تعمل وزارة الاستثمار السعودية على تذليل العقبات التي تواجه شركات المملكة بأكبر سوق في أميركا اللاتينية

استثمارات السعودية في البرازيل تتضاعف 7 مرات إلى 4.2 مليار دولار

مباني الحي المالي في ساو باولو، البرازيل - المصدر: بلومبرغ
مباني الحي المالي في ساو باولو، البرازيل - المصدر: بلومبرغ
برازيليا -هاني الدرساني
المصدر:

الشرق

شهدت الاستثمارات السعودية في البرازيل قفزةً غير مسبوقة خلال السنوات الماضية، مسجلةً زيادة بنسبة 750% مقارنة بمستوياتها عام 2020، بحسب عبدالرحمن بكير، مدير مكتب وزارة الاستثمار السعودية في الأميركتين.

بكير أشار بمقابلة مع "الشرق" إلى أن قيمة الاستثمارات السعودية كانت في 2020 نحو 500 مليون دولار فقط، لترتفع حالياً إلى 4.252 مليار دولار، معتبراً أن دخول السوق البرازيلية يمثل "فرصة ذهبية للسعودية لتعزيز التعاون الاقتصادي وتنويع استثماراتها في مختلف القطاعات".

لم يقتصر الارتفاع على حجم الاستثمارات، بل زادت نطاقاتها أيضاً. ويشير بكير إلى أن الاستثمارات كانت مقتصرة على القطاع الغذائي، أما في الوقت الحالي؛ "أصبح لدينا تنوع كبير في القطاعات الاستثمارية، أبرزها قطاع التعدين، الطاقة، التكنولوجيا، الصحة، الرياضة، البنية التحتية وحتى الطيران".

ومن ضمن أبرز الصفقات مؤخراً، إتمام شركة "منارة" للاستثمار المعدني السعودية صفقة شراء حصة 10% في وحدة المعادن الأساسية التابعة لشركة "فالي"، بقيمة بلغت 2.5 مليار دولار. كما وقعت البرازيل والمملكة اتفاقية تعاون دفاعي لمدة خمس سنوات تشمل نقل التكنولوجيا وتمويل الأنظمة العسكرية. وفي الوقت نفسه، توصلت شركة "إمبراير" إلى اتفاق مبدئي مع المركز الوطني للتنمية الصناعية لبناء طائراتها في المملكة.

من جانبه، اعتبر كارلوس بافيا، اقتصادي برازيلي ومستشار في مجال صادرات دول أميركا اللاتينية، أن العلاقة الاستثمارية بين البلدين مبنية على أساس "المنفعة المتبادلة"، لافتاً في مقابلة مع "الشرق" إلى أن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا دعا الجانب السعودي خلال زيارته الرياض نهاية العام الماضي، للاستثمار في الطاقة النظيفة، وهو ما تلقفته المملكة من خلال إعلان وزير الطاقة البرازيلي ألكسندر سيلفيرا خلال يناير الماضي، أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يعتزم استثمار نحو 15 مليار دولار في البرازيل في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية. 

بافيا رأى أن عمق العلاقات الاقتصادية بين السعودية والبرازيل يُعتبر "انعكاساً أيضاً للتقارب السياسي الحاصل بين البلدين، فاليوم كلاهما أعضاء في مجموعات دولية مثل مجموعة العشرين، كما أعلنت البرازيل نيتها الانضمام كعضو مراقب إلى "أوبك+"، بالإضافة الى تلقي المملكة دعوة للانضمام الى بريكس". 

تذليل العقبات

رغم نمو حجم الاستثمارات السعودية في البرازيل بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، إلا أن هناك بعض التحديات، من أبرزها البيروقراطية وتذبذب قيمة العملة البرازيلية، كما أشار مشعل بن حثلين، رئيس مجلس الأعمال السعودي اللاتيني، في تصريحات سابقة لـ"الشرق".

ويؤكد بكير إلى أن وزارة الاستثمار السعودية تعمل على تذليل هذه العقبات عبر عدة خطوات، من بينها وضع خطة تواصل تشمل التعاون مع المسؤولين في البرازيل على جميع المستويات، ما يضمن معالجة القضايا والتحديات بشكلٍ مباشر وسريع على كافة المستويات الإدارية، ويسهل على الشركات السعودية الدخول إلى السوق البرازيلية وتوسيع أعمالها.

وأضاف أن الوزارة تعمل بشكل وثيق مع اتحاد الصناعات البرازيلية ووكالة ترويج الاستثمارات، لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، معتبراً أن "هذه الشراكات تتيح لنا تقديم الدعم والمشورة للشركات السعودية حول كيفية الاستفادة من الفرص المتاحة في البرازيل والتعامل مع التحديات المحلية".

كما لفت إلى أن العمل جارٍ على إتمام اتفاقية حماية الاستثمار، والتي تهدف إلى حماية حقوق المستثمرين السعوديين في البرازيل، وتوفير بيئة استثمارية مستقرة وآمنة.

بالإضافة لما سبق، فإن وزارة الاستثمار تعمل على توفير الدعم والإرشاد للشركات السعودية من خلال فرق عمل متخصصة ومستشارين قانونيين واقتصاديين. يشمل هذا الدعم تقديم المشورة حول الإجراءات القانونية والتشريعية، بالإضافة إلى توفير المعلومات حول السوق البرازيلية، وتوجيه الشركات نحو الفرص الاستثمارية الواعدة، كما تعمل على إزالة العوائق البيروقراطية مثل تصاريح العمل والتراخيص والتسجيلات التجاري، على حد قول بكير.

المكاتب العائلية

رغم الاستثمارات الضخمة التي أعلنت عنها جهات حكومية وشركات شبه حكومية سعودية، إلا أن المملكة تعمل أيضاً على تحفيز القطاع الخاص وخصوصاً المكاتب العائلية، لتعزيز حضوره في أميركا اللاتينية.

يارمو كوتيلاين، المستشار الاقتصادي في برنامج "تمكين" التابع لوزارة الموارد البشرية السعودية، نوّه في حديث سابق لـ"الشرق" بأن "هدف المملكة بأن تكون لاعباً على المستوى العالمي وتنويع علاقاتها في كافة الاتجاهات، بموازاة حجم الفرص الضخم الذي تقدمه منطقة أميركا اللاتينية، يحتم على الحكومة إشراك جميع الأطراف لديها في هذه العملية، بما في ذلك القطاع الخاص، ومن ضمنه المكاتب العائلية"، والتي وصفها بـ"مخزن رأس المال".

بدوره، بكير أعلن أن التركيز على ربط وإشراك أكبر 20 مكتباً عائلياً من السعودية والبرازيل في الصفقات المستقبلية، يعكس أهمية وقوة القطاع الخاص في البلدين. وأضاف أن القطاع الخاص في البرازيل يتميز بتنوعه وقدرته على الابتكار والنمو، و"من خلال التعاون مع هذه المكاتب، يمكننا فتح أبواب جديدة للاستثمار، وتعزيز الشراكات الاقتصادية، مما يسهم في خلق فرص جديدة للمستثمرين السعوديين والبرازيليين".

أما بافيا، فيؤكد أن المكاتب العائلية تُعد من أهم المصادر المولدة للفرص الاستثمارية في البرازيل، حيث تقوم بدعم الشركات الناشئة والمبتكرة من خلال توفير التمويل اللازم، مضيفاً أن هذا الدعم يمكن أن يكون حاسماً في مراحل النمو الأولى للشركات، ويساهم في تعزيز الابتكار والتقدم التكنولوجي في البرازيل، ما يفتح فرصاً استثمارية جديدة.

الاستثمار البرازيلي في السعودية

لا تقتصر العلاقة الاستثمارية بين البلدين على الجانب السعودي، فخلال الأشهر القليلة الماضية، بدأت الكثير من الشركات البرازيلية بالتفكير جدياً في الاستثمار في السعودية، في حين تبحث شركات أخرى تعزيز تواجدها القائم في سوق المملكة. 

وأفاد المدير التنفيذي لشركة "فالي" البرازيلية إدواردو بارتوميو في مقابلة مع "الشرق"، بأن شركته أعلنت خلال 2022 تطوير ثلاثة مراكز ضخمة في الشرق الأوسط، من بينها مصنع لمعالجة وإنتاج كريات الحديد في مدينة رأس الخير الصناعية في السعودية، والذي سيبدأ تشغيله في 2027، وفق توقعاته. وستنتج المراكز الثلاثة نحو 30 مليون طن سنوياً من القوالب بحلول 2032.

وفي عام 2023، وقعت الشركة البرازيلية خطاب نوايا مع مجموعة "إيسار غروب" (Essar Group) الهندية لتوريد كتل خام الحديد لشركة "غرين ستيل آرابيا" (Green Steel Arabia) في السعودية، مشيراً إلى أن إنتاج هذه القوالب سيتم في المركز الضخم في رأس الخير.

بالإضافة إلى التعدين، ساهم الاستثمار السعودي الكبير في قطاع الرياضة أيضاً بجذب مستثمرين برازيليين، ومنهم إيفان سيني، مؤسس شركة "سبوتين" (Spoten)، المتخصصة في مجال الترويج الرياضي وبتقديم الخدمات للأندية والجماهير والشركات الراعية.

وقال سيني بمقابلة مع "الشرق" إن عرض "استثمر في السعودية" الذي تمّ تقديمه خلال منتدى الاستثمار السعودي البرازيلي في ساو باولو في يوليو 2023، "فتح عيني على الفرص الهائلة في المملكة، مما دفعني إلى اتخاذ قرار جريء بالانتقال إلى المملكة وتأسيس شركتي فيها".

تصنيفات

قصص قد تهمك