تعمل شركات التعدين والتكرير في الصين على تعزيز إنتاج الليثيوم في أفريقيا، متجاهلة المخاوف بشأن فائض المعروض في الأسواق لضمان تأمين إمدادات مستقبلية من المعدن المستخدم في صناعة البطاريات.
تتوقع شركة "إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس" (S&P Global Commodity Insights) أن تسهم القارة بنحو 11% من الإمدادات العالمية هذا العام، مقارنة مع نسبة تكاد تكون صفراً في بداية العقد الحالي. من المتوقع أن تتجاوز هذه النسبة 14% بحلول 2028.
ارتفعت أسعار الليثيوم خلال 2021 و2022، مما حفز الشركات الصينية للاستثمار في إنتاجه بأفريقيا. ومنذ ذلك الحين، انخفضت أسعار المعدن بأكثر من 80% بعد زيادة المعروض، بينما تخلفت مبيعات السيارات الكهربائية عن التوقعات.
رغم الفائض المتوقع في الإنتاج العالمي هذا العام، تواصل الصين، التي تصنع أغلب مواد الليثيوم الكيميائية في العالم، تعزيز قدرتها التكريرية منه، وزيادة اعتمادها على المواد المستوردة من الخارج، وفق كلوديا كوك، المحللة لدى "بنشمارك مينيرال إنتليجنس" (Benchmark Mineral Intelligence). قالت كوك إنه "مع تزايد المقاومة ضد المشاركة الصينية في مشاريع الليثيوم في العالم الغربي، تجد أفريقيا نفسها في مكانة جيدة لسد فجوة الإمدادات".
استثمارات أكبر في مشاريع الليثيوم
يأتي أكثر من ثلثي إنتاج القارة من زيمبابوي، حيث أنفقت الشركات الصينية، مثل "تشجيانغ هوايو كوبالت" (Zhejiang Huayou Cobalt)، و"سينومين ريسورسز غروب" (Sinomine Resources Group)، و"شينغشين غروب" (Chengxin Group)، مليارات الدولارات لتشغيل مناجم ومصانع معالجة هناك. كما تطور الشركات الصينية أو المدعومة من الصين مشاريع في مالي وناميبيا ونيجيريا.
لا يزال هناك 15 منجماً قيد التطوير أو التوسع في جميع أنحاء أفريقيا، يُتوقع أن تبدأ الإنتاج بحلول 2030، وفقاً لما ذكره لوكاس بيدنارسكي، كبير محللي أبحاث معادن الليثيوم والبطاريات لدى "إس آند بي". أشار إلى أن معظم هذه المشاريع "مستدامة" حتى في ظل الأسعار الحالية.
تابع بيدنارسكي: "شهدنا نمواً كبيراً خلال الأعوام الثلاثة الماضية".
يُتوقع تشغيل هذه القدرات الجديدة عندما تعاني السوق من عجز مجدداً، بعد وصول الفائض العالمي في الليثيوم إلى ذروته خلال 2027، بحسب توقعات "بنشمارك".
نيجيريا مساهم كبير في الليثيوم
رغم أن إنتاج زيمبابوي أكثر شفافية بفضل وجود المناجم الصناعية، فإن الإمدادات من دول مثل نيجيريا، التي كانت حتى الآن تصدر خام الليثيوم المُستخرج بأدوات بدائية، يصعب تتبعها. كانت نيجيريا ثاني أكبر مصدر لليثيوم في أفريقيا خلال العام والنصف العام الماضيين، بحسب توماس ماثيوز، محلل معادن البطاريات لدى "سي آر يو غروب" (CRU Group).
أفاد ماثيوز بأن أكثر من نصف إنتاج أفريقيا من الليثيوم في العام الماضي جاء من أنشطة التنقيب يدوياً، لكن هذا الوضع يتغير الآن حيث يُتوقع أن يتفوق النمو في الناتج من العمليات الصناعية على النشاط غير الرسمي.
افتتحت نيجيريا أول منشأة لمعالجة الليثيوم في مايو، بجانب امتلاكها مشاريع عديدة قيد التطوير مدعومة من الصين، في إطار سعي الحكومة لتنظيم التجارة وزيادة العائدات.
أوضح ماثيوز أن المواد منخفضة الجودة القادمة من أفريقيا شكلت أكثر من ربع إجمالي واردات الصين من الليثيوم على أساس المحتوى المعدني خلال النصف الأول من العام الجاري.
شهية الغرب للمعدن
في الوقت نفسه، تتطلع الشركات الغربية إلى الاستفادة من الليثيوم الأفريقي، حيث تبني شركة "أتلانتيك ليثيوم" (Atlantic Lithium)، المدرجة في بورصة سيدني، أول منجم للمعدن في غانا، لتزويد الولايات المتحدة بالتركيزات المعدنية التي قد تستفيد من الإعفاءات الضريبية التي قدمها الرئيس جو بايدن.
كما تعمل شركتا "أندرادا مايننغ" (Andrada Mining) المدرجة في بورصة لندن و"تانتالكس ليثيوم ريسورسز" الكندية (Tantalex Lithium Resources) على تطوير مشاريع في ناميبيا والكونغو الديمقراطية على التوالي.
تهدف شركات تابعة لرجل الأعمال البريطاني ألغي كلوف، المعروف بدوره في تطوير صناعة النفط والغاز البحرية في المملكة المتحدة في السبعينيات، ورجل الأعمال الأسترالي هيو مورغان، الذي ترأس شركة تعدين النحاس والنيكل التي استحوذت عليها "بي إتش بي غروب" (BHP Group) مقابل 9.2 مليار دولار أسترالي (7.1 مليار دولار أميركي) قبل 20 عاماً، إلى إنتاج كميات كبيرة من الليثيوم في زيمبابوي ونيجيريا.
بينما يُتوقع أن تسهم أستراليا وتشيلي والصين بنحو 70% من إجمالي الإمدادات هذا العام، فإن مناجم أفريقيا ستساعد في تقليل حصتها إلى ما يزيد قليلاً عن النصف بحلول نهاية العقد، بحسب كوك من "بنشمارك".
أوضحت كوك أن بروز الأهمية المتزايدة للقارة يمثل اتجاهاً أوسع في تنويع مصادر إنتاج الليثيوم.