يسعى التمويل اللامركزي (DeFi) لأن يصبح هو الاتجاه السائد، لكن ما يريد التحدث عنه كل شخص في عالم الأصول الرقمية هو الرموز غير القابلة للاستبدال، التي تعرف اختصارا بـ"(NTFs)، وتسمح للذين يملكون الأعمال الفنية والمقتنيات بتتبع الملكية.
بدأت تلك الرموز في الظهور مجدداً بعد تلاشيها من العناوين الرئيسية خلال فترة "الغيبوبة" التي دخلتها "بتكوين" في فصل الربيع. وسواء حدث ذلك بعدما دفع رجل أعمال العملات المشفرة "جوستين صن" 500 ألف دولار مقابل صورة صخرة، أو رسوم كاريكاتورية لطيور البطريق والقردة أم لا، فإن الرموز غير القابلة للاستبدال، التي ولدت من تقنية سلسة الكتل "بلوكتشين"، التي تشغل بدورها العملات المشفرة، أصبحت مرة أخرى في قلب ضجيج المضاربة التي تحرك الأسواق الرقمية.
اقرأ أيضاً: كيف ترسم الرموز المشفرة مستقبل الفن؟
أنفق، ليس بروساي، مؤخراً 1300 دولار على "البطريق بودجي" في عيد ميلاد ابنة أخته. وقال "بورساي"، المؤسس المشارك لشركة إدارة أصول بلوكتشين والتشفير "وايف فاينانشال" (Wave Financial Group) التي تتخذ من لوس أنجلوس مقراً لها: "لقد أرسلت لها هذا البطريق، وبعد بضعة أيام، أصبح هذا البطريق يساوي 7000 دولار". وأضاف "أول شيء فكرت فيه في نفسي هو، لماذا أرسلت لها هذا البطريق؟".
أعلى مستوى
ساعد تجدد جنون الاهتمام في دفع المبيعات اليومية للرموز غير القابلة للاستبدال إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في 6 أغسطس. ليست الرسوم الكرتونية لطيور البطريق والبط والقردة والروبوتات فقط هي التي تعزز الفن الرقمي الذي تم بيعه في وقت سابق من هذا العام من خلال شركة "كريستيز" (Christie’s)، حيث يتم الآن تضمين الرموز غير القابلة للاستبدال في كل شيء بدءاً من صور الملف الشخصي على "تويتر" إلى الألعاب وحتى أحدث تطبيقات التمويل اللامركزي، التي تتيح للأشخاص اقتراض العملات وإقراضها وتداولها والتي كانت اختيار المضاربين المفضل حتى ظهور الرموز غير القابلة للاستبدال.
اقرأ أيضاً: عميد العملات المشفرة: الرموز الرقمية ستنتشر في كل مكان خلال 10 سنوات
مثل بقية العالم المشفر، أدى ظهور الرموز غير القابلة للاستبدال إلى ظهور المشككين أيضاً. الفن والمقتنيات، حيث تتشارك الرموز غير القابلة للاستبدال مع كلاهما سمات معينة، لديهما عروض قيمة مشهورة بالتقلب. وفي حال الجمع بين تلك الأشياء و شيء متقلب مثل الأصول المشفرة، سينتج سبب للمضي قدماً بحذر. غالباً ما تكون الرموز المميزة بدائية، أو أكثر بدائيةً بقليل من صور الملف الشخصي، بينما يتيح البعض الآخر للمستخدمين فتح خدمات جديدة.
لم يكن النجاح سهلاً. بالنسبة إلى كل الضجيج حول المكاسب المفاجئة لـ"بيبل" (Beeple) البالغة 69 مليون دولار في شهر مارس، يخفت الكثير من الرموز غير القابلة للاستبدال أو يتم بيعها مقابل بضعة دولارات لكل منها.
من جانبه قال إيفان أوليت، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة "فرنت فاينانشال" (FRNT Financial): "ما يحدث الآن هو ما يعادل سماعي أن رساماً معاصراً كبيراً باع شيئاً بملايين الدولارات، وأنا، شخص ليس لديه مهارة فنية أو خبرة، أقول، حسناً، أعتقد أنه من الأفضل أن أبدأ الرسم لأن أي رسم على قماش اللوحة سيباع بالملايين".
فقاعة تشفير
يحذر بعض المدافعين عن العملات المشفرة منذ فترة طويلة من أن هذا الاهتمام المتزايد لا يمكن أن يحافظ على استمراريته لفترة أطول. وهم يجادلون بأن هذا القطاع يبدو أنه أحدث فقاعة تشفير.
وقال آرون براون، مستثمر العملات المشفرة الذي يكتب في "رأي بلومبرغ": "كان هؤلاء الأشخاص بطيئين جداً في المرة الأولى، نظراً لأنهم جميعاً يبدون مدفوعين بحسابات مالية ساخرة بدلاً من امتلاكهم لأي رؤية بخصوص الرموز غير القابلة للاستبدال، أعتقد أن الأمور ستنهار قريباً".
لكن ذلك لم يبطئ الزخم حتى الآن. حيث يشير ديفين فينزر، المؤسس المشارك للمنصة "أوبن سي" (OpenSea) التي تعدّ أكبر سوق للرموز غير القابلة للاستبدال في العالم، أنه يتوقع أن يشهد حجم معاملات بقيمة مليار دولار هذا الشهر، ما يشكل ارتفاعاً من 300 مليون دولار في يوليو و8 ملايين دولار في يناير.
يتابع "فينزر"، الذي يتوقع أن يتصفح الموقع ما يصل إلى 6 ملايين شخص خلال هذا الشهر، مقارنة بـ400 ألف في يناير: "أننا نشهد منحنى نمو ضخم". ويقدر أن مئات الآلاف يشترون ويبيعون الرموز غير القابلة للاستبدال من خلال هذا الموقع شهرياً، أي ارتفاعاً من عشرات الآلاف في بداية العام.
اقرأ أيضاً: أحد كبار مستثمري الرموز المشفرة يحذر المتداولين: "استعدوا لخسارة أموالكم"
تحاول المشاريع تكرار نجاح "بيبل" في خلق قيمة من خلال الندرة. إذ أعلنت شركة "درافت كينغز" (DraftKings). عن سوقها الخاص بالرموز غير القابلة للاستبدال مع عدد كبير من المقتنيات الرياضية، بما في ذلك البطاقات الرقمية الموقعة من قبل نجم كرة القدم توم برادي. وأطلقت مجموعة "علي بابا القابضة" سوقاً لها. بينما تعاون الممثلان، ميلا كونيس، وأشتون كوتشر، والمؤسس المشارك لشركة "إيثريوم"، فيتاليك بوتيرين، على رموز "ستونر كاتس" غبر القابلة للاستبدال.
لاحظ ذلك مستثمرو العملات المشفرة الأذكياء مثل، بنيامين تان، فخلال الأسابيع القليلة الماضية، ذهب رجل الأعمال البالغ من العمر 35 عاماً في جولة تسوق لجمع رموز "البطريق بودجي" غير القابلة للاستبدال، قائلاً إن "خدودهم اللطيفة وعيونهم اللامعة تذكره بابنته البالغة من العمر سبعة أشهر".
وداعا رولكس
أظهرت إحصائيات الرموز غير القابلة للاستبدال أن متوسط سعر كل تحصيل في السلسلة ارتفع أكثر من مائة مرة هذا الشهر فقط إلى ما يعادل حوالي 12 ألف دولار. وذكر "تان" أنه باع مؤخراً بطريق ذو القيمة الأعلى – بطريق يرتدي بدلة أناناس على الشاطئ - مقابل 130 إيثيريوم، أو ما يقرب من 410 آلاف دولار، أي بزيادة قدرها 160% على مدى تسعة أيام من ملكيته.
يضيف "تان"، الذي يعيش في سنغافورة: "في الماضي، كان الناس على الأرجح يتباهون برولكس أو سيارة باهظة الثمن". "لكن طريقة التباهي بـ"الشيء" الجديدة هي الآن صورة ملف شخصي حصرية للغاية".
أصبحت الشركات الرئيسية مهتمة أيضاً بالمجال الجديد. ففي 23 أغسطس، قالت "فيزا" إنها اشترت "كريبتوبونك 7610" (CryptoPunk #7610) مقابل حوالي 150 ألف دولار. من جانبه، قال تيري أنجيلوس، رئيس قسم التكنولوجيا المالية في الشركة، إن الهدف كان التعرف على كيفية التعامل مع معاملات الرموز غير القابلة للاستبدال على الرغم من أن شركة المدفوعات لا تقدم خدمات مرتبطة بالرموز غير القابلة للاستبدال.
قد يكون الدافع وراء بعض هذا النشاط أيضاً من خلال ممارسات مشكوك بها. فبعض البائعين يرفعون الأسعار عن طريق إعادة التدوير.
عمليات الاحتيال
وبحسب كارلوس دومينغو، الرئيس التنفيذي لشركة سندات الأصول الرقمية "سيكيوريتيز" (Securitize) التي تتخذ من ميامي مقراً لها، فإن التكنولوجيا ذات قيمة، كما أن السوق مثيرة للاهتمام ولديها إمكانات هائلة. ولكن، كما هو الحال مع كل سوق غير منظم، يمكن أن تحدث عمليات الاحتيال.
يتذكر "دومينغو" أنه شاهد تغريدة لشخص ما يتباهى بأنه أنشأ رمزاً غير قابل للاستبدال وباعه ذهاباً وإياباً لنفسه حتى ارتفع السعر بمقدار أربع مرات. يقول دومينغو: "في أي سوق، سيكون هذا غير قانوني بتاتاً".
اقرأ أيضاً: 600 مليون دولار اختفت في أكبر سرقة للعملات المشفرة
يقول "فينزر"، إن الرموز غير القابلة للاستبدال المزيفة - حيث يقوم شخص ما بنسخ العمل الرقمي للفنان ووضعه على "بلوكتشين"، وبيعه باسم الفنان باعتباره رمزاً غير قابل للاستبدال - أصبحت مشكلة "كبيرة" في "أوبن سي".
قال الفنان، ديريك لوفمان، إنه استيقظ ذات صباح في شهر مارس ليجد رسائل بريد إلكتروني وتغريدات تسأله عما إذا كانت الرموز غير القابلة للاستبدال المعروضة للبيع على عدة مواقع مشروعة أم لا، وفي الواقع لم تكن مشروعة.
أضاف "لوفمان": "بدا الأمر سخيفاً بالنسبة لي أن هذا الشيء الذي من المفترض أن يكون آمناً يتم تقديمه، واسمي موجود عليه، لقد اشتراها شخصان". قالت الشركة إن "أوبن سي" تقوم بتنفيذ أدوات جديدة للعثور على الرموز غير القابلة للاستبدال المزيفة.
من جانبه، قال "بورساي"، إن السوق معترف بها بشكل كبير، وإن البنية التحتية التي يتم بناؤها تجعلها أكثر استدامة، فقد اشترى مؤخراً الرموز غير القابلة للاستبدال، حيث سيصنع له فنان صاروخاً نموذجياً ينطلق باتجاه القمر. تماماً كما وعده دعاة "بتكوين" منذ فترة طويلة.