دفع حجم الاستثمارات التي تعهدت بها دول الاتحاد الأوروبي لحكومة مصر مطلع الشهر الجاري، والتي بلغت قيمتها 70 مليار يورو، كثيرين للتساؤل حول أهدافها وتوقيتها. فبينما يرى خبراء أن توطيد العلاقات بين الجانبين في ظل الظروف الإقليمية الراهنة، يمثل فرصة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في مصر، يعتبر فريق آخر أن التعهدات الأوروبية الأخيرة قد ترهق موازنة الدولة بمزيد من الأعباء التمويلية.
كان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أعلن الأسبوع الماضي عن توقيع مصر 29 اتفاقية خلال مؤتمر الاستثمار الأوروبي المصري بقيمة 49 مليار يورو، إضافةً إلى 6 اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع شركاء أوروبيين وغير أوروبيين بقيمة 18.7 مليار يورو.
أهم القطاعات التي شملتها تلك الاتفاقيات؛ الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، إضافةً إلى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ودعم زيادة الصادرات، والتعاون في تصنيع السيارات.
الظروف الإقليمية
يرى الخبير الاقتصادي مدحت نافع أن تعزيز العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي مسألة هامة، خاصة في ظل الظروف الإقليمية الراهنة التي تتأكد فيها أهمية مصر الجيوسياسية، والدور الذي تلعبه في إدارة ملف الهجرة غير الشرعية لصالح دول الاتحاد الأوروبي.
وأضاف لـ"الشرق": "أوروبا تعلم جيداً أن مصر شريك اقتصادي هام كونها تمتلك سوقاً استهلاكيةً ضخمة وعمالة شابة واعدة"، موضحاً أن توطين بعض الصناعات والأنشطة الأوروبية في مصر من شأنه أن يحقق فوائد كبيرة لأوروبا وللمستثمرين، وذلك من "خلال الاستفادة من العمالة المصرية الماهرة".
بلغ حجم الاستثمارات الأوروبية في مصر 46 مليار يورو خلال الفترة من 2017 إلى 2022.
تستهدف مصر زيادة حجم تبادلها التجاري مع دول الاتحاد الأوروبي بنحو 10% إلى 35.9 مليار يورو في 2024، ارتفاعاً من 32.6 مليار يورو العام الماضي، بحسب ما كشف يحيى الواثق بالله، رئيس جهاز التمثيل التجاري المصري، لـ "الشرق" مطلع الشهر الجاري.
المردود على المواطنين
خلال كلمته في مؤتمر الاستثمار الأوروبي المصري، قال محمود محيي الدين، المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، إن "الاتفاقيات التي تم توقيعها مع الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون لها مردود إيجابي على المواطنين عبر خلق فرص عمل وخفض تكلفة المعيشة"، وأكد أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر ومنطقة اليورو "إذا لم تقم على مبدأ الندية، ستكون خاسرة من البداية".
دعم الاتحاد الأوروبي مؤتمراً للاستثمار في مصر عام 2013، استهدف حينها تعزيز الاستقرار في البلاد، في وقت كانت مصر تشهد فيه حالة من التوتر والاستقطاب السياسي خلال فترة ما بعد ثورة يناير 2011.
حسن الصادي، أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة، اعتبر أن الاستثمارات الأوروبية في مصر ستسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد بمشروعات تنموية تخدم عملية الإنتاج وإحلال الواردات وحل أزمة الطاقة. ونوّه بأن التركيز على المنطقة الاقتصادية لقناة السويس سيمنح مصر أبعاداً سياسية هامة، حيث إن تلك المنطقة في أمس الحاجة إلى استثمارات أجنبية تدعم وجود كثافة سكانية ووفرة استثمارية تؤمنها من أية تحديات سياسية قد تتعرض لها نتيجة الحروب المحيطة.
أضاف الصادي لـ"الشرق" أن مصر في الوقت الراهن بحاجة لاستثمارات أجنبية تساهم في إقامة مشروعات إنتاجية جديدة، وليست صفقات بيع أصول مملوكة للدولة لتسديد ديون خارجية أو لحل أزمة نقص العملة الأجنبية، معتبراً أن مثل هذه الشراكات والاتفاقيات تُعد هامةً في الوقت الراهن لمصر حتى وإن كان لها بُعد يخدم المصالح والتوجهات السياسية للجهات المانحة أكثر من بعدها الاستثماري والاقتصادي.
أعلن الاتحاد الأوروبي، في مارس الماضي، عن حزمة تمويل ضخمة لمصر بلغت 7.4 مليار يورو، منها 5 مليارات يورو على هيئة قروض ميسرة، ونحو 1.8 مليار يورو استثمارات، إضافةً إلى منح بقيمة 600 مليون يورو، يُخصص منها 200 مليون يورو لإدارة ملف المهاجرين.
عبء تمويلي
في المقابل، ترى عالية المهدي أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، أن اتفاقيات الاتحاد الأوروبي قد تُضيف عبئاً تمويلياً جديداً على الدولة، معتبرة أنها ليست استثمارات أجنبية، لكنها عبارة عن حزم تمويلية موجهة لمشروعات أو قطاعات محددة. وأضافت أنه في حال لم تُدر هذه المشروعات عوائد تغطي تكاليفها وخدمة تمويلها فإنها قد تٌرهق موازنة الدولة بمزيد من أعباء الديون.
وأوضحت أن غالبية تلك التمويلات موجهة لقطاعات لا تمثل أولوية للاقتصاد المصري حالياً، حيث إن جزءاً كبيراً موجه لمشروعات البنية التحتية، فيما تعاني قطاعات إنتاجية من نقص الاستثمارات، وكان من الأولى توجيه هذه التمويلات لها، مثل القطاع الصناعي.
بلغ إجمالي التمويلات الأوروبية التي تلقتها مصر في آخر 4 سنوات نحو 12.8 مليار دولار، بحسب وزارة التعاون الدولي المصرية. حصة كبيرة منها قدمها بنك الاستثمار الأوروبي بنسبة بلغت 37%، بينما بلغت حصة البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية نحو 27%.
3 مبادرات أوروبية في مصر
بدورها، قالت جيلسومينا فليوتي، نائبة رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، في مقابلة مع "الشرق" إن البنك أطلق خلال فعاليات المؤتمر 3 مبادرات في مصر تتمحور حول خفض انبعاثات القطاع الصناعي، والاستثمار بالطاقة المتجددة، وتأسيس صندوق لتمويل الشركات المبتكرة.
وبحسب معتز أحمدين خليل، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة سابقاً، فإن تحقيق التنمية الاقتصادية في مصر يتطلب اتباع سياسات اقتصادية رشيدة تُكافح الفساد وتُوجه الاستثمارات نحو مشاريع إنتاجية.
وأضاف لـ"الشرق" أن الحكومة المصرية تعلن عن اتباع هذه السياسات منذ فترة، إلا أن بعض الأزمات وعدم نجاح بعض السياسات أدت إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية الحالية. وتابع: "المساعدات الدولية تلعب دوراً مكملاً للجهود المحلية، لكنها لا تُغني عن اتباع سياسات رشيدة".
وشدد على أن الظروف التي مرت بها مصر، مثل جائحة كورونا والحرب في غزة أثرت سلباً على الاقتصاد، لكنها ليست السبب الأساسي لأزمات الاقتصاد المصري.