلاف السنين، في خطر هي الأخرى.

قروض بملياري دولار لتعزيز أمن مصر الغذائي حتى 2030

ساعدت التربة والطقس الصحرواي الجاف في الحفاظ على تراث مصر الخاص، لفترة طويلة. لكن مزيجاً من الممارسات الزراعية غير المستدامة والفيضانات المتفرقة، التي تسبب فيها الطقس الأكثر تطرفاً، رفع مستويات المياه الجوفية في العقود الأخيرة.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

رطوبة غير مسبوقة

تُفسِد الرطوبة غير المسبوقة أساسات الإنشاءات القديمة ببطء، بحسب قول بريت ماكلاين، خبير علم النقوش في قسم المسح الكتابي التابع لمعهد "أورينتال" بجامعة شيكاغو، وهو مؤسسة عملت قرابة قرن للحفاظ على الآثار في مجمع مدينة هابو بالأقصر.

على مدار العقد الماضي، جرى تركيب أنظمة صرف صحي في مواقع الآثار المهمة، بما فيها مجمع معبد الكرنك بالضفة الغربية في الأقصر، بالإضافة لمناطق قريبة مثل إسنا وإدفو وكوم أمبو. يقول ماكلاين إن هذه الجهود، التي موّلتها الحكومة المصرية ومؤسسات مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، قللت بشكل كبير من التلف. يعمل علماء الآثار الآن لإصلاح التلفيات.

تقول دومينيك نافارو، التي تعمل في مجال الحفاظ على الفن القديم: "كان قدماء المصريين أول أنصار الطبيعة. فقد وثّقوا الطبيعة بشكل بديع لدرجة أنك تستطيع التفريق بين فصائل الطيور والأسماك في الكتابة الهيروغليفية". بدأت نافارو، وهي فنانة أيضاً، في رسم الآثار المصرية في 2011، وأصبحت مُتيّمة بأصحاب المواهب الذين رسموا ونقشوا على حوائط المعابد والقصور منذ أكثر من ألفي عام. انضمت نافارو للعمل في المسح الكتابي في 2016، وحتى خلال تلك الفترة القصيرة، شهدت تداعي بعض الآثار.

توضح نافارو: "فريقنا مُكرَّس لتكريم هؤلاء الفنانين القدامى ولمحاولة استلهام حِرَفية عملهم".

نظم بيئية هشة

تحت سطح المياه في المنطقة الساحلية بشرق مصر، يوجد مشهد من العجائب. يشبه الغوص في مياه البحر الأحمر الشفافة دخول عالم من الشعاب المرجانية الوفيرة وشقائق النعمان المغطاة بالريش. في هذه الحدائق تحت سطح الماء، تزخر المياه بسمك المهرج وعاريات الخيشوم وسمك الموراي والسلاحف. إذا أبحرت إلى الجنوب أكثر، باتجاه الحدود السودانية، ستري أسماك القرش المطرقة تبحث عن الفرائس وحيوان الأطوم يتغذى في سلام على الأرضية الرملية.

لا أحد يعلم كيف ستتكيف الأنظمة البيئية البحرية في مصر مع كوكب تزداد درجة حرارته. امتصت المحيطات حتى الآن 93% من الحرارة المنبعثة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إذ عملت كنوع من الإسفنج للكوكب الذي ترتفع درجة حرارته. لكن مع ارتفاع درجة حرارة المحيطات، تقل قدرتها على امتصاص حرارة الجو. تؤثر المياه الأدفأ بالفعل على الحياة البحرية. في السيناريو الذي يشمل انبعاثات كبيرة جداً، فإن ما يصل إلى 90% من قرابة 25 ألف فصيلة بحرية ستصبح في خطر جسيم. لن نتمكن من تخفيف هذا التأثير إلا في حال تخفيض الانبعاثات في العقود المقبلة.

سيكون التنوع البيئي البحري محور اهتمام خلال موتمر المناخ "كوب 27" في 10 نوفمبر، الذي أُطلِق عليه اسم "يوم العلم"، إذ يُتوقع أن تعرض الأمم المتحدة وجهات أخرى دراسات عن وضع المحيطات في العالم.

تشير دراسات مبدئية إلى أن الشعاب المرجانية في البحر الأحمر تستطيع بشكل استثنائي مقاومة درجات الحرارة العالية للمياه وارتفاع درجة الحموضة، الذي أصاب الحيد المرجاني العظيم بأستراليا بالتبييض على نطاق واسع. لكن قلة التمويل والبحث العلمي تعني أن البيانات ليست كاملة بما يكفي لكي نفهم ما يحدث بالفعل تحت الأمواج.

يهدف "مشروع البحر الأحمر"، الذي يتخذ من مدينة مرسى علم الجنوبية مقراً له، إلى تغيير ذلك. تعمل المنظمة الصغيرة، التي تعتمد بشكل كبير على المتطوعين، مع مراكز الغوص الترفيهي للاستعانة بغواصين هواة من أجل جمع بيانات عن الشعاب المرجانية والسلاحف والفصائل الأكبر حجماً مثل أسماك القرش والدلافين. المبادرة مستوحاة من البرنامج الأسترالي الناجح لعلوم المواطن للتعداد المرجاني العظيم.

يقول مؤسس المشروع، أحمد فؤاد، وهو مدرب غوص سابق لديه خبرة في إدارة المناطق البحرية المحمية: "نحاول إنشاء قاعدة بيانات أساسية، وهي تقييم مبدئي يتيح للعلماء الاطلاع على بيانات قديمة ومتابعة ما حدث هنا. نحن في حاجة للقيام بالمزيد من الدوريات والرصد والدراسات. في الوقت الحالي، ليس بإمكاني أن أعرف وضع شعابنا المرجانية، لأنه لا توجد دراسات طويلة الأجل عنها".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

نزاع وبارقة أمل

لأن التغير المناخي يزيد من المشكلات الموجودة، يُرجّح أن يزداد توتر العلاقات بين التجمعات السكانية المحلية، وبين الشعب والحكومة، وبين مصر وجيرانها.

تقول سوزان شماير، الأستاذ المساعد لقانون ودبلوماسية المياه بمعهد "أي إتش إي دلفت ووتر إديوكيشن" (IHE Delft for Water Education) في هولندا: "الجفاف بالفعل هو أكثر ما يدفع الناس. الدول الأقل حظاً بالفعل بسبب الجغرافيا والماء فقط ستواجه صعوبة أكبر في التعامل مع الجفاف. الضغط كبير، وموجة جفاف واحدة قد تقلب الموازين".

تقود شماير شراكة "المياه والسلامة والأمن" (Water, Peace, and Security)، التي طوّرت نموذجاً للتنبؤ باحتمال نشوء صراعات مرتبطة بالمياه في الأشهر الـ12 المقبلة. توضح شماير أنه رغم أن مصر ليست منطقة صراع ناشئ الآن، فقد تواجه ذلك الخطر في المستقبل. أعالي نهر النيل، تبني إثيوبيا أكبر سد في أفريقيا، وهو جزء من مشروع طموح يتكلف 4 مليارات دولار، لتصبح أكثر مُصدِّر للكهرباء في القارة. فشلت سنوات من الجهود الدبلوماسية بشأن كيفية اقتسام مياه النهر. باستبعاد حرب على المياه، يقلق المصريون من أن السد سيقلل أكثر من تدفق النهر عبر أرضهم.

لكن فيما يستعد السياسيون والمفاوضون لمؤتمر "كوب 27"، يجدر بنا أن نتذكر أن الوقت لم يفت بعد. تقول شماير: "ما يهم بالفعل هو ما يحدث بين الجفاف والصراع. هذه المساحة بين الاثنين تستحق نظرة عن كثب، لأن الحلول موجودة في تلك المساحة. هناك الكثير الذي يمكننا فعله، والكثير الذي يمكننا فعله لكننا لا نقوم به".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك