علماء المناخ يحوِّلون جبل إيفرست إلى مختبر علمي

جبال الجليد  - المصدر: بلومبرغ
جبال الجليد - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

علم المناخ بحدِّ ذاته وُلد فوق قمم الجبال. فسجلُ جون تيندل العالم البريطاني الذي كرَّس حياته لتسلق الجبال، وتسلَّق العديد من القمم في كل القارات، وكانت أولى رحلاته في منتصف القرن التاسع عشر، إلى جبل فيشورن في سويسرا. واصفاً حينها الأنهار الجليدية التي شاهدها وكيفية حركتها. وبحلول عام 1859، أصبح تيندل أول أوروبي يثبت أنَّ انبعاثات غازات ثاني أكسيد الكربون تمتصُّ الحرارة.

وفي العام الماضي، طرحت رحلة استكشافية استثنائية إلى قمة إيفرست تساؤلات ضخمة جديدة في علوم المناخ. فقد عمل 34 عالماً (برفقة الخبراء ومعاونيهم) على مدار شهرين، على تحويل قمة العالم إلى مختبر علمي. وتمَّ نشر نتائج هذه الأبحاث مؤخراً في 16 ورقة نشرت في مجلة "وان إيرث".

وفي تحوُّل مرحَب به في الطريقة التي تنشر بها العلوم التقليدية، تروي المجموعة انطلاقاً من وعيٍ ذاتيٍّ، قصة تغيير قوية أحدثت صدىً في أعلى قمم العالم، ليتحدثوا عن أسباب حدوث التغيير، والأشخاص الذين تسبَّبوا بها، وما الذي ينبغي القيام به تجاه ذلك. وتسمى جبال الهيمالايا عادة "القطب الثالث" (الأول والثاني هما الشمال والجنوب من الكرة الأرضية) بسبب حجم الجليد الضخم فيها. كما يعدُّ التأثير البشري هائلاً في هذه المنطقة، إذ يعيش 1.65 مليار شخص بالقرب من سلسلة جبال هندو كوش في الهيمالايا، وهم يتأثَّرون بالتغييرات التي تطرأ عليها، في حين يعيش 240 مليون شخص آخرون داخل منطقة الهيملايا نفسها.

تزايد معدل فقدان الجليد

وقدَّمت صور تجسس الأقمار الصناعية السرية التي تمَّ الكشف عنها، ابتداء من عام 1962، دليلاً على ذوبان 79 نهراً جليدياً حول جبل إيفرست. كما أوضح تحليل هذه الصور تزايد معدل فقدان الجليد بهذه الأنهر بشكل متسارع، ومنها النهر الجليدي خومبو الذي انخفض الجليد في بعض أجزائه بعمق 250 قدماً (1 قدم = 0.30 متراً)، ويؤدي هذا النهر مباشرة إلى معسكرات التخييم الرئيسية عند قاعدة جبل إيفرست.

وفي السنوات الاخيرة تسبَّب تزايد تسلُّق السائحين لقمة إيفرست في مضاعفة مشاكل القمامة في هذه المنطقة من نيبال؛ فقد كشفت دراسةٌ جديدةٌ عن وجود أجزاء من الألياف البلاستيكية من معدَّات المشي والتسلق، بالإضافة إلى بقايا من المواد المستخدمة في صنع ملابس المتسلِّقين على الجليد.

كما تحذِّر الدراسات من مخاطر حدوث انفجارات في البحيرات الجليدية، أو انهيارات أرضية، وتلوث المياه الذائبة والملوثة بالمواد الكيميائية، أو المخلَّفات البيولوجية التي يتركها المتنزِّهون والمتسلِّقون خلفهم.

ومن عجائب الأقدار، أنَّ ارتفاع درجة حرارة الجو بسبب التغيُّر المناخي في هذه المنطقة، قد يزيد من نسبة الأكسجين في هواء هذه المناطق المرتفعة من العالم، وهو ما يسهِّل تسلقها بعض الشيء، وهو الأمر الذي قد يزيد بدوره من أعداد المتسلِّقين.

ويذكر أنَّ هذه الرحلة المخصَّصة لدراسة التغيُّر المناخي في إيفرست، تمَّت رعايتها من قبل منظمة "ناشونال جيوغرافيك"، وشركة "رولكس"، وهي أوَّل رحلة استكشافية كبرى في مبادرة "الكوكب الأبدي" (Perpetual Planet) الهادفة للبحث والتعليم.

وقد قامت المنظمات بحشد فريق عملٍ علميٍّ خاصٍّ لهذه المهمة، يضمُّ عشرات الأشخاص وآلاف الأرطال من المعدَّات. مع اختلاف رئيسي بأن فريق العمل الخاص لم يحتاج إلى الطيران التجاري، وكل ما يتعلق به من القيود على المقاعد والأمتعة، بحسب ما ورد في مقال "خلف الكواليس". فقد كان التنقُّل وفقاً للمقال "كسيمفونية متناغمة من الحركة التي وجب تنفيذها بدقة مقترنة بدوافع الاستكشاف، ولمسة من الجرأة"، وهو ما أكَّده العديد من كبار العلماء المشاركين في الرحلة الاستكشافية في المقال نفسه.

ومن التعليقات العميقة التي ورد ذكرها في عدد مجلة "وان إيرث"، كانت تأخذ على العلماء المهنيين أمراً أكثر جدَّية من تخليهم عن روح الاستكشاف الجميلة التي تحلَّى بها أول علماء المناخ تيندل، وتتمثَّل في إهمالهم للتعاون المشترك لحلِّ المشكلات إلى حدٍّ كبيرٍ.

ويعلق هيمانت أوجا، الأستاذ المساعد في "جامعة كانبيرا"، على آثار النصائح العلمية التي لا يتمُّ ربطها بالمجتمع والواقع الفعلي، التي قد تكون قاتلة في بعض الأحيان على حدِّ ما كتب. فيقول، إنَّ النصيحة العلمية التي لا تفسَّر بعمق وعلى نطاق واسع، وتكون منفصلة عن المجتمع، هي محسومةٌ بالفشل في إحداث أيِّ تغيير في السياسات، مما يؤدي بالتالي إلى حدوث المآسي. وهو ما حدث هذا الصيف.

كوارث بيئية

وتوقَّع علماء الفيزياء الحيوية من ذوي الخبرة في المنطقة حدوث انهيارات أرضية في منطقة شمال وسط نيبال، وأوصى العلماء بأن يتمَّ نقل الناس إلى مواقع أخرى، من دون التحري عن الأبعاد الاجتماعية أو السياسية اللازمة لتحقيق هذه الغاية. وبالتالي لم تتم عملية النقل.

ثم وقع الانهيار الأرضي، ودُمِّرت أحد القرى، ممَّا أدَّى إلى موت أربعين منهم جرَّاء ذلك.

ويركِّز مقال أوجا على منطقة الهيمالايا وكيفية تشارك العلم الذي يحتاج إليه الناس، كمشروع مشترك بين الباحثين والمجتمعات.

وتعدُّ هذه الانتقادات التي وجهها أوجا لعلوم الهيمالايا، وحلوله التي قدَّمها لجعلها أكثر فعالية، أموراً يتردد صداها منذ فترة في القضايا التي تشكِّل جوهر علم المناخ العالمي.

ونجح هذا العلم على مدى أربعة عقود، في تقديم علوم لا مثيل لها تاريخياً من ناحيتي الكم والجودة، ومع ذلك حقَّقت أقل قدرٍ من اتساق السياسات العالمية التي ينبغي أن تظهر في هذا المجال.

وقال أوجا عبر البريد الإلكتروني: "من الخطأ أن نفترض أنَّه يمكن للإنتاج العلمي العظيم أن يُترجم تلقائياً إلى قرارات وممارسات ملموسة".

مضيفاً: "كلُّ العمل الأكاديمي تقريباً يحب أن يسأل "لماذا"، ولكنه لا يشارك كثيراً في سؤال "كيف". ومن ناحية أخرى، كثيراً ما يركِّز صنَّاع القرار السياسي على الأدوات والأساليب التي يسألون بها عن أسباب حدوث ظاهرة ما.

وبدلاً من ذلك، فإنَّنا نحتاج إلى نهج جديد "إذ نحدِّد المعرفة بتلك التي تزهر في المجتمع بممارسات حقيقية، لا تبقى حبيسة الأوراق الأكاديمية".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات