من المفاجئ أن تبدو أسواق رأس المال الأمريكية مستعدة للخروج من الوباء في وضع جيد؛ فالأسهم مزدهرة، والائتمان يتدفق بحرية، والبنوك تعلن عن أرباح قياسية. هل يمكن أن يكون النظام المالي للبلاد، والذي كان أداؤه ضعيفاً للغاية خلال أزمة الإقراض الثانوي في عام 2008 والفترة المحيطة بها، قد أصبح أكثر صحة ومرونة الآن بحيث لم يعد الإصلاح ضرورة بعد الآن؟
الوضع بعيد كل البعد عن ذلك؛ بل في الحقيقة أظهرت أزمة فيروس كورونا ما بقي مما يجب عمله.
حتى قبل تولي ترمب للرئاسة، وبعد تفعيل قانون "دود-فرانك 2010"، لا تزال هناك نقاط ضعف في النظام المالي في الولايات المتحدة، حيث تمتلك البنوك رأس مال أكبر لامتصاص الخسائر، لكن هذا غير كافٍ لتجاوز أزمة حادة. وبعض أضخم البنوك تفتقد إلى الفهم الكافي لما يقومون به كل يوم. وتضاعفت المخاطر في الشركات والرهن العقاري والإقراض لشراء السيارات خارج البنوك التقليدية، وفي الصناديق المشتركة العاملة في أسواق المال.
لم يكن لدى المنظمين البيانات التي يحتاجونها لشرح هوية "الانهيارات المفاجئة"، أو حتى معرفة ما الذي يجري في أسواق الأسهم والسندات والمشتقات؟ وبقي ملايين الأمريكيين، من الفقراء والأقليات، عرضة بدون حسابات مصرفية، بل أنهم أصبحوا معرضين لجميع أنواع النهب المالي بشكل غير متناسب.
نظام مالي غير مستعد
لم تتمكن إدارة ترمب من التعامل مع هذه المشكلات، وتسببت في جعل الأمور أسوأ بطرق عديدة؛ فقد أضعفت اختبارات الإجهاد التي يجريها الاحتياطي الفيدرالي والمصممة لمعرفة ما إذا كانت البنوك تمتلك رأس مال كاف لمواجهة عاصفة مالية. وأفرغت "قاعدة فولكر" التي تهدف لكبح جماح المضاربة في البنوك القائمة على أموال دافعي الضرائب، كما قوضت من قدرات مجلس الإشراف على الاستقرار المالي في تحديد المخاطر خارج البنوك والتعامل معها. أدى كل ذلك إلى تفكيك مكتب الحماية المالية للمستهلكين وتقويض جهود الحد من السلوك المفترس في مجالات مثل إقراض يوم قبض الأجور والنصائح الاستثمارية.
لقد تم تقويض القواعد التي تهدف إلى ضمان حصول جميع الأمريكيين على وصول عادل إلى الخدمات المالية والائتمانية.
وعندما حلّ الوباء، كان النظام المالي غير مستعد. وما أن أصبح نطاق التهديد واضحاً، توقف الإقراض قصير المدى الذي أبقى المؤسسات المالية والكثير من الشركات الأمريكية تعمل؛ اكتنز الأمريكيون السيولة النقدية، وتجنبوا أي استثمارات يبدو عليها أقل ملامح المخاطرة. تراجعت أسهم البنوك بشدة، وارتفعت تكاليف الإقراض كثيراً، وتوقفت شركات الرهن العقاري غير المصرفية واستنزفت عمليات الاسترداد أسواق المال. لم تكن البنوك لتتمكن من النجاة من الخسائر الهائلة ولم يكن النظام ليتجنب الانهيار لولا الاستجابة السريعة غير المسبوقة من الكونغرس ووزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي، الذين تعهدوا بضخ مليارات الدولارات لدعم جميع أنواع الإقراض والمستهلكين.
لا شك أن مثل هذه الصدمة الاقتصادية الهائلة كانت ستتطلب استجابة حكومية في أي ظرف كان. لكن النظام الأقوى كان سيحتاج إلى معالجة جذرية أقل في حالات الطوارئ. يبدو أن ضغوطاً جديدة على الاستقرار المالي على وشك الظهور خلال وقت قصير أو بطرق غير متوقعة. تسببت السياسة الحالية المتعلقة بمعدلات الفائدة المنخفضة بشكل استثنائي في رفع أسعار الأصول أكثر، وقد يكون من المزعج التخلي عن هذه السياسة في نهاية المطاف. كما يمثل دور المنصات المالية الجديدة في قيادة التلاعب بالأسواق والمضاربة المفرطة تهديداً جديداً آخر، كما شاهدنا في طفرة "غيم ستوب". يمكن للأنظمة ذات الأساس القوي التعامل مع مثل هذه الضغوطات بثقة أعلى، كما أنها ستكون أفضل أيضاً في أداء وظيفتها الاقتصادية الرئيسية، والتي تتمثل في تعزيز الازدهار على أوسع نطاق.
وإليكم ما يجب على إدارة بايدن القيام به.
بناء المرونة
أن تطلب من البنوك وجميع المؤسسات المالية ذات العلاقة امتلاك رأس مال وفير، وبالتالي لن تكون اختبارات الإجهاد والمساعدات الحكومية ضرورية، إلا في حالات نادرة للغاية.
إعادة إحياء مجلس الإشراف على الاستقرار المالي (FSOC)، وتمكينه للتعامل مع الحلقات الضعيفة أينما وجدت.
إصلاح العيوب في صناديق أسواق رأس المال والتي تجعلها أكثر عرضة لهروب الأموال. مضاعفة الجهود في مجالات مثل مسار التدقيق الموحد ومعايير "بازل" للإبلاغ عن المخاطر، من أجل تزويد التنفيذيين والمنظمين بالمعلومات التي يحتاجونها لرؤية المخاطر، وتحديد السلوكيات المعطلة للأسواق وتوقع الأخطار الجديدة على نزاهة الأسواق.
حماية المستهلكين
إعادة تنشيط مكتب الحماية المالية للمستهلكين (CFPB)، وتزويده بالصلاحية الواضحة على جميع الخدمات المالية الموجهة للمستهلكين (بما في ذلك الإقراض لشراء السيارات)، وإعادة تطبيق المبادرات التي جرى عكسها في عهد ترمب، مثل جهود المكتب في إنهاء التحكيم الإلزامي، والحد من الجوانب الافتراسية لإقراض يوم قبض الأجور، إلى جانب معالجة الممارسات المسيئة في تحصيل الديون، وتوفير مزيد من التحكم للأشخاص بسجلاتهم الائتمانية وتنظيم عمليات السحب على المكشوف كنوع من أنواع الائتمان.
إعادة تطبيق قاعدة الدور الائتماني لوزارة العدل وتوسيعها، لضمان أن يضع جميع مقدمي الاستشارات الاستثمارية مصلحة عملائهم أولاً.
تعزيز العدالة والإنصاف
توسيع الجهود المبذولة لتوفير وصول موثوق وغير مكلف إلى حساب بنكي لجميع الأمريكيين.
توفير البيانات والصلاحيات اللازمة للمنظمين والعامة، للتأكد من امتثال المؤسسات المالية مع قوانين الإقراض العادل.
تصحيح التحيزات في خوارزميات التصنيف الإئتماني.
زيادة الاستثمار الفيدرالي في مبادرات مثل: صندوق المؤسسات المالية لتنمية المجتمع وبرنامج القروض المصغرة لإدارة الأعمال الصغيرة، اللذان يهدفان إلى توفير الائتمان للمجموعات المحرومة.
تشير التعيينات التي قام بها بايدن في وزارة الخزينة والهيئات التنظيمية المالية إلى أن الرئيس مشارك في هذه الأهداف، وهو في حد ذاته أمر مشجع، فهذه الإصلاحات يجب أن تتم.