تواجد شركتين ناشئتين ضمن نادي "اليونيكورن" بحلول نهاية العقد الجاري، هذا هو طموح المغرب لكن هناك تحديات وعوائق في الطريق لتحقيقه، من بينها ضيق حجم السوق المحلية وضعف التمويلات الكبيرة وغياب إطار قانوني وضريبي مشجع.
في سبتمبر الماضي، أعلنت المملكة عن استراتيجية باسم "المغرب الرقمي 2030" بميزانية تناهز 1.1 مليار دولار بهدف تطوير منظومة محلية للشركات الناشئة تستهدف الوصول إلى الأسواق الدولية، وجعل الرقمنة رافعة لتحقيق التنمية الاقتصادية في البلاد.
بموجب الخطة، سيتم اعتماد آليات لدعم الشركات الناشئة في مختلف مراحل تطورها وتوفير قروض ميسرة، ومنحها الأفضلية في الاستفادة من الصفقات الحكومية والدعم للتوسع إقليمياً ودولياً، ناهيك عن جذب شركات الاستثمار في رأس المال من خلال خفض نسبة المخاطر في هذا المجال.
هدف جد صعب
قال عمر الحياني، مدير الاستثمار في "صندوق المغرب الرقمي" لـ"الشرق" إن الوصول إلى شركتين بقيمة مليار دولار لكل واحدة في نهاية العقد هدف جد صعب، إلا إذا حدثت "معجزة"، مرجعاً ذلك لعدة أسباب وعوائق، من بينها ضعف التمويلات الكبيرة، واستمرار الاحتكار في قطاعات اقتصادية مهمة، وعدم اعتماد الحكومة على خدمات الشركات الناشئة المحلية.
وقعت شركات مغربية ناشئة 17 صفقة تمويل العام الماضي، بقيمة 93 مليون دولار العام الماضي، وبزيادة 252% على أساس سنوي بحسب تقرير تصدره منصة "بارتك" (Partech). وتحتل المملكة المرتبة الخامسة أفريقياً.
قبل عقد، نشط في المملكة عدد قليل من صناديق الاستثمار المهتمة بالشركات الناشئة، على رأسها "صندوق المغرب الرقمي" (MNF Ventures) الذي تأسس عام 2010 بمبادرة من الحكومة والقطاع المصرفي وكان بمثابة اللبنة الأولى في هذه المنظومة التي باتت اليوم تضم أكثر من 15 صندوقاً استثمارياً محلياً وأجنبياً.
ضيق حجم السوق
يسجل المغرب عجزاً في التمويلات الكبيرة والتي في الغالب ما تأتي من صناديق استثمارية أجنبية تأخذ بعين الاعتبار حجم السوق.
أضاف الحياني: "حجم السوق المغربية متواضع نسبياً، وهناك ضعف للاندماج الإقليمي بسبب جمود مشروع اتحاد المغرب الكبير، في المقابل فإن حجم السوق في الدول الأفريقية الكبرى مثل مصر ونيجيريا يتجاوز 100 مليون نسمة، كما أن لديها اندماجاً إقليمياً جيداً، وهذا يسمح لها بتوسيع حجم سوقها بشكل أكبر ولذلك تستقطب تمويلات أكبر".
تتصدر جنوب أفريقيا دول القارة في جذب الاستثمارات في الشركات الناشئة حيث بلغت صفقات التمويل التي حققتها العام الماضي أكثر من نصف مليار دولار، تليها نيجيريا بـ469 مليون دولار، ومصر بـ433 مليون دولار، وكينيا بـ335 مليون دولار، وفقاً لمعطيات منصة "بارتك".
ضيق السوق المحلية
يمكن تجاوز مشكلة ضيق السوق المحلية عبر التوسع في السوق الأفريقية، بحسب إسماعيل بلخياط، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة الناشئة "شاري" (Chari)، موضحاً أن المطلوب من الشركات هو البدء محلياً ثم استهداف التوسع نحو بلدان أخرى خصوصاً في السوق الأفريقية لأن أوروبا تشهد منافسة قوية.
نجحت "شاري" المتخصصة في التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية التي أسسها بلخياط عام 2020 في جميع تمويلات إجمالية بقيمة 15 مليون دولار، وتركز على تعزيز تواجد خدمات المنصة في السوق الأفريقية الناطقة بالفرنسية بالأساس، حيث تتيح لتجارة التجزئة طلب سلع من الموزعين الكبار، إضافة إلى تقديم خدمات مالية بترخيص من بنك المغرب المركزي.
دعم الحكومة ضروري
تتضمن استراتيجية المغرب اعتماد إطار قانوني محفز للشركات الناشئة يعطي أفضلية لها للاستفادة من الصفقات الحكومية والترويج على الصعيد الدولي، ورفع سقف تعاملاتها بالعملات الأجنبية لتشجيع انفتاحها خارجياً.
استحضر بلخياط، تجربة السعودية في دعم الشركات الناشئة، موضحاً أن عدداً من هذه الشركات تحصل على صفقات حكومية تسهم في تطورها، داعياً إلى تطبيق نفس المقاربة في المغرب لدعم المنظومة لتنال ثقة القطاع الخاص أيضاً الذي لا يزال متخوفاً من هذه الشركات بدعوى ارتفاع مخاطر عدم استمرارها في النشاط.
اعتمد المغرب عدداً من البرامج في العقد الأخير لدعم قطاع الشركات الناشئة، وهو ما ساهم في حشد أولى التمويلات وبروز الجيل الأول من هذه الشركات. لكن المفارقة، بحسب عمر الحياني، تتجلى في أن الدولة لا تشتري المنتجات والحلول التي تقدمها هذه الشركات إذ غالباً ما تلجأ إلى شركات أجنبية للحصول على الحلول التكنولوجية في صفقاتها.
يبرز عائق آخر يتمثل في استمرار الاحتكار في عدة قطاعات في المغرب، من بينها التأمينات والبنوك والنقل الجماعي، حيث قال الحياني إن "هذا الوضع لا يحفز على الابتكار والاستثمار وبروز فاعلين جدد في قطاعات توفر إمكانيات اقتصادية كبيرة".
إطار قانوني مشجع
لا تواجه الشركات الناشئة في المغرب مشكلات في الرافعات المالية في مراحلها، من خلال برامج الحاضنات والمسرعات، بحسب بدر بلاج المهندس بشركة "Mchain" للحلول التكنولوجية. لكنه أكد أن "الدعم الحكومي يجب أن يرتبط بأهداف نوعية وليست كمية فقط، عبر مواكبة عدد من الشركات مع هدف زيادة إيراداتها وتطور قيمتها السوقية، لتتفادى مشكلة استحداث شركات "متطفلة" تبحث عن الدعم فقط وليس التوسع والتحديث".
يُقدر عدد الشركات الناشئة في المملكة وفقاً للأرقام الرسمية بـ380 شركة، وسط توقعات أن يتضاعف الرقم 7 مرات بحلول نهاية العقد، ومضاعفة تمويلاتها 25 مرة من 260 مليون درهم عام 2023 إلى 7 مليارات درهم، مع بلوغ 10 شركات ناشئة تحقق إيرادات أكثر من 5 ملايين دولار في غضون عامين.
وأضاف بلاج المتخصص في تقنية "بلوكتشين" أن متوسط بلوغ الشركات الناشئة إلى قيمة مليار دولار يستغرق عبر العالم من 5 إلى 8 سنوات في المتوسط، باستثناء الولايات المتحدة التي قد تقل فيها المدة، ولذلك سيكون من الصعب تحقيق هدف المغرب بحلول نهاية العقد.
رغم جملة التحديات والعوائق، تراهن الجهات المعنية على بدء تفعيل عمل الصندوق السيادي "محمد السادس للاستثمار" بإطلاق صناديق تمويل تركز على جميع مراحل حياة الشركات الناشئة والاهتمام بقطاعات عدة منها التكنولوجيا المالية والزراعة والتعليم والصحة بما يسهم في إحداث طفرة في هذه السوق وتحقيق هدف الدخول إلى نادي "يونيكورن".
في المقابل، قد نشهد في السنوات المقبلة بلوغ شركات ناشئة مغربية قيمةً سوقية بنحو 100 مليون دولار بحسب بلاج، حيث قال إن "هناك حظوظاً لذلك إذا تم دعم شركات ناشئة قائمة بالفعل، لكن ذلك يبدأ أولاً باعتماد إطار قانوني وضريبي مشجع يتماشى مع الطبيعة العالية المخاطر للشركات الناشئة".