تقترب سنة لافتة للأسهم من نهايتها، دفع فيها صعود أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى السوق للاقتراب من أعلى مستوياتها على الإطلاق وسط هوس الذكاء الاصطناعي ورهانات تحول الاحتياطي الفيدرالي للتيسير النقدي.
عشية جرس الإغلاق الأخير في "وول ستريت" لعام 2023، يقترب مؤشر "ناسداك 100" (Nasdaq 100) من تسجيل أقوى أداء سنوي له منذ عام 1999 بعد إضافته 7 تريليونات دولار. كما يقترب مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) من قمته التاريخية، وفي الوقت نفسه يفصله 1% فقط عن متوسط مكاسب العام بأكمله المتوقع في استطلاع حديث مع المحللين، الذين توقعوا أن ينهي المؤشر تعاملات 2024 عند 4,833 نقطة.
قال مات مالي من "ميلر تاباك + كو" (Miller Tabak + Co): "إذا تمكنت سوق الأسهم من تخطي هذا المستوى القياسي بشكل ملحوظ خلال شهر يناير، فسيكون ذلك الأمر صعودياً للغاية على أساس فني.. فإذا حدث هذا في بداية العام الجديد -عندما يقوم الكثير من الناس بتعديل خططهم الاستثمارية - فإن ذلك يميل إلى تعزيز الصعود".
هوس الذكاء الاصطناعي ورهانات خفض الفائدة
وفي عالم مهووس بأسعار الفائدة، شهدت سوق الأسهم تحولاً هائلاً هذا العام بعد تعرضها لأسوأ ضغوط بيعية سنوية منذ 2008. ومع تكثيف التجار لمراهناتهم، انتهى بنك الاحتياطي الفيدرالي من حملة رفع أسعار الفائدة -وسيبدأ تيسير سياسته النقدية في 2024- كما تتهيأ السندات العالمية لتحقيق أكبر مكاسبها على مدار شهرين على الإطلاق.
يفصل مؤشر "إس إند بي 500" عن أعلى مستوياته على الإطلاق -البالغ 4796.56 نقطة- بضع نقاط، لتصل مكاسبه خلال العام الحالي إلى 25%. وانخفضت سندات الخزانة بعد مزيد ضعيف بقيمة 40 مليار دولار لسندات لأجل سبع سنوات. وارتفع سعر الدولار مقابل معظم نظرائه في الأسواق المتقدمة. وصعد سعر الين مع استمرار محافظ بنك اليابان كازو أويدا في تمهيد الطريق لأول زيادة في أسعار الفائدة في البلاد منذ 2007.
كانت أكبر سبعة أسهم للتكنولوجيا في الولايات المتحدة ،من شركة "إنفيديا كورب" وحتى "مايكروسوفت"، مسؤولة عن 64% من ارتفاع المؤشر هذا العام حتى الأسبوع الماضي مع انطلاق جنون الذكاء الاصطناعي. لتصل مكاسب مؤشر "ناسداك 100" خلال العام الحالي إلى 55%.
أرباح "العظماء السبعة"
ومن المتوقع أن تحقق شركات "العظماء السبعة" -التي تضم أيضاً "أمازون"، و"أبل"، و"ألفابت" الشركة الأم لـ"غوغل"، و"تسلا" و"ميتا بلاتفورمز"- نمواً في أرباحها نسبته 22% في العام المقبل، أي ضعف شركات مؤشر "إس آند بي 500"، وفق البيانات التي جمعتها بلومبرغ إنتليجنس. والأمر المهم هنا هو مقدار ذلك المبلغ الذي انعكس بالفعل على أسعار الأسهم، خاصة مع التوقعات بحدوث الهبوط السلس.
قال مايكل لاندسبيرغ، من "لاندسبيرغ بينيت برايفت ويلث مانجمنت" (Landsberg Bennett Private Wealth Management): "من المرجح أن تستمر الشركات التي لديها استراتيجية محددة وواضحة للذكاء الاصطناعي مع مقاييس سهلة التتبع في تحقيق أداء جيد في 2024.. وعلى الناحية الأخرى، فالشركات التي تجد صعوبة في شرح عرض قيمة الذكاء الاصطناعي الخاص بها لن تشهد تكراراً لعام 2023، حيث دُعمت معظم شركات التكنولوجيا الكبرى بالإثارة وليس بالضرورة بتفاصيل الذكاء الاصطناعي".
أقبل المستثمرون على أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى بشكل جزئي رهاناً على أنها في وضع أفضل للاستفادة من الذكاء الاصطناعي نظراً لنطاقها الواسع وقوتها المالية.
أدت هذه الأرباح الأكبر إلى انخفاض التقييمات من مستويات متضخمة للغاية، لكنها لا تزال مرتفعة. يتداول مؤشر "ناسداك 100" بحوالي 25 ضعف الأرباح المتوقعة خلال الـ12 شهراً القادمة، وفق البيانات التي جمعتها بلومبرغ. وفي حين أن هذا أقل من الذروة التي بلغت 30 مرة في 2020، إلا أنه أعلى بكثير من المتوسط البالغ 19 مرة على مدى العقدين الماضيين.
ورغم تحقيق عدد كبير نسبياً من الأسهم مكاسب تزيد عن 100%، إلا أن العديد من الأسهم لم تتمكن من التفوق على مؤشر "إس آند بي 500"، بحسب مجموعة "بيسبوك إنفستمنت غروب" (Bespoke Investment Group). وفي عام تقليدي، في المتوسط، يحقق 48.7% من أسهم المؤشر مكاسب تفوق المؤشر نفسه. وفي 2023، تفوق أقل من 30% الأسهم بالمؤشر على أدائه.
وقال استراتيجيو "بيسبوك": "هذا يقودنا إلى التساؤل عما إذا كانت الأسهم المتفوقة (أو المتخلفة) ستواصل تفوقها (تأخرها) في العام المقبل.. بالنظر إلى الماضي، فإن الصورة ليست مواتية تماماً لهذا النوع من التدوير في أي من الاتجاهين".
تحول سريع
السوق "حقق مكاسب كبيرة" ومعظم المشاركين يريدون فقط إنهاء العام لتسجيل تلك المكاسب، وفق توم إيساي، المتداول السابق لدى "ميريل لينش" ومؤسس نشرة "ذا سفنز ريبورت" (The Sevens Report) الإخبارية، مضيفاً :"لكنني أعمل في هذه الصناعة لفترة كافية لأعلم أنه عندما يبدو أن الجميع يميلون إلى جانب واحد من القارب، فمن المفيد الانتقال إلى المنتصف".
أدت التحذيرات بشأن السوق التي تومض بإشارات ذروة الشراء إلى إثارة المخاوف بشأن التراجع، إذ يقول بعض مراقبي السوق إن المتداولين بالغوا للغاية وبسرعة كبيرة في توقعات تحول الاحتياطي الفيدرالي لتيسير سياسته النقدية.
في حين أن تراجع التضخم مؤخراً يعد أمراً إيجابياً بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، فإن بعض الأرقام الأخرى التي تظهر قوة الاقتصاد يمكن أن تغذي الإنفاق الاستهلاكي، مما يعمل ضد هدف البنك المركزي المتمثل في إبطاء وتيرة النمو. وهذا يشكل مخاطر على سوق السندات مع اقتراب العام الجديد.
كما أدى انخفاض العائدات إلى هبوط الدولار في 2023، لتسجل العملة الأميركية أسوأ عام لها منذ ظهور الوباء. وتجسد جزء كبير من الانخفاض في الربع الرابع بسبب تزايد الرهانات على تيسير الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية بشكل حاد في العام المقبل.
قالت إيبيك أوزكاردسكايا، أحد كبار المحللين لدى "سويسكوت" (Swissquote)، إن انخفاض عوائد سندات الخزانة أدى بشكل فعال إلى تيسير الأوضاع المالية في الولايات المتحدة، و"لا يكاد يتوافق مع التضخم المنخفض بشكل مستدام".
وكتبت في مذكرة: "يبدو أن ارتفاع السندات الحكومية مبالغٌ فيه، وبالتالي فإن صعود الأسهم وضغوط البيع على الدولار تبدو مبالغاً فيها أيضاً".
وقبل حوالي أسبوع من صدور تقرير الوظائف الأميركي المهم للغاية، لم ينزعج المتداولون من البيانات التي أظهرت ارتفاع طلبات إعانة البطالة الأولية إلى 218,000 طلب. ويتوقع الاقتصاديون زيادة بمقدار 170 ألف وظيفة في كشوف الأجور لشهر ديسمبر، بما يتوافق مع الطلب القوي على العمالة الذي كان أساسياً في دفع الاقتصاد.
على صعيد آخر، تراجعت أسعار النفط للجلسة الرابعة خلال خمسة أيام، إذ عوض ارتفاع الرصيد في مركز التخزين الأميركي الرئيسي في كاشينغ بولاية أوكلاهوما جزئياً انخفاض المخزونات الوطنية، ما رسم صورة غامضة للطلب.
أداء أبرز المؤشرات:
- استقر مؤشر "إس آند بي 500" عند مستوى الإغلاق السابق في الساعة الرابعة مساءً بتوقيت نيويورك.
- مؤشر "ناسداك 100" لم يتغير إلا قليلاً.
- ارتفع مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري 0.1%.
- انخفض سعر "بتكوين" 2% إلى 42,525.5 دولار.
- تراجع سعر الذهب في المعاملات الفورية 0.5% إلى 2,066.51 دولار للأوقية.