ارتفع سعر "بتكوين" ليسجل أعلى مستوياته على الإطلاق منذ أكثر من عامين، لكن العملة المشفرة الأصلية فشلت في البقاء عند مستوياتها القياسية الجديدة لفترة طويلة.
قفز سعر الرمز 2.5% ليصل إلى 69191.95 دولار بعد وقت قصير من الساعة 10 صباحاً في نيويورك، ثم انخفض على الفور ليُتداول عند نحو 62 ألف دولار في وقت مبكر من بعد الظهيرة.
قال زهير ابتكار، مؤسس صندوق العملات المشفرة "سبليت كابيتال" (Split Capital): "بالنظر إلى أن كل من اشترى (بتكوين) تقريباً يحقق أرباحاً الآن، فهناك احتمالات جيدة بأن نرى قدراً من جني الأرباح".
سجلت العملة المشفرة الأصلية انتعاشاً مذهلاً هذا العام في ظل الطلب من الصناديق الجديدة المتداولة في البورصة الأميركية، فضلاً عن الانخفاض الوشيك في نمو المعروض من الرموز. وعند أعلى مستوياتها يوم الثلاثاء، ارتفع سعر "بتكوين" بنحو 63% حتى الآن في 2024، متفوقة على الأسهم العالمية ومنشرة التفاؤل عبر سوق الأصول الرقمية.
وفي تطور مثير، يرجع الفضل في كثير من عودة "بتكوين" إلى هيئة تنظيمية يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها معادية للعملات المشفرة: هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. وافقت الهيئة على إطلاق صناديق "بتكوين" المتداولة في البورصة في أوائل يناير بعد تعرضها لهزيمة قانونية العام الماضي في محاولتها رفضها. وقد أدت هذه الخطوة إلى توسيع إمكانية الوصول إلى سوق "بتكوين" بحجم كبير، مما ساعد قطاع العملات المشفرة على طي صفحة السوق الهابطة التي مر بها في 2022، وسلسلة من حالات الإفلاس اللاحقة، بما في ذلك انهيار بورصة "إف تي إكس" التابعة لسام بانكمان فريد.
عوامل داعمة
جذبت صناديق الاستثمار المتداولة التي أطلقتها شركات مثل "بلاك روك" و"فيدلتي إنفستمنتس" (Fidelity Investments) أكثر من 7 مليارات دولار من صافي التدفقات منذ إطلاقها في أقل من شهرين. وهو ما يأتي مع اقتراب انخفاض وشيك في نمو المعروض من "بتكوين" -المعروف باسم التنصيف- والذي يؤدي أيضاً إلى تأجيج المشاعر الداعمة للارتفاع.
قال ستيفان فون هانيش، رئيس قسم التداول لدى "أو إس إل" (OSL SG): "تخطي أعلى مستوياته على الإطلاق، مع الزخم الحالي المتعلق بصناديق الاستثمار المتداولة الفورية، بالإضافة إلى سرد عملية التنصيف القادمة، من المرجح أن يوقظ مشاعر -الخوف من تفويت الفرصة- الحقيقية بين المشاركين الذين يترقبون الأسواق حالياً".
"عودة" بتكوين التي بدأت في أوائل 2023 أدت إلى رفع إجمالي القيمة السوقية للأصول الرقمية إلى نحو 2.6 تريليون دولار. كما أن انتعاشها من أدنى مستوى لها في نوفمبر 2022 يتوج دورة من الكساد إلى الازدهار تركت الصناعة التي ولدتها تتغير بشكل لا رجعة فيه.
وصل سعر "بتكوين" إلى قمته السابقة عند 68,991.85 دولار في 10 نوفمبر 2021، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ، مدعوماً بالتحفيز النقدي والمالي الذي نشرته الحكومات في جميع أنحاء العالم لمعالجة آثار كوفيد-19. كان هذا الارتفاع مدفوعاً جزئياً من قبل الأصوليين في مجال العملات المشفرة المعروفين بشعارهم "HODL"، وهو مثل الخطأ الإملائي لكلمة "hold" التي تم اعتمادها كاختصار لعبارة "انتظر من أجل الحياة العزيزة" أي (hold on for dear life).
قصة السقوط
ما أشاد به البعض باعتباره اللحظة النهائية للعملات المشفرة في ذلك الوقت، تحول بدلاً من ذلك إلى بداية عودة عنيفة.
وبعد فترة وجيزة من وصولها إلى أعلى مستوياتها في 2021، انخرطت "بتكوين" –وأسواق العملات المشفرة الأوسع– في هبوط حاد في ظل تحول البنوك المركزية إلى تشديد سياستها النقدية لمحاربة التضخم الجامح. وبحلول نهاية 2021، انخفض سعر "بتكوين" بمقدار الثلث تقريباً من ذروته.
كشفت السوق الهابطة عن عمليات احتيال واسعة النطاق ومخاطرة متهورة بين العديد من اللاعبين الرئيسيين في مجال العملات المشفرة، وهو ما تجسد في انهيار عملة "تيرا دولار" المستقرة وانهيار بورصة "إف تي إكس"التابعة لـ" بانكمان فريد" والشركات المرتبطة به. كما تعرضت منصة "بينانس"، وهي أكبر بورصة للأصول الرقمية، ومؤسسها تشانغ بينغ تشاو لتدقيق تنظيمي متزايد.
وينتظر بانكمان فريد وتشاو الآن الأحكام القضائية في الولايات المتحدة في تهم جنائية. يقاوم دو كوون مؤسس "تيرا يو إس دي"، الذي تم سجنه في الجبل الأسود العام الماضي لسفره بجواز سفر مزيف، تسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث هو مطلوب بتهم الاحتيال.
مع تساقط سوق العملات المشفرة كقطع الدومينو خلال فترة الركود في 2022، كان المنظمون في جميع أنحاء العالم يضعون بالفعل الأساس لزيادة الرقابة، وهي الجهود التي زادت آثارها بسبب انهيار السوق.
تبنت دبي وهونغ كونغ قواعد تنظيمية جديدة، كما أقر الاتحاد الأوروبي تشريعات الأسواق الشاملة للأصول المشفرة "MiCA" العام الماضي. كثفت الدول من أستراليا إلى الهند والمملكة المتحدة جهودها لضمان أن بورصات العملات المشفرة غير المرخصة لا تلبي احتياجات سكانها.
تأثير "بلاك روك"
ولكن تماماً كما سخر المتشككون في العملات المشفرة، بدءاً من جيمي ديمون من "جيه بي مورغان"، إلى تشارلي مونجر من "بيركشاير هاثاواي"، من "بتكوين" باعتبارها كائناً لا قيمة له في جوهره أكثر من المضاربات الطائشة، كانت إحدى أكبر الشركات المالية في العالم على وشك إزكاء انتعاشها.
في 15 يونيو من العام الماضي، قدمت شركة "بلاك روك" طلباً إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية لإطلاق صندوق "آي شيرز بتكوين ترَست" (iShares Bitcoin Trust)، والذي سيستثمر مباشرة في الرمز المميز. في حين كانت هناك بالفعل عدة محاولات مماثلة، فإن حجم شركة "بلاك روك" ونفوذها -وهي أكبر مزود لصناديق الاستثمار المتداولة- كان يُنظر إليها على أنها إشارة إلى أن النتيجة قد تكون مختلفة هذه المرة.
كان صندوق "بلاك روك" المتداول، من بين الدفعة الأولى من هذه المنتجات التي تمت الموافقة عليها في أوائل يناير. وفي أقل من شهرين، تضخمت أصولها إلى أكثر من 10 مليارات دولار. وفي الوقت نفسه، نمت قيمة "بتكوين" بأكثر من الضعف منذ أن قدمت "بلاك روك" أداتها المالية.
قال ناثان ماكولي، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لدى "أنكوارج ديجيتال" (Anchorage Digital): "يمثل أعلى مستوى على الإطلاق في (بتكوين) نقطة تحول بالنسبة للعملات المشفرة.. كانت المؤسسات التقليدية خارج السوق في يوم من الأيام؛ واليوم، هم هنا بكامل قوتهم باعتبارهم المحركين الرئيسيين لسوق العملات المشفرة الصاعدة".