تعمل أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم على زيادة إنتاجها بشكل كبير وتقويض المنافسين في محاولة لإخراجهم من السوق.
وخفضت قطر أسعارها وتمضي قدماً في مشروع بقيمة 29 مليار دولار لزيادة صادراتها بأكثر من 50%، مما يعيق آفاق إنشاء مشاريع جديدة في أماكن أخرى، كما أنشأت أيضاً فريقاً تجارياً للمنافسة في السوق الفورية الناشئة والدخول في آسيا بقوة أكبر، وفقاً لأشخاص مطلعين.
تُمثل الاستراتيجية تحولاً بالنسبة لقطر، التي رفعت إنتاجها بالكاد خلال السنوات الخمس الماضية وأعطت، بشكل تقليدي، الأولوية للأسعار مقارنة بالحصة السوقية. وأجبرت المنافسة المتزايدة، خاصة من الولايات المتحدة وأستراليا، الدولة الخليجية على أن تصبح أكثر ذكاءً وتجذب المشترين في آسيا، وهي منطقة ساخنة للطلب على الغاز.
ويزيد التحول العالمي إلى الطاقة المتجددة من شعور الدولة بالحاجة الملحة إلى تطوير إنتاجها؛ فحتى وقت قريب، كان الغاز الطبيعي المسال يُوصف بأنه جسر من الفحم والنفط إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلا أنه لا يحظى باهتمام بعض الحكومات التي تكثف جهودها لإبطاء تغير المناخ.
صراع على الصدارة
وقال "جوليان هواراو"، رئيس "إنرجيسكان" (EnergyScan)، وهي وحدة التحليلات في شركة "إنجي إس إيه" (Engie SA) الفرنسية، إن "خطة التوسع في قطر ضخمة للغاية لدرجة أنها تُثير تساؤلات حول الحاجة إلى خيارات إمداد أخرى؛ وعلى الرغم من أنها ما تزال تحتل الصدارة، إلا أن الولايات المتحدة لم تكن بهذا القرب من قبل، لذا كانت قطر بحاجة إلى التحرك في حال أرادت الحفاظ على مكانتها الرائدة".
واقتربت الولايات المتحدة من تجاوز الصادرات الشهرية القطرية لأول مرة في أبريل، في حين كانت أستراليا على مقربة من الدولة الشرق أوسطية في العام الماضي، وفقاً لبيانات تتبع السفن التي جمعتها "بلومبرغ". ومع تطور مشاريع ساحل الخليج، من المقرر أن تصبح الولايات المتحدة لفترة وجيزة أكبر مورد في العالم بحلول عام 2024، قبل أن تستعيد قطر هذه المكانة في وقت لاحق من هذا العقد، وفقاً لـِ "بلومبرغ إن إي إف".
هناك عدة عوامل تلعب دوراً في مصلحة قطر؛ حيث كانت الصين، إحدى أسواق الغاز الطبيعي المسال الأسرع نمواً، مترددة في استيراد المزيد من الولايات المتحدة أو أستراليا بسبب التوترات التجارية والجيوسياسية، إلا أن الميزة الرئيسية لقطر هي أنها تتمتع بأقل تكاليف إنتاج في العالم بفضل وفرة الغاز سهل الاستخراج، حيث يوجد معظمه في حقل الشمال العملاق الذي يمتد إلى إيران.
السندات القادمة
قالت شركة الطاقة الحكومية القطرية، التي ستبيع قريباً ما يصل إلى 10 مليارات دولار من السندات لتمويل توسعة الغاز، إن المشروع سيكون قابلاً للتطبيق حتى مع كون سعر النفط عند 20 دولاراً للبرميل، أي أقل بنسبة 70% من المستويات الحالية، حيث عادة ما ترتبط عقود الغاز الطبيعي المسال بالنفط.
ويُتيح ذلك لشركة قطر للبترول تحديد أسعار أقل مما يمكن للمصدرين الآخرين تحمّله، وفقاً للتجار. وباعت الشركة الغاز الطبيعي المسال في الأشهر الأخيرة بسعر يعادل 10% من أسعار خام برنت، بما في ذلك للصين وباكستان، في حين أنها اعتادت تحديد المستوى عند 15%.
قال "جوناثان ستيرن"، باحث أول في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: "لا أحد يستطيع أن ينافس التكاليف القطرية؛ حيث يمكن للقطريين أن يفعلوا ما يحلو لهم وسيتعين على الجميع الاستجابة بالطريقة التي يستطيعون القيام بها. وخاصة عندما يكون السوق في حالة فائض وتكون الأسعار منخفضة، حيث سيؤثر ذلك على أرباح المنافسين".
وقام المسؤولون التنفيذيون بشركة قطر للبترول بزيارات لآسيا خلال الأشهر القليلة الماضية لإبرام صفقات تصدير؛ حيث أثمرت جهودهم في شهر مارس بإبرام عقد مدته 10 سنوات مع شركة "سينوبك" (Sinopec) ومقرها بكين، وجرى توقيع العقد بسعر يمثل 10% إلى 10.19% من خام برنت. ولم تستجب وزارة الطاقة القطرية وشركة قطر للبترول لطلبات التعليق.
قبل بضع سنوات، كان من المتوقع أن يرتفع الطلب على الغاز الطبيعي المسال بشكل حاد خلال العقود القادمة. فعند حرق الغاز، ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون بنسبة أقل من معظم أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، في حين أن مشاريع الطاقة المتجددة كانت ما تزال مكلفة للغاية لتشغيل شبكات الكهرباء والمصانع والنقل على نطاق واسع.
إلا أن تكنولوجيا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تتحسن بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً، وتساعدها جزئياً برامج الإنفاق الحكومي الهائلة على البيئة التي نتجت عن جائحة فيروس كورونا.
لسنا خائفين
حتى في الوقت الذي تسعى فيه قطر إلى تحقيق أقصى استفادة من أصولها، فهناك عقبات تحول دون وصولها إلى الهيمنة الكاملة. حيث يريد العديد من المشترين مجموعة متنوعة من الموردين. ويعتبر مشروع "يامال للغاز الطبيعي المسال" (Yamal LNG) في روسيا ومصنع القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2 المخطط له بقيادة شركة "نوفاتيك" (Novatek PJSC)، من بين المشاريع التي ستظل قادرة على المنافسة مع زيادة صادرات قطر، وفقاً لمحللين في "سيتي غروب".
في حين قالت شركة "تشينير إنرجي"، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، إنها غير منزعجة من تحركات قطر. حيث تجذب الشركات الأمريكية بعض المستوردين من خلال تقديم شروط تسليم أكثر مرونة وأسعار غير مرتبطة بالنفط، والتي ارتفعت بنسبة 30% تقريباً هذا العام.
قال "أناتول فيجين"، المدير التجاري لشركة "شينيير"، للمستثمرين هذا الشهر: "لسنا خائفين؛ فنحن جزء من التنويع في هيكل التوريد والتعاقدات جنباً إلى جنب مع قطر للبترول وأصدقائنا في نوفاتك".
ومع ذلك، فإن المشاريع الأمريكية من بين المشاريع التي من المرجح أن تواجه صعوبات. فما لا يقل عن عشر مشاريع، خمسة منها في تكساس وأربعة في لويزيانا، ربما لن تُؤمن التمويل الكافي لاستكمالها، وفقاً لتحليل "بلومبرغ إن إي إف".
وتعد تكاليف المواد الأولية جزءاً من المشكلة؛ حيث يتعين على الشركات الأمريكية شراء الغاز بحوالي 2.50 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو ما يزيد كثيراً عن تكلفة الغاز في قطر البالغة 0.30 دولار أو أقل.
الوقت المناسب
قال "ديفيد توماس"، المستشار المستقل والرئيس السابق للغاز الطبيعي المسال في شركة "فيتول" (Vitol)، أكبر تاجر نفط مستقل في العالم، إن الموردين الجدد في الولايات المتحدة يحتاجون إلى أسعار فورية للغاز الطبيعي المسال لا تقل عن 7.80 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في آسيا و6.80 دولاراً في أوروبا. وبهدف المقارنة، بلغ متوسط الأسعار الآسيوية حوالي 6.80 دولارا على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث قال "توماس" إن اقتصاديات المنتجين في أستراليا وأفريقيا متشابهة.
وقال وزير الطاقة القطري سعد الكعبي، والذي يشغل أيضاً منصب الرئيس التنفيذي لشركة قطر للبترول، في مقابلة مع "بلومبرغ" فبراير الماضي، إن نقص الإمدادات الجديدة من دول أخرى سيفيد قطر. مضيفاً: "يأتي توسعنا في الوقت المناسب للغاية".
فيما قال "ستيرن" من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: "يبدو أن الاستراتيجية القطرية تحافظ على حصتها في السوق العالمية وتعظيم المبيعات قبل أن يبدأ سوق الغاز في الانكماش؛ وهو اندفاع تنافسي واستراتيجي. كما أنهم يدركون أن الطلب على الغاز الطبيعي المسال سينخفض في نهاية المطاف مع تقدم العالم في مجال تحول الطاقة".