ارتفعت مؤشرات الأسهم الأميركية في نهاية التداولات العادية، بدعم من قول الرئيس دونالد ترمب إنه لا يرى ركوداً اقتصادياً، مما منح وول ستريت القلقة من حروبه التجارية، بعض الراحة.
قال ترمب في البيت الأبيض في إشارة إلى احتمال حدوث ركود: "لا أرى ذلك على الإطلاق. أعتقد أن هذا البلد سيزدهر". وأضاف أن الأسواق "سترتفع وستنخفض. لكن يتعين علينا إعادة بناء بلدنا".
ارتفع صندوق متداول بقيمة 600 مليار دولار يتتبع مؤشر "إس آند بي 500" بعد إغلاق التداول العادي. وقال البيت الأبيض إن الرسوم الجمركية بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم ستدخل حيز التنفيذ على كندا ودول أخرى، حيث تراجع ترمب عن تهديد بفرض رسوم بنسبة 50% على معادن أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة.
حدث كل ذلك بعد أن وصلت الأسهم إلى أدنى مستوى لها منذ سبتمبر، حيث أنهى مؤشر القياسي الجلسة منخفضاً 9.3% عن أعلى مستوى له على الإطلاق، بعد تجاوز عتبة التصحيح لفترة وجيزة.
يزداد قلق وول ستريت بسبب سياسة التعريفات المتقلبة، والتضخم الثابت، والمسار غير الواضح لأسعار الفائدة.
خففت المؤسسات الكبرى في السوق بما في ذلك "جي بي مورغان تشيس" و"آر بي سي كابيتال" الدعوات الصعودية لعام 2025، حيث أثارت رسوم ترمب مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي.
قال نيل دوتا من "رينيسانس ماكرو ريسيرش": "ما كان ترمب يفعله لم يكن مفيداً لأسواق الأسهم الأميركية". وأضاف: "في الوقت الحالي، لا أرى ركوداً. لم نشهد ركوداً حقيقياً من قبل بسبب حالة عدم اليقين السياسي. ولا نعرف بعد كيف ستستجيب الأسواق إذا أدى تصعيد ترمب الآن إلى خفض التصعيد لاحقًا".
بعد دقائق فقط من محو خسائر بنسبة 1.5% إثر آمال التوصل إلى هدنة بين أوكرانيا وروسيا، استأنف مؤشر "إس آند بي 500" مسيرة الهبوط، منهياً التعاملات بانخفاض 0.8%.
وفي حين دفع انتعاش أسهم الشركات الكبرى مثل "تسلا" و"إنفيديا" السوق بعيداً عن أدنى مستويات الجلسة، تراجعت الغالبية العظمى من الأسهم.
كما انخفض مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 0.3%، و"داو جونز" الصناعي بنسبة 1.1%. وارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات ست نقاط أساس إلى 4.28%، وانخفض مؤشر "بلومبرغ" للدولار الفوري بنسبة 0.4%.
هل هذه الانخفاضات فرصة للشراء؟
وبصرف النظر عن الحجة بأن السوق كانت تتحضر لانخفاض بهذا الحجم، ولكن "التصحيحات بنسبة 10% لا تتحول عادةً إلى أسواق هبوطية بنسبة 20%، ما لم تكن مصحوبة بركود اقتصادي، أو ركود في الأرباح، أو دورة رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي"، وفقًا لدانييل سكلي، رئيس فريق أبحاث السوق والاستراتيجية لإدارة الثروات في "مورغان ستانلي".
وأشار إلى أن "نحن لا نرى أياً من هذه الأمور الآن"، مضيفاً: "مع ذلك، حتى لو كانت غالبية هذه الانخفاضات خلفنا، لكن التقلبات ليست كذلك، وهناك احتمال كبير لتحرك السوق صعوداً وهبوطاً لفترة من الوقت".
من جهتها، تقول لورين غودوين من شركة "نيويورك لايف للاستثمارات" إن الأسواق تحتاج إلى وضوح السياسات لتحقيق الاستقرار.
وأضافت: "في الأسواق التي تعاني من عدم اليقين، فإن نهج (الانتظار والترقب) يخاطر بإضاعة الفرص ويهدد بناء الثقة ضد المخاطر. وبدلاً من ذلك، يجب على المستثمرين استخدام التقلبات لصالحهم، واتخاذ موقف بشأن المراكز طويلة الأجل".
بالنسبة لمات مالي من شركة "ميلر تاباك"، فإن الأسهم الأميركية بعيدة كل البعد عن فرصة شراء "عظيمة".
وأوضح أن "فرصة الشراء العظيمة تأتي بعد هبوط سوق الأسهم إلى مستويات متدنية. وهذا لا يعني أن سوق الأسهم ستنخفض أكثر. ومع ذلك، فإن وصف هذا الانخفاض بأنه فرصة شراء عظيمة، هو في الواقع تفاؤل مفرط".
مخاطر تهدد سوق الأسهم
حذرت مجموعة من الخبراء في وول ستريت من المخاطر التي تهدد سوق الأسهم مع تأجيج التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب، لمخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي.
جاءت أحدث دعوة من "سيتي غروب"، حيث خفض الخبراء الاستراتيجيين نظرتهم للأسهم الأميركية إلى محايدة، من التوصية بالشراء.
كتب الخبراء في "سيتي غروب" من بينهم ديرك ويلر في مذكرة، أن هذه النظرة الفاترة للأسهم الأميركية ستستمر على مدى الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة، مضيفين أنه من المتوقع صدور المزيد من البيانات الأميركية الضعيفة.
دفع عدم اليقين بشأن التعريفات الجمركية، وخفض الوظائف الحكومية، مؤشر "إس آند بي 500" إلى تسجيل أحد أسوأ أسابيعه هذا القرن خلال الأسبوع الماضي، مقارنة ببقية العالم.
وأضاف الخبراء أن "الاستثنائية الأميركية متوقفة على الأقل" للأشهر القليلة المقبلة. وتابعوا أن "تدفق الأخبار من الاقتصاد الأميركي من المرجح أن يكون أقل من بقية العالم في الأشهر المقبلة".
الوصول إلى الاقتصاد الجيد
قال مايكل ريد من "آر بي سي كابيتال" إن الإدارة الأميركية وصفت اقتصاداً أميركياً مقنعاً، لكن التحدي بالطبع هو الوصول إلى هناك. مشيراً إلى احتمال أن ما يثقل كاهل الأهداف الأميركية، هو الاعتراف المتزايد بأن المسار من الآن وحتى الوصول إلى النتيجة المرجوة، ليس سلساً أو مضموناً".
كان ريد مؤمناً لفترة طويلة بموضوع "الهبوط الناعم" للاقتصاد الأميركي. وبشكل عام، لا يزال يعتقد أن الولايات المتحدة ستتجنب الركود، وتحقق نمواً معتدلاً في 2025، وإن كان دون المستوى العام.
ومع ذلك، على مدار الشهر الماضي، ظهرت بعض "الإشارات الصفراء" في البيانات التي تستحق المراقبة عن كثب، "بعضها أكثر إثارة للقلق من غيرها" وفق ريد. وأضاف: "بالطبع، شهر واحد من البيانات لا يكفي لتغيير توقعات الحالة الأساسية بالكامل، لأكثر اقتصاد في العالم مرونة".
وشهدت سوق سندات الخزانة جلسة متقلبة يوم الثلاثاء.
بالنسبة لإيان لينجين من "بي إم أو كابيتال ماركتس"، كانت السمة الأكثر تحديداً لهذا اليوم هي أن منحنى العائد ارتفع مرة أخرى.
وقال: "هناك بالتأكيد احتمال لحدوث انحدار أكثر حدة من المستويات الحالية في حال جاءت بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي لشهر فبراير مفاجئة"، مضيفاً: "ومع ذلك، في حال جاءت أرقام التضخم وفق التوقعات (أو أفضل)، فمن المتوقع أن يتوقف الضغط الهبوطي مؤقتاً، وإن كان لفترة وجيزة فقط".
قراءة أسعار المستهلك
من المحتمل أن تكون أسعار المستهلك في الولايات المتحدة خلال فبراير، بوتيرة توضح تقدم الاحتياطي الفيدرالي البطيء في مكافحة التضخم. وقد يبقى المسؤولون على الهامش لتقييم عاصفة سياسات ترمب.
من المتوقع أن تظهر أرقام مكتب إحصاءات العمل يوم الأربعاء، أن مؤشر أسعار المستهلك من دون الغذاء والطاقة، ارتفع بنسبة 0.3%، بناءً على التقدير المتوسط للاقتصاديين الذين استطلعت آراءهم "بلومبرغ". وعلى الرغم من أن هذه النسبة أقل من الزيادة البالغة 0.4% في يناير، إلا أن حجم الارتفاع يبقي معدل نمو الأسعار السنوي عند مستوى مرتفع.
من المرجح أن يكون ما يُعرف بـ"مؤشر أسعار المستهلك الأساسي" قد ارتفع بنسبة 3.2% مقارنة بشهر فبراير من العام الماضي. ستساهم هذه البيانات في توجيه المؤشر المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي، والذي لن يصدر قبل اجتماع السياسة النقدية المقرر في 18-19 مارس. ويهدف واضعو السياسات النقدية الذين دخلوا الآن في فترة التعتيم الإعلامي قبل الاجتماع، إلى تحقيق معدل تضخم عند 2%.
"لا تزال هناك مخاوف بشأن التأثير التضخمي لسياسات التعريفات الجمركية التي ينتهجها الرئيس ترمب"، وفق جوديث رانيري، كبيرة مديري المحافظ في صندوق "جابيلي لسوق سندات الخزانة".
وأضافت: "لكن الاحتياطي الفيدرالي يرى أن التعريفات الجمركية هي صدمات سعرية مؤقتة، وليست عوامل تضخم مستدامة. وإذا استمر هذا التصور، فقد يتجاهل البنك المركزي الزيادات السعرية المرتبطة بالتعريفات الجمركية على المدى القصير، ويبقى في وضع يسمح له بخفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام".