عمقت مؤشرات الأسهم الأميركية خسائرها بعد أن أشار جيروم باول إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ليس في عجلة من أمره لخفض أسعار الفائدة، نظراً إلى قوة الاقتصاد.
أغلقت سوق الأسهم الأميركية بالقرب من أدنى مستويات الجلسة، وارتفعت عائدات السندات الأميركية لأجل عامين، وصعد الدولار، بعد تصريحات باول. وخفض المتداولون الرهانات على خفض أسعار الفائدة في ديسمبر إلى حوالي 55%، من 80% في اليوم السابق.
قال نيل دوتا من "رينيسانس ماكرو ريسيرش" (Renaissance Macro Research) إن خطاب باول كان "متشدداً. أعتقد أنهم سيخفضون أسعار الفائدة في ديسمبر، لأن السياسة النقدية لا تزال مقيدة، ويريدون الوصول إلى بيئة محايدة".
وأضاف أنه "مع ذلك، وفي ما يتعلق بالاقتصاد، أعتقد أن باول (والإجماع الأوسع) راض. هناك المزيد من مخاطر الهبوط في الأمد القريب أكثر مما كان يعتقد سابقاً".
من جهته، اعتبر كوينسي كروسبي من "إل بي إل فاينانشال" (LPL Financial)، أن "الأمتار الأخيرة نحو استقرار الأسعار قد تكون وعرة، بالتالي ذكّر باول بأن الفيدرالي لن ينفذ سلسلة التخفيضات التي تريدها الأسواق، ما لم تتدهور سوق العمل بالطبع".
في تعليقات هذا الأسبوع، حث العديد من صناع السياسات على اتباع نهج حذر في إجراء المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة، في ضوء الاقتصاد القوي ومخاوف التضخم المستمرة وعدم اليقين واسع النطاق.
تأتي تعليقاتهم في وقت تظهر فيه سوق الأسهم علامات التعب بعد ارتفاع ما بعد الانتخابات، ما حفز الدعوات إلى التوقف عن خفض الفائدة، بالتزامن مع العديد من التدابير التي تشير إلى تفاؤل "ممتد" للمتداولين.
انخفض مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 0.6%، ومؤشر "ناسداك 100" بنسبة 0.7%، وخسر مؤشر "داو جونز" الصناعي 0.5%.
هبطت أسهم شركات صناعة السيارات مثل "تسلا" و"ريفيان" بعد أن أورد تقرير لوكالة "رويترز"، أن الرئيس المنتخب دونالد ترمب يخطط لإلغاء الائتمان الضريبي للمستهلك بقيمة 7500 دولار، لشراء السيارات الكهربائية. وقفزت أسهم شركة "والت ديزني" بعد أن تجاوزت الأرباح التوقعات.
ارتفعت عائدات سندات الخزانة لأجل عامين سبع نقاط أساس إلى 4.36%. وزاد مؤشر "بلومبرغ" للدولار الفوري 0.3%.
خسارة الزخم
فقدت الأسهم زخمها، بعد سلسلة من الارتفاعات القوية إثر الانتخابات الرئاسية الأميركية التي دعمت التفاؤل بأن أجندة دونالد ترمب ستدعم نمو الشركات.
وبينما يتردد العديد من المستثمرين في البيع، فإن الحذر مبرر، وفقاً لفواد رزاق زادة من "سيتي إندكس" و"فوركس دوت كوم". وأشار إلى أن مؤشر "إس آند بي 500" مبالغ في شرائه بوضوح وفقاً لعدة مقاييس، مما يشير إلى إمكانية حدوث تصحيح أو توحيد.
وأضاف: "رغم أن البيع الكامل غير مرجح على ما يبدو، قبل أن يكسر المؤشر أولاً مستويات دعم متعددة، فإن الظروف الحالية تشير إلى أن تراجعاً متواضعاً قد يكون مناسباً. وبالنسبة للمتداولين المخضرمين، فإن التراجع قصير الأجل قد يوفر فرصة للشراء، على الرغم من أن إشارة واضحة لعكس الاتجاه لم تظهر بعد".
وقد يصل مؤشر "إس آند بي 500" إلى 6100 نقطة قبل نهاية العام، وسط الحماس بشأن اكتساح الجمهوريين للبيت الأبيض ومجلسي الكونغرس، ولكن الذهاب إلى ما هو أبعد من هذا المستوى قد يكون تحدياً في الأمد القريب، وفقاً لمايك ويلسون من "مورغان ستانلي". أغلق المؤشر القياسي عند 5949.17 نقطة يوم الخميس.
قال ويلسون في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" إن السوق قد تتعرض لضغوط بسبب أي دعم في أسعار الاقتراض القياسية، أو توقعات بتيسير نقدي أقل عدوانية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، مضيفاً أن التراجعات ربما ينظر إليها بوصفها فرص للشراء.
مواصلة الارتفاع
من المرجح أن يرتفع مؤشر الأسهم الأميركي القياسي حتى نهاية العام، مع احتمال صعود السوق، ولكن ليس ضمن السيناريو الأساسي، وفقاً لاستراتيجيي مجموعة "يو بي إس إيه جي" (UBS AG) من بينهم ماكسويل غريناكوف.
ومع وجود صناديق مستشاري تداول السلع في أقصى حالة شراء، وارتفاع هامشي من مراكز خيارات الوسطاء القصيرة على الغاما، والتسعير الجيد لإعادة انتخاب ترمب، فإن صعود السوق بشكل تدريجي هو السيناريو الأكثر احتمالاً، كما أشاروا.
يرى استراتيجيون في "سوسيتيه جنرال" (Societe Generale SA) من بينهم أندرو لابثورن، أن الأسهم الأميركية "باهظة الثمن بشكل لا جدال فيه"، لكنهم يذكرون أن النقاشات حول التقييمات "أصبحت نادرة بشكل متزايد".
تمثل الولايات المتحدة حوالي 74% من القيمة السوقية لمؤشر "إم إس سي آي" العالمي، وهو مستوى قياسياً. وأضافوا: "يرجع هذا في الغالب إلى علاوة التقييم، وبدونها، ستكون نسبة الولايات المتحدة أقرب إلى 50% من المؤشر العالمي".
ورغم أن سوق الأسهم تجاهلت إلى حد كبير الارتفاع الأخير في عوائد السندات نظراً لاستمرار النمو الاقتصادي، إلا أن هذا الأمر لا يزال يستحق المتابعة.
يرى دينيس ديبوشير من "22 في ريسرتش" (22V Research)، أن زيادة احتمالات تخفيض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في ديسمبر، قد ترفع من فرص تعزيز الاقتصاد القوي بالفعل. وأضاف أن البيانات الاقتصادية يجب أن تبقى متسقة مع نمو حوالي 2.5% (أو أقل) للحفاظ على عوائد السندات لأجل 10 سنوات عند مستوياتها الحالية.
وقال ديبوشير: "توقعاتنا أن تظل عوائد السندات لأجل 10 سنوات قرب المستويات الحالية، ولكن تسجيل نمو فوق 2.5% سيؤدي إلى عوائد أعلى، وربما اختراق مستوى 4.55%". وأشار إلى أن هذا المستوى من العائد سيشكل رياحاً معاكسة للأسهم الصغيرة، والشركات ذات المخاطر العالية في الديون، وغيرها من العوامل الخطرة الأخرى.
عبء أسعار الفائدة
دفع فوز ترمب في الانتخابات، بمؤشر "راسل 2000" للشركات الصغيرة إلى مستويات لم نشهدها منذ ثلاث سنوات، ولكن العبء الناتج عن أسعار الفائدة لا يزال يشكل عقبة.
قال ويلسون من "مورغان ستانلي" هذا الأسبوع، إن الخطر الرئيسي للشركات الصغيرة الآن، والذي لم يكن موجوداً في عام 2016، هو الارتباط السلبي للسوق بأسعار الفائدة، والذي كان إيجابياً قبل ثماني سنوات عندما سيطر ترمب على البيت الأبيض لأول مرة. ارتفع مؤشر "راسل 2000" بنسبة 60% خلال فترة ولاية ترمب الأولى، رغم أنه لا يزال يتخلف عن مؤشر "إس آند بي 500" و"ناسداك 100".
وكتب ويلسون في مذكرة: "بعبارة أخرى، فإن حساسية هذه الفئات السلبية لارتفاع أسعار الفائدة أكبر مما كانت عليه في تلك الفترة. إذا شهدت الأسعار المزيد من الارتفاع بعد الانتخابات، فقد يتم كبح جماح هذه الفئات من منظور الأداء النسبي".
ويجري النظر في إمكانية تجدد صعود التضخم، رغم أن البيانات الأميركية الأكثر قوة من غير المرجح أن تؤدي إلى عرقلة مزاج المخاطرة، حيث من المقرر صدور قراءة أخرى للتضخم في ديسمبر، قبل اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي المقبل، وفقاً لأندرو تايلر من "جي بي مورغان تشيس".