استبدال البشر الأذكياء بأجهزة كمبيوتر غبية له جانب سلبي أكثر على الأسواق

انسوا الذكاء الاصطناعي.. الخطر الحقيقي هو تبسيط الأسواق

لافتة شارع يظهر عليها اسم "وول ستريت"، نيويورك، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
لافتة شارع يظهر عليها اسم "وول ستريت"، نيويورك، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يشعر الكثيرون في "وول ستريت" بالقلق من تأثير الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الأسواق المالية. وربما يجب أن نولي اهتماماً مساوياً لفكرة خفض الذكاء البشري. إنَّ الاتجاه طويل الأمد نحو تتبّع المؤشرات أفاد المستثمرين بشكل كبير من خلال تقليل تكاليف إدارة الأصول، والحماية من التحيزات السلوكية البشرية، ومطاردة الأسهم المغالى في أسعارها، ومن الذعر من الانتكاسات قصيرة الأجل.

مع تناقص عدد المستثمرين العاديين ومديري الأموال التقليديين الذين يولون اهتماماً بتقييمات الأوراق المالية على مر السنين؛ فإنَّ مهمة الحفاظ على تماشي أسعار السوق مع الواقع الاقتصادي قد وقعت على عاتق صناديق التحوط عالية الاستدانة التي تستخدم استراتيجيات متطورة وجريئة. وعلى الرغم من أنَّ هذه الأموال لا تمثل إلا جزءاً صغيراً من إجمالي الأصول، فإنَّ الرافعة المالية والنهج الجريء يمنحانها تأثيراً كبيراً على الأسعار والتداول والسيولة، خاصة مع زيادة حجم الأصول في الاستراتيجيات الخاملة، التي تظل على الهامش عند تحديد الأسعار.

"استراتيجيات الاستثمار الكمي"

لكن اليوم، تنتقل بعض أموال صناديق التحوط إلى نسخ غير متطورة من هذه الاستراتيجيات. إنَّ واحدة من أسرع المنتجات نمواً في إدارة الاستثمار هي "استراتيجيات الاستثمار الكمي"، التي تعرف اختصاراً بـ"QIS"، التي ينفذها تجار الأوراق المالية كمقايضات أو منتجات مهيكلة. ارتفع حجم "استراتيجيات الاستثمار الكمي" إلى 370 مليار دولار بحلول منتصف عام 2022، وفقاً لـ"بلومبرغ نيوز"، نقلاً عن شركة "ألبورن بارتنرز" (Albourne Partners) الاستشارية. هذا الحجم كافٍ ليكون له تأثيرات ضخمة على الأسواق والأسعار. علاوة على ذلك، هناك مؤشرات على أنَّ هذا النشاط سيستمر في النمو بوتيرة سريعة.

تعني "استراتيجيات الاستثمار الكمي" ببساطة أنَّ القرارات الاستثمارية تتم وفقاً لقواعد كمية بدلاً من الحكم البشري. ومثال ذلك؛ الصندوق الذي يشتري الأسهم إذا كان متوسط سعرها خلال آخر 50 يوماً من التداول أعلى من متوسط سعرها خلال آخر 200 يوم تداول، ويبيع الأسهم التي يكون متوسط سعرها خلال 50 يوماً أقل من متوسط سعرها على مدى 200 يوم (هذه نسخة شائعة من استراتيجية "المتوسطات المتحركة"، وهي أحد أنواع استراتيجيات الزخم).

تستخدم العديد من صناديق التحوط "استراتيجيات الاستثمار الكمي"، على الرغم من أنَّها بشكل عام أكثر تعقيداً بكثير من المثال المذكور أعلاه. علاوة على ذلك؛ تقوم معظم صناديق التحوط بمراجعة الاستراتيجيات وتعديلها باستمرار، وعادةً ما تجمع بين العديد من "استراتيجيات الاستثمار الكمي" في صندوق واحد. هناك صناديق مشتركة ومتداولة في البورصة تستخدم "استراتيجيات الاستثمار الكمي" ذات التعقيد المتوسط، والتعديل المنتظم. وهناك طريقة أخرى للمستثمرين للوصول إلى "استراتيجيات الاستثمار الكمي"؛ وهي المنتجات المهيكلة أو المقايضات مع التجار مثل "غولدمان ساكس" أو "جيه بي مورغان".

تحسن سمعة الاستراتيجية

كانت منتجات الاستثمار المهيكلة والمقايضات المرتبطة بـ"استراتيجيات الاستثمار الكمي" موجودة منذ أكثر من عقد، لكنَّ الإصدارات المبكرة حظيت بسمعة سيئة بين المستثمرين. من السهل على التجار كتابة عقود لصالح الشركة بدلاً من المستثمر. يقع على عاتق مدير الصندوق واجب ائتماني للعمل من أجل مصلحة المستثمر، وعلى الرغم من أنَّ هذا الواجب لا يتم احترامه بالكامل دائماً من قبل جميع المديرين؛ فإنَّه ما يزال يوفر حماية قوية.

عندما يوقِّع المستثمرون عقوداً مع التجار، يكون للتاجر الحق القانوني في التفكير فقط في مصلحته الخاصة. بالطبع؛ يهتم معظم التجار بالسمعة وتكرار الأعمال، مما يحد في بعض الأحيان من مقدار إساءة معاملة العملاء، ولكن ما يزال المستثمرون يشعرون بحذر أكبر تجاه التاجر بالمقارنة مع مدير الصندوق.

في حوالي عام 2020 أو نحو ذلك، تحسنت منتجات "استراتيجيات الاستثمار الكمي" المهيكلة وأعمال المقايضة قليلاً، وتخلصت من الكثير من سمعتها السيئة. أصبح المستثمرون أكثر ذكاءً بشأن العقود، ورأى التجار في إرضاء العملاء ميزة أكبر من زيادة الربح في كل معاملة. كلما كان العملاء راضين أكثر، زاد حجم الصفقات، وزاد اهتمام التجار بتقديم منتجات جيدة بأسعار عادلة.

مقارنة مع صناديق التحوط

لكنَّ إصدارات التجار من "استراتيجيات الاستثمار الكمي" أقل ذكاءً من إصدارات صناديق التحوط. وهذا له إيجابيات وسلبيات للمستثمرين، لكنَّه يشكل خطراً رئيسياً على استقرار السوق وكفاءتها. على الجانب الإيجابي للمستثمرين؛ لن يتآكل الأداء بواسطة المديرين الذين لا يمتلكون الانضباط اللازم للالتزام بالاستراتيجيات. على الجانب السيّئ، لا أحد يراقب أو يعدّل عند الضرورة.

هناك نقطة أخرى ذات وجهين، وهي أنَّه تترتب تكاليف مالية لإنشاء صندوق. يجب على المدير أن يضمن الجهود البحثية والمبيعات لجذب المستثمرين، وعموماً يتعين عليه بذر الاستثمار، وتحمل تكاليف التأسيس. تعمل معظم الصناديق بخسارة لسنوات حتى تقوم بتجميع سجل حافل طويل وجيد بما يكفي لجذب عدد كافٍ من الاشتراكات لتعويض التكاليف. في حين أنَّ هذه التكاليف منخفضة بما يكفي لأنَّ هناك الكثير من الصناديق المتشابهة، والصناديق التي تطارد أحدث فكرة مثيرة، بينما لا يوجد أي استثمار للتاجر لتقديم منتج جديد لـ"استراتيجيات الاستثمار الكمي". وبالتالي؛ يتم عرض كل فكرة صناديق مشابهة وفكرة مثيرة-وفكرة غير مثيرة أيضاً- على الأقل من قبل بعض التجار.

الحاجة إلى الذكاء البشري

إنَّ تبديل المنظور من المستثمرين الذين قد يستخدمون "استراتيجيات الاستثمار الكمي" إلى السوق ككل، وإزالة الأصول من مديري صناديق التحوط الذكية والمتطورة التي تسيطر على عملية تحديد الأسعار هما خطران واضحان. إذا تسبّبت الخسائر أو زيادة تكاليف الرافعة المالية في تهميش المديرين البشر، في حين استمر استخدام استراتيجيات التداول الآلي البسيطة والمبرمجة من دون إشراف، فلن يكون هناك أحد يقود الطائرة.

يحلم بعض الناس باستبدال البشر الأذكياء بذكاء اصطناعي أكثر ذكاءً يفتقر إلى التحيزات السلوكية البشرية، وأحياناً الحوافز الملتوية. قد تكون هذه فكرة جيدة وقد لا تكون كذلك. لكن من الواضح أنَّ استبدال البشر الأذكياء بأجهزة كمبيوتر غبية له جانب سلبي أكثر من الجانب الإيجابي على الأسواق. إذا كانت "استراتيجيات الاستثمار الكمي"، مثل صناديق المؤشرات، ذات صافي فوائد إيجابية للمستثمرين، فنحن بحاجة إلى استيعابها، ولكن يجب أيضاً أن نكون حذرين من خطر تبسيط الأسواق بشكل مفرط.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة