سجلت وول ستريت رقماً قياسياً جديداً، إذ تجاوز مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) مستوى 5000 نقطة الأعلى في ظل الارتفاع المتواصل لأسعار أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، وسط آمال في أن يتمكن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قريباً من خفض أسعار الفائدة، مما يعزز آفاق أرباح الشركات.
في وقت يستعد الأميركيون لأكبر ليلة في كرة القدم، مع بلوغ تذاكر مباراة السوبر بول يوم الأحد أرقاماً قياسية جديدة، سجلت أسعار الأسهم الأميركية انتصارها الخاص لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وبدعم من الرهانات على الهبوط السلس وقوة الذكاء الاصطناعي، واصلت أسعار الأسهم صعودها، متحدية المتشائمين والتحذيرات بشأن السوق المجهدة.
قال جورج بول، رئيس مجلس إدارة "ساندرز موريس" (Sanders Morris): "يُعد (إس آند بي 500) أفضل مؤشر منفرد للثقة في قوة أرباح الشركات الأميركية وقوة الاقتصاد.. ويُعد اتجاهه بمثابة مؤشر على ما إذا كان الاقتصاد والأرباح آخذة في التحسن أو التدهور".
قبل أيام قليلة فقط من صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسي، تنفس المستثمرون الصعداء بعد أن أكد تقرير حكومي، والذي عادة ما تتجاهله الأسواق، مسار (أرقام) التضخم في نهاية 2023.
وفي أعقاب صدور البيانات مباشرة، ارتفعت سندات الخزانة، ولكن سرعان ما عكست هذا الاتجاه. ليعود عائد الأوراق المالية لأجل عامين إلى مستوياته ما قبل "تحول" نبرة الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر. قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا رافائيل بوستيك إنه "يركز بشدة" على إعادة التضخم إلى الهدف، وقالت نظيرته في دالاس لوري لوغان إنها لا ترى ضرورة ملحة لخفض أسعار الفائدة.
أمّا ديفيد دونابيديان، من "سي آي بي سي باريفت ويلث يو إس" (CIBC Private Wealth US) فيرى أن الظروف الاقتصادية الحالية تدعم الزخم الصعودي في وول ستريت. وقال: "السوق تحولت من الاعتقاد بأن الاحتياطي الفيدرالي سيكون منقذها، إلى أنها لا تحتاج إلى منقذ في ظل الدعم الذي يقدمه الاقتصاد".
المحطة التالية
ومع تمكن مؤشر "إس آند بي 500" من الإغلاق فوق مستوى 5000 نقطة، يبقى السؤال: ما هي محطته التالية؟
اتسم المؤشر بتحقيق أداء إيجابي بعد وصوله إلى المحطات الرئيسية، وفق آدم تورنكويست من "إل بي إل فاينانشال" (LPL Financial)، أشار تورنكويست إلى أن المؤشر سجل متوسط عائد على مدار 12 شهراً بواقع 10.4% من المحطات التسعة الماضية، مضيفاً أنه سجل نتائج إيجابية في 78% من المحاولات.
أوضح تورنكويست أن "الإغلاق فوق هذا المستوى المراقب عن كثب سيغذي حالة الخوف من ضياع الفرصة..بعيداً عن تعزيز المعنويات المحتمل، فإن الأرقام الصحيحة مثل 5000 غالباً ما توفر منطقة نفسية من الدعم أو المقاومة للسوق".
في الوقت الحالي، يُعد هذا "مجرد رقم صحيح كبير"، وفق مات مالي من "ميلر تاباك+كو" (Miller Tabak+Co). وأضاف: "بالطبع، إذا تحركت السوق بأي طريقة مجدية من هذا المستوى، فإن ذلك سيغير الأمور". ولكنه ألمح إلى أن "الفشل في تأكيد اختراق هذا المستوى لأعلى من شأنه أن يحوله إلى منطقة مقاومة رئيسية جديدة. وفي كلتا الحالتين، فقد حققت سوق الأسهم ارتفاعاً رائعاً هذا العام. لذا، ما لم يحدث أي انخفاض كبير، فلن يؤثر ذلك على الوضع العام".
من جهته قال كيني بولكاري من "سلات ستون ويلث" (SlateStone Wealth): "بينما سيقول البعض إنه مجرد رقم آخر في بحر الأرقام الهائل الذي نستوعبه كل يوم، فإن هذا الرقم مختلف بعض الشيء.. 5000 يمثل ألفية جديدة، وبالتالي فهو يخلق المزيد من الإثارة. لذلك أتوقع أن تستمر الإثارة لفترة أطول قليلاً".
أرباح الشركات
السبب الآخر الذي يدعم قوة سوق الأسهم في بداية العام هو آفاق أرباح الشركات بالتأكيد.
مع مضي نحو ثلثي موسم نتائج الأعمال، تتفوق أرباح الشركات بقوة على التوقعات. تفوقت نتائج أعمال نحو 80% من الشركات المدرجة بمؤشر "إس آند بي 500" التي أعلنت عن أرباحها، لتتجاوز بسهولة متوسط العشر سنوات البالغ 74%، وفقاً لبيانات بلومبرغ إنتليجنس حتى صباح الجمعة.
ويستجيب المحللون لذلك برفع التوقعات. تتوقع وول ستريت الآن نمو أرباح شركات مؤشر "إس آند بي 500" في الربع الرابع 6.5% عن العام السابق في المتوسط، وهو ما سيكون الأفضل منذ منتصف 2022، وارتفاعاً من التوقعات الهزيلة البالغة 1.2% في أوائل يناير، وفق بلومبرغ إنتليجنس.
قال آرثر هوغان من "بي ريلي ويلث" (B. Riley Wealth): "كان موسم أرباح الربع الرابع أقوى من المتوقع، مما أعطى المستثمرين الثقة في أن الاقتصاد القوي يمكن أن يواصل دفع أرباح الشركات".
عودة المتشككين
يرى مارك هاكيت من "نيشن وايد" أن الزخم القوي أعاد المستثمرين المتشككين من شريحتي المؤسسات والأفراد إلى السوق، الأمر الذي له تأثير مضاعف على الصعود، على الرغم من أنه يثير بشكل متزايد تساؤلات حول الاستدامة.
قال دان وانتروبسكي من "جاني مونتغمري سكوت" (Janney Montgomery Scott): "نحن لا نزال حذرين.. على هذه الجبهة، نلاحظ ضيق اتساع السوق، والتباينات المستمرة في الزخم، وظروف التشبع الشرائي في الأسهم القيادية، والمشاعر التي يمكن أن تقترب من التطرف بسرعة نسبياً".
مع تداول الأسهم الأميركية الآن بمعدل 21 مرة ضعف الأرباح الآجلة وسط أسعار فائدة مرتفعة، وقلة الطلب على وسائل التحوط الرخيصة على خلفية مستويات التقلب المنخفضة، يتصارع المضاربون على الارتفاع والمراهنون على الصعود حول استدامة هذا الارتفاع، وفق خوسيه توريس من "إنتراكتف بروكرز" (Interactive Brokers).
قال توريس: "هل ندخل حقبة جديدة من التقييمات الأعلى بسبب ارتفاع الإنتاجية، وزيادة مشاركة المستثمرين الأفراد، وتحول الأموال من الشرق إلى الغرب؟.. أم أن هذا (هوس فقاعي) سينتهي بخسائر في ظل سيطرة المضاربات الجامحة على الأسواق؟ في النهاية، الوقت وحده هو الذي سيخبرني، لكن حدسي يبقيني في المعسكر المتشائم".
يقول مايكل هارتنت، من "بنك أوف أميركا كورب"، إن الارتفاع السريع الذي قاد الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية يقترب الآن من إثارة العديد من إشارات البيع.
وكتب هارتنت في مذكرة أن المؤشر الخاص بالمصرف والمعروف بـ"bull-and-bear" ارتفع إلى 6.8 في الأسبوع المنتهي في 7 فبراير. وقال الاستراتيجي إن القراءة فوق 8 تشير إلى أن الاتجاه الصعودي قد بلغ حد المبالغة، مما يُعتبر بمثابة توصية بالبيع.
قال هارتنت: "كان تمركز المستثمرين تحسباً للهبوط خلال تعاملات 2023 هو أفضل صديق للأسواق". ولكن بعد أن قاد المستثمرون مؤشر "إس آند بي 500 "خلال العام الماضي للصعود 24%، فإن هذا التعرض "يتحول من عنصر داعم إلى رياح معاكسة". وحذّر من أنه "في الفقاعات، تظهر الأسواق القليل من الاحترام للتمركز"، أو للتقييم. وأضاف: "إنهم يحترمون السياسة النقدية وأسعار الفائدة الحقيقية فقط".
وقال هاكيت من "نيشن" وايد إن قوة سوق الأسهم واضحة رغم تغير توقعات الاحتياطي الفيدرالي وارتفاع أسعار الفائدة بالنظر إلى ردود الفعل الحادة على بنك الاحتياطي الفيدرالي في السنوات الأخيرة.
أوضح هاكيت: "السوق الأقل عاطفية يعد علامة إيجابية، رغم أنه يجب على المستثمرين محاربة الرضا عن النفس الذي يُعد رد فعل طبيعياً لمثل هذا الارتفاع القوي والمطرد".
أما بريت كينويل من "إي تورو" (eToro) فيرى أنه رغم أن الأسهم قد تكون محمومة بعض الشيء في الوقت الحالي، إلا أن هذا لا يعني أن الأسواق على وشك الخروج عن المسار الصحيح. وقال: "على الرغم من أن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى جني بعض الأرباح على المدى القصير، إلا أنها لا تزال سوقاً صاعدة.. وإلى أن نرى ضعفاً مادياً في الاقتصاد، فمن الصعب أن نتحول للرهان على الهبوط".
أداء أبرز المؤشرات:
- ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 0.6% حتى الساعة 4 مساءً بتوقيت نيويورك
- صعد مؤشر ناسداك 100 بنسبة 1%
- انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.1%
- لم يشهد مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري تغيراً ملحوظاً
- قفز سعر "بتكوين" 5% 47581.03 دولار
- صعد سعر "إيثر" 2.8% إلى 2492.76 دولار