كان أحد الأسئلة التي شغلت بال المستثمرين العام الماضي هو متى سيتراجع الأميركيون عن الإنفاق ويندلع الركود. لم يحدث ذلك في الربع الرابع، إذ تجاوز أداء شركات التجزئة والعلامات التجارية التوقعات، لكن نتائج أعمالها وتوقعاتها أجّجت موجة من الحذر بشأن العام المقبل.
تزايدت أعداد المتسوقين، بما في ذلك الأثرياء، الذين يبحثون عن صفقات، بعد أعلى معدل تضخم شهده جيل، ومع استمرار تضاؤل المدخرات، وتراكم ديون المستهلكين. كما ولّى عصر ترف الإنفاق بعد ذروة "كوفيد-19".
نتيجة لذلك، حاول العديد من كبرى شركات التجزئة اتباع سياسة شد الحزام خلال موسم الأرباح عن طريق إصدار توجيهات المبيعات لهذا العام، والتي كانت مخيّبة لآمال "وول ستريت". تتوقع كل من شركات "لويز كوز" (.Lowe’s Cos) و"بيست باي" (.Best Buy Co) و"تارغت كورب" (.Target Corp) احتمال انخفاض الإيرادات هذا العام.
قال نيل سوندرز، العضو المنتدب في "غلوبال داتا" (GlobalData Plc)، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "هناك شعور بين شركات التجزئة أن المستهلك يقاوم لبعض الوقت، ترقباً لحالة من الهدوء، لكن لا أحد يعرف حقاً متى سيحدث هذا أو إلى أي مدى سيمضي".
يتحوّل المتسوقون بالفعل إلى خيارات شراء أرخص، وهو اتجاه يتزامن غالباً مع الركود. وسلّطت شركة "وول مارت" (.Walmart Inc) الضوء على المكاسب الكبيرة للأسر التي يزيد دخلها عن 100 ألف دولار، فيما أشارت شركة "دولار تري" (.Dollar Tree Inc)، التي تقدم خصومات أيضاً، إلى فائدة مماثلة.
المنتجون لا يكترثون لمخاوف الركود وخطط الإنفاق خير دليل
ذوو الدخل المرتفع يفضّلون الأرخص
قال ريتشارد دريلينغ، الرئيس التنفيذي لـ "دولار تري"، خلال مكالمة بشأن الأرباح: "المناخ الاقتصادي الحالي يدفع المستهلكين ذوي الدخل المرتفع إلى المتاجر ذات الأسعار الرخيصة. فهم يقايضون على سلع أرخص".
انخفض معدل الادخار إلى أقل من 5% للمرة الأولى منذ عام 2009، عندما كان الاقتصاد في حالة ركود عقب الأزمة المالية. في غضون ذلك، لا يزال التضخم مرتفعاً بشكل مستمر ولا تعوّض زيادات الأجور عن ذلك.
ارتفاع الأسعار لا يؤدي إلى جعل الرواتب تبدو أقل فحسب، لكنه يغفل أيضاً حقيقة أن الكثير من نمو المبيعات في القطاع الاستهلاكي كان بسبب التضخم، وليس بسبب المتسوقين الذين يشترون المزيد من المنتجات.
كانت شركة "هوم ديبوت" (.Home Depot Inc) واحدة من أكبر المستفيدين من الجائحة، نظراً لأن طول فترة البقاء في المنازل دفع الأميركيين إلى إنفاق المزيد على تجميلها.
وارتفعت إيرادات الشركة بمقدار 47 مليار دولار، بزيادة 43%، منذ أن ضرب "كوفيد-19" الولايات المتحدة في أوائل 2020، لكن مبيعاتها ارتفعت في الربع الرابع، المنتهي في يناير، بنسبة 0.3% فقط، فيما يعد أسوأ أداء ربع سنوي لها منذ ما يقرب من عقد من الزمان، عند استبعاد الفترة الأولى لتفشي الجائحة، جاء ذلك في الوقت الذي تراجعت فيه المعاملات بمقدار 24 مليوناً أو بمقدار 6%. دفع التضخم إلى تحسين نتائجها، حيث ارتفع متوسط الشراء بنسبة 5.8%.
أوضح تيد ديكر، الرئيس التنفيذي لـ "هوم ديبوت" خلال مكالمة بشأن الأرباح أن الشركة دخلت العام الماضي متوقعة أن يقلل ارتفاع الأسعار من المشتريات بالنسبة نفسها تقريباً. لكن عملاءها أثبتوا حتى الآن أنهم أكثر مرونة من حيث استعدادهم لإنفاق المزيد.
قال "ديكر" للمحللين: "ما نراه الآن هو المزيد من الحساسية". ففي الربع الرابع، كان هناك تقريباً "تعويض واحد مقابل واحد". وصرح بأن الشركة تتوقع أن يستمر هذا الاتجاه خلال العام الجاري.
هل يصل التضخم إلى ذروته بمتاجر البقالة قريباً؟
السلع الاستهلاكية الأساسية
بالنسبة إلى السلع الاستهلاكية الأساسية، فقد أدى فرض المزيد من زيادة السعر عليها إلى نمو المبيعات. وانخفضت أحجام المبيعات لدى "بروكتر آند غامبل" (.Procter & Gamble Co) في الموسم ربع السنوي الأخير، بنسبة 6%، أي ضعف معدل الأشهر الثلاثة السابقة. إلا أن زيادة السعر على المبيعات العضوية بـ10% ساهمت في تعزيزها. ومثّل استعداد المستهلكين لإنفاق المزيد مفاجأة سارة بالنسبة إلى الشركة الصانعة لمنتج "تايد"، شأنها شأن "هوم ديبوت".
قال أندريه شولتن، المدير المالي لـ "بروكتر آند غامبل"، في مقابلة أُجريت معه مؤخراً، إن رد الفعل على ارتفاع الأسعار كان "أكثر اعتدالاً مما كنا نتوقعه".
لكن هذا الوضع لن يستمر، وفقاً لما قاله رود ليتل، الرئيس التنفيذي لشركة "إيدج ويل بيرسونال كير" (.Edgewell Personal Care Co)، المنافسة لـ "بروكتر آند غامبل" وتمتلك علامات تجارية مثل "شيك" (Schick).
أضاف: "قدرة المستهلك على تحمل جولة أخرى من زيادة الأسعار ستواجه تحدياً".
تسعى بعض العلامات التجارية الاستهلاكية، في إطار تعاملها مع هذا الوضع، لزيادة الإنفاق الإعلاني في محاولة لزيادة الطلب، فيما انخفضت طلبيات شركات التجزئة بالفعل بشكل كبير.
قال إد روزنفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة "ستيفن مادن" (.Steven Madden Ltd)، مؤخراً: "التراجع الذي شهدناه من عملاء الجملة فيما يتعلق بطلباتهم فاق أي تراجع في طلب المستهلكين".
تمثلت إحدى المزايا التي تعود على المتسوقين في العام الماضي في أن العديد من أجزاء القطاع الاستهلاكي، وخاصة الملابس والسلع المنزلية، كانت تعاني تخمة في المخزون لأنها أساءت توقع الطلب، وكان هناك الكثير من الخصومات. لكن تلك الأيام ولّت واستمر التضخم، وفقاً لجيسيكا راميريز، كبيرة محللي الأبحاث في "جين هالي آند أسوشيتس" (Jane Hali & Associates).
انخفاض ثقة المستهلك الأميركي بسبب توقعات أكثر تشاؤماً
هواجس المستهلكين
فاقت نتائج الربع الرابع لشركة "مايسيز" (.Macy’s Inc) تقديرات المحللين، لكن الشركة أثارت أيضاً مخاوف بشأن حالة الرخاء للمستهلك الأميركي.
قال جيف غينيت، الرئيس التنفيذي لـ"مايسيز"، في مقابلة: "أرصدة بطاقات الائتمان مستمرة في الارتفاع. سوف ترى تسلل بوادر من فئات الديون المعدومة".
أشار "غينيت" إلى أنه على الرغم من توقعه استمرار قوة الإنفاق على الهدايا والمنتجات المرتبطة بالمناسبات، فإن "المستهلك لهذه الفئة من المنتجات يتعرض لضغوط".
على الرغم من أوجه الخلل التي تتشكّل على صعيد الإنفاق الاستهلاكي، فإن معدل البطالة هو الأدنى منذ نصف قرن. وعلى الرغم من أن حملة مجلس الاحتياطي الفيدرالي لكبح التضخم قد تُضعِف سوق العمل هذا العام، لا يرى الاقتصاديون أن الفائدة ترتفع فوق 5%، إذ لا تزال عند مستوى صحي وفقاً للمعايير القياسية.
من جانبه، قال سكوت ليبيسكي، المدير المالي لشركة "أبيركرومبي آند فيتش" (.Abercrombie & Fitch Co)، في مكالمة مع المحللين: "نحن نبحث دائماً عن مستويات التوظيف، وكذلك مستويات الأجور. لكننا لا نعرف ما الذي سيفعله الاحتياطي الفيدرالي هنا في الولايات المتحدة، ومدى انتشار ذلك على امتداد الاقتصاد".