يبدو أن مُصدّري السندات بدأوا في مراجعة مزايا استغلال سوق الديون الممتثلة للمعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، ويستند تقييمهم على أن تكاليف التمويل الأقل التي يضمنها هذا التوصيف لا تستحق المخاطرة بالتعرض لاتهامات الغسل الأخضر.
قال جيسون تايلور، العضو المنتدب لاستشارات الاستدامة والتمويل في البنك الوطني الكندي، في مقابلة: "هناك عدد من المُصدّرين يعيدون النظر في معادلة المزايا والتكاليف".
أضاف: "عندما يتم تعريف معاملة التمويل المستدام الناجحة، هناك الكثير من الأبعاد التي يمكنك أن تستعين بها لتحليلها.. أحدها الوفر في التكلفة من علاوة الاستثمار الأخضر، لكنه يأتي بمستوى عالٍ من التدقيق بعد الصفقة، وهو ما يمكن أن يدفع الناس للتفكير مرتين فيما إذا كانت النقطة أو النقطتان أساس تستحقان خطورة كتابة عدد من التقارير غير المريحة".
إصدارات الديون المستدامة
حتى الآن، تركزت أغلب الحملة التنظيمية ضد الغسل الأخضر على مديري الأصول، لكن القطاع المالي نفسه أثار مخاوف حول المخاطر الكامنة في بعض أجزاء سوق الديون الممتثلة للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
الشهر الماضي قالت "إن إن إنفستمنت بارتنرز" (NN Investment Partners) التابعة لبنك "غولدمان ساكس" إنها من بين مديري الأصول الذين أصبحوا أكثر انتقائية، ويرفضون بشكل متزايد عروض الديون الممتثلة لتلك المعايير، وذكرت إيزوبيل إدواردز، محللة السندات الخضراء في الشركة، إنها وفريقها غالباً ما يتشككون في بعض المزاعم التي يتقدم بها المُصدّرون.
أضافت خلال مقابلة في يوليو: "نميل لأن نطلق عليه الغسل الأخضر عندما يأتي للسوق ويكون كل شيء متماشياً مع المعايير بنسبة 100%، ويكون أخضر بأكبر قدر يمكن أن يكون عليه، وعندما تكون خطة الاستدامة هي الأفضل في السوق". وفي يونيو، كشف مدير في "جيه بي مورغان تشيس آند كو" عن شكوكه بشأن العديد من عروض القروض الممتثلة للمعايير التي مرت عبر مكتبه.
مخاطر سمعة متزايدة
أصبح على المُصدرين التعامل بشكل متزايد مع مخاطر السمعة المتمثلة في إصدار ديون مصنفة على أنها ممتثلة للمعايير في السوق، لكنها قد لا تكون متماشية مع الغرض منها، وتعرضت "شانيل" - التي اشتهرت بعطر "No. 5" والبدلات الأيقونية المصنوعة من قماش التويد - مؤخراً لانتقادات بسبب تفويتها هدفاً انتقالياً للطاقة المتجددة لعام 2021 مرتبط بسند مستدام. وفي العام الماضي، تبين أن سندات ممتثلة للمعايير صادرة عن "تيسكو"، أكبر سلسلة بقالة في المملكة المتحدة، تستند إلى أهداف تغطي 2% فقط من انبعاثاتها السنوية.
في سبتمبر، نشرت "بلومبرغ نيوز" تحليلاً لأكثر من 70 خط ائتمان متجدد مرتبط بالاستدامة وقروض بأجل رتبتها بنوك في الولايات المتحدة منذ عام 2018، وكشفت أن أكثر من ربعها لا يتضمن أي عقوبة على التقصير في تحقيق الأهداف المعلنة، لكنها تقتصر فقط على خصم ضئيل في حال تحقيق الأهداف.
قال "تايلور" إن: "الغسل الأخضر بجميع أنواعه سيخضع لمزيد من التدقيق كلما اتجهنا إلى عام 2030"، وفي ظل يقظة المستثمرين والمنظمين بشكل متزايد لمخاطر المبالغة في مزاعم الامتثال للمعايير، أصبح مديرو الصناديق أيضاً أكثر حذراً.
تقدم أوروبا مثالاً على ذلك، وهو اللغة المتطورة التي يستخدمها مديرو الأصول حول منتج يسمى "المادة 8"، والمعرّف في لوائح الإفصاح عن التمويل المستدام في الاتحاد الأوروبي كمنتج "يعزز" الاستدامة، ومع ذلك يختار عدد من مديري الاستثمار عدم إرفاق توصيف الامتثال للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
وفقاً لـ"تايلور": "ربما تصبح الصناعة بأكملها أكثر حذراً قليلاً وتفكر بعمق في العروض الترويجية والضمانات المقدمة"، وقال إن المُصدِّرين لا يتخلون بالضرورة عن وضع التوصيفات تماماً، لكنهم يأخذون وقتهم للتأكد من أنهم إذا استفادوا من سوق الديون الممتثلة للمعايير، فلن يغفلوا أي مقاييس يمكن أن تحرجهم أمام علاقاتهم العامة.
تحفظات خاصة
أعربت بعض الشركات عن تحفظات خاصة متعلقة بشأن إصدار ديون خضراء طويلة الأجل جداً، مستشهدة بالتغير السريع في المشهد التنظيمي ومخاطر السمعة، ويمكن لمصدري السندات الخضراء أن يختاروا تقليل فترات السندات لتجنب تعريض مصداقيتهم الخضراء للخطر مع تشديد الحدود في السوق، وفقاً لمايا غوديمر، الزميلة في "بلومبرغ إن إي إف".
أصدرت الرابطة الدولية لسوق رأس المال، وهي مجموعة ترعى مصالح القطاع المالي، معايير أكثر صرامة - وإن كانت طوعية - للديون المرتبطة بالاستدامة في وقت سابق من الصيف الجاري، ويعمل المشرعون الأوروبيون على إنشاء معايير للسندات الخضراء، لكن يحتاج المُصدِّرون ومديرو الأصول إلى الإبحار وسط التغييرات المستمرة في قواعد المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، وتخاطر الشركات عن غير قصد بالخطأ في تحديد المقاييس الخاصة بهم لتلك المعايير، وفقاً لـ"تايلور".
تابع "تايلور" بالقول إن: "الغسل الأخضر ليس بالضرورة طوعياً دائماً"، لكن "المعايير تتطور أيضاً بمعدل أسرع، لذا فإن تلك المناطق الرمادية تتبدد أكثر فأكثر، ومع مرور الوقت، ستشتد القواعد في السوق من تلقاء نفسها".