أشارت روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة -و هنَّ من أكثر دول العالم اعتماداً على الوقود الأحفوري- الأسبوع الماضي، إلى أنَّه سيكون لديهنَّ في غضون عقود، "صافي انبعاثات كربونية صفرية".
انعكست هذه الأخبار في ردَّي فعل متناقضين: أولاً؛ البهجة: لأنَّه، حتى أكثر الدول اعتماداً على الوقود الأحفوري، أقرَّت بالتهديد المتمثِّل في ظاهرة الاحتباس الحراري. والثاني؛ القلق من أن تكون هذه التصريحات قد أفقدت عبارة "صافي الصفر" كل مصداقيتها، إذا كان بإمكان أي دولة بترولية الإعلان ببساطة عن هدف دون أن تكون هناك مساءلة.
اقرأ أيضاً: الإمارات تسبق دول الخليج التزاماً بكبت انبعاثات الكربون في 2050
كما هو الحال دائماً، توجد الحقيقة في مكان ما في الوسط. لنأخذ هذه البلدان، واحدة تلو الأخرى.
لقد رفض الرئيس فلاديمير بوتين الصلة بين الأنشطة البشرية وتغيّر المناخ مراراً. مع ذلك؛ كما أفادت "بلومبرغ نيوز" في وقت سابق من هذا الشهر؛ فإنَّ عدداً من العوامل ربما جعلته يغيّر رأيه، إلى درجة التفكير في هدف "صافي الصفر" بحلول عام 2060.
اقرأ أيضاً: بعد سنوات من الرفض.. بوتين يقتنع بأخذ مخاطر المناخ على محمل الجد
أولاً، يبدو أنَّ الاتحاد الأوروبي جادٌّ في فرض تعريفة على حدود الكربون، من شأنها أن تجبر الشركات الروسية على الأرجح على دفع تكاليف الانبعاثات الزائدة في الصناعات الرئيسية. تمثِّل مبيعات النفط والغاز 35% من ميزانية الدولة، ويبقى الفحم مصدراً رئيسياً للتوظيف. ثانياً، حذَّره بعض أقرب مساعديه، مثل رئيس "سبيربنك" (Sberbank) المملوك للدولة، من مدى الضرر الذي سيلحق بالبلاد بسبب تغيّر المناخ، بما في ذلك مسقط رأس بوتين في مدينة سان بطرسبرغ.
سيتطلَّب هدف صافي الصفر لعام 2060 من الحكومة الروسية، إعادة هيكلة اقتصادها. إذ نصَّ أحدث تقرير قدَّمته روسيا إلى الأمم المتحدة بموجب "اتفاقية باريس"، على زيادة في انبعاثاتها بمقدار 30% بحلول نهاية العقد، مقارنة بمستويات عام 1990. وبدلاً من ذلك؛ سيتطلَّب الوصول إلى صافي الصفر في الأربعين عاماً المقبلة، تخفيضاً يبلغ 65%، وفقاً لـ"معهد الموارد العالمية".
في تركيا، يشابه إصلاح المناخ الإصلاح في روسيا. إذ أصبحت تركيا، التي يقودها أيضاً رجل قوي، في الأسبوع الماضي آخر دولة في "مجموعة العشرين" تصادق على "اتفاق باريس". وقد كانت تنتظر الموافقة على تصنيفها كبلد نامٍ، مما يعني تمتعها بعتبة أدنى لخفض الانبعاثات، وحصولها على التمويل الدولي المتعلِّق بالمناخ. وعلى الرغم من أنَّه قد لا تتم إعادة تصنيفها، إلا أنَّ المصادقة قد تساعد تركيا على تجنُّب بعض تأثير الرسوم الجمركية على حدود الكربون التي يخطط الاتحاد الأوروبي لفرضها.
اقرأ المزيد: قطر تنتقد ما تراه تعهدات حياد مناخي غامضة من الدول
إذا كانت تركيا جادة بشأن الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2053، وهو الهدف الذي حدَّدته حكومتها، فستحتاج إلى اتخاذ إجراءات جذرية. فبدلاً من مضاعفة الانبعاثات بحلول عام 2030 -الذي كان التزامها الأولي بناءً على تحليل "معهد الموارد العالمية"- سيتعيّن عليها عوضاً عن ذلك خفض الانبعاثات 30% بحلول عام 2030.
أما الإمارات العربية المتحدة؛ فتحاول تنويع اقتصادها منذ عقود دون تحقيق نجاح كبير. فعند 30% من الإنتاج المحلي الإجمالي، ما يزال النفط والغاز يشكِّلان جزءاً كبيراً من اقتصادها، على الرغم من أنَّ ذلك ما يزال أقل من حصة المملكة العربية السعودية البالغة 50%. قد يكون أحد أسباب الإمارات لتحقيق هدف صافي الصفر في 2050، الذي تمَّ الإعلان عنه الأسبوع الماضي، هو رغبتها في أن تُعتبر رائدة المناخ في المنطقة.
يمكن أن تصبح الإمارات أيضاً مورِّداً للوقود الأحفوري منخفض الكربون، وهو منتج يتوقَّع الكثيرون أن يكون الطلب عليه مرتفعاً، في الوقت الذي تحاول فيه الشركات إزالة الكربون من سلاسل التوريد الخاصة بها.
تعني قواعد حساب الكربون الصادرة عن الأمم المتحدة أنَّ الدول بحاجة إلى القلق فقط بشأن الانبعاثات داخل مناطقها الجغرافية، مما سيسمح لدولة الإمارات بمواصلة تصدير النفط والغاز، حتى في الوقت الذي تحقِّق فيه من الناحية الفنية هدف صافي الصفر.
لم تقدِّم أي دولة من هذه الدول حتى الآن أهدافاً قصيرة الأجل ذات مصداقية، أو توضِّح كيف تخطط لنقل اقتصاداتها بعيداً عن الوقود الأحفوري؟. مع ذلك؛ من غير المرجح أن يكون خطابها الجديد عبارة عن ظاهرة الغسل الأخضر. في هذا السياق، قال نيكوس تسافوس، خبير الطاقة والجغرافيا السياسية في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية": "الجمهور المستهدف داخلي بقدر ما هو خارجي؛ فهم يعطون توجيهاً للصناعة المحلية حول الحاجة إلى التطور وتقديم المنتجات التي يريدها العالم.. إنَّها محاولة للحفاظ على الأهمية مع تغيّر خريطة العالم".
لذا فمن مصلحتهم –إن كان من أجل تجنُّب تأثيرات المناخ، وضرائب الكربون، أو للمواقف الجيوسياسية- بذل المزيد للحدِّ من الانبعاثات. لكن هل ستفي دول انبعاثات الكربون هذه بتلك التعهدات؟ يقول تسافوس: "إنَّ الوعد الغامض يمنحك بعض الوقت لمتابعة العمل بالشكل المعتاد، ولكن ليس كثيراً".
ولدت فكرة "صافي الصفر" من خلال عقود من البحث العلمي الذي يظهر أنَّه لا توجد طريقة لتحقيق الاستقرار في درجات حرارة الأرض، دون ضمان موازنة مصادر ومصارف ثاني أكسيد الكربون. لكن ربما تكون الفائدة الأكبر لهذه الفكرة هي بساطتها. فكل باعث كبير –سواء كان وطنياً أو عبر شركة- يحتاج إلى الوصول إلى صافي الصفر في أسرع وقت ممكن. إنَّ إصدار إعلان عام ليس سوى الخطوة الأولى والأسهل.