يبدو أن رفع سعر الفائدة في مصر بمقدار 200 نقطة أساس، لم يقنع مستثمري السندات، حيث يقولون إن البنك المركزي المصري يجب أن يفعل المزيد إذا كان يريد التغلب على التضخم وعودة التدفقات المالية المتعثرة إلى البلاد.
أعلن البنك عن هذه الزيادة الكبيرة في سعر الفائدة في وقت متأخر من يوم الخميس، بعدما خيّبت السلطات النقدية آمال المستثمرين في فبراير عندما أبقت تكاليف الاقتراض دون تغيير. ومع ذلك، فإن الزيادة الجديدة جاءت أقل من 300 نقطة أساس التي توقعتها الشركات، بما في ذلك مجموعة "غولدمان ساكس" و"بنك أبوظبي التجاري".
اقرأ المزيد: المركزي المصري يرفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس لمواجهة التضخم المتفاقم
يتحوّط متداولو المشتقات من احتمال إقرار خفض حاد لقيمة الجنيه المصري، ما يهدد بتفاقم التضخم الذي ارتفع إلى 31.9% في فبراير، وبما يفوق بأضعاف المستوى المستهدف. كذلك، ارتفع العائد على السندات الحكومية المقومة بالجنيه، وجمعت مصر في مزاد أذون الخزانة لأجل 12 شهراً يوم الخميس، نحو 3.5 مليار جنيه (115 مليون دولار) بعائد قياسي مرتفع بلغ 22.683%.
قال محيي الدين قرنفل، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لاستثمارات الدخل الثابت لدى "فرانكلين تمبلتون" في دبي: "ما زلنا واثقين من أن مصر ستصل إلى مزيج من السياسات المناسبة، لكننا لم نبلغ تلك المرحلة بعد.. لست واثقاً من أن ذلك سيؤدي إلى تدفقات (استثمارية)".
تحرير العملة المحلية
كذلك، يحث المستثمرون مصر أيضاً على زيادة مرونة سعر الصرف. كانت الحكومة قد تعهدت في أكتوبر الماضي بالانتقال إلى سعر صرف أكثر مرونة، بما يسمح لها بإبرام ارتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، وذلك بعدما أعقبت فترات الاستقرار الطويلة تقلبات حادة وهبوط كبير في قيمة العملة المحلية.
اقرأ أيضاً: توقعات خفض قيمة العملة تهبط بالجنيه المصري 15% في السوق الموازية
ارتفع الجنيه المصري 0.3% إلى 30.80 جنيه للدولار في الساعة 2:10 بعد الظهر بتوقيت القاهرة. لكن الفارق بين سعر الجنيه الرسمي المحدد من البنك المركزي وقيمته في السوق السوداء، اتسع أكثر، في ظل تكهنات بأن الدولة التي تعاني من ضائقة مالية قد تقر تخفيضاً جديداً لقيمة العملة، وذلك للمرة الرابعة منذ مارس 2022.
قال قرنفل من "فرانكلين تمبلتون": "يمكن القول إن التدفقات المالية إلى مصر مرتبطة بالتعويم الحر للجنيه.. أي شخص ينظر إلى منحنى الرسم البياني للجنيه المصري، يمكن له أن يدرك أن الأمر ليس كذلك".
السير على حبل مشدود
في الوقت الذي تحتاج فيه مصر إلى رأس المال الأجنبي، تبدو السلطات النقدية المصرية وكأنها تمشي على حبل مشدود، حيث تحاول الموازنة ما بين تشديد السياسة النقدية لترويض التضخم، وخطر الركود الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 109 ملايين نسمة.
تضررت مصر بشدة من التداعيات الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير من العام الماضي، إذ تُعتبر واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم. وقبل ذلك، كانت قد تحوّلت إلى وجهة رئيسية للأموال الساخنة شديدة التقلب نتيجة سياسة تثبيت سعر الصرف واعتماد أعلى أسعار فائدة المعدلة حسب التضخم في العالم.
اليوم، هناك أدلة متزايدة على أن مثل هذه التدفقات المالية، لم تعد موضع ترحيب.
قال تود شوبرت، رئيس أبحاث الدخل الثابت في "بنك أوف سنغافورة" في دبي: "لا يمكنهم تحمل الكثير من الضرر الذي يلحق بالنمو، أو المخاطرة بتزايد الاضطرابات الاجتماعية في أكبر دول أفريقيا من حيث عدد السكان".
زيادات أخرى للفائدة
بدورها، قالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في "بنك أبوظبي التجاري"، إنه مع ذلك، يُتوقع أن يرفع البنك المركزي سعر الفائدة بما لا يقل عن 200 نقطة أساس أخرى، مع "زيادة كبيرة" في تكاليف الاقتراض خلال الجولة التالية من تخفيض قيمة العملة.
يبلغ سعر الفائدة "الحقيقي"، أو المعدل حسب التضخم في مصر حالياً، سالب 13.7% تقريباً، وهو واحد من أدنى المستويات بين أكثر من 50 اقتصاداً رئيسياً تتبعها بلومبرغ.
كتب فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في "غولدمان ساكس غروب" في مذكرة: "رفع سعر الفائدة هذا يُعتبر صغيراً جداً لتحفيز التدفقات الكبيرة لرؤوس الأموال، وبالتالي من غير المرجح أن يخفف الضغط على الجنيه أو يحد من شحّ العملات الأجنبية الذي يعاني منه الاقتصاد". ودعا سوسة الحكومة المصرية إلى تسريع الإصلاحات، بما في ذلك بيع الأصول واعتماد سعر صرف مرن.
من بين المؤشرات التي تؤكد قلق المستثمرين، ارتفاع تكلفة التحوط ضد التخلف عن السداد المحتمل للديون المصرية بمقدار 25 نقطة أساس لتصل إلى 1343 نقطة أساس، وفقاً لبيانات "سي إم إيه كيو" (CMAQ). لكن مزاج المخاطرة الذي كان سائداً اليوم الجمعة في الأسواق العالمية، أدى إلى رفع السندات السيادية بالدولار في البلاد، حيث انخفض العائد على الأوراق المالية المستحقة عام 2051 بمقدار 15 نقطة أساس.