تتعرض ميزانية أكبر بنكين حكوميين في مصر لضغوط شديدة في 2022، ما قد يقلص أرباحهما المتوقعة، إذ سيكونان مُلزَمَين سداد نحو 136 مليار جنيه فوائد لشهادات الادخار ذات عائد 18%، التي جمعا عبرها 755 مليار جنيه خلال 70 يوماً، حسب محللين ماليين تحدثوا لـ"الشرق".
جمع البنك الأهلي المصري، أكبر بنك حكومي بالبلاد، 515 مليار جنيه من الشهادة ذات عائد 18%، فيما جمع بنك مصر 240 مليار جنيه، خلال الفترة من 21 مارس الماضي وحتى 30 مايو الماضي، وذلك بهدف الدفاع عن العملة المحلية ومنع الدولرة ومكافحة جماح التضخم، كما أعلن البنكان حينها.
تمثل الأموال المستقطبة عبر هذه الشهادات نحو ربع ودائع البنكين كما وردت في بيانات السنة المالية 2020-2021، حين بلغت محفظة ودائعهما مجتمعةً نحو 3 تريليونات جنيه.
هاني جنينة، الاقتصادي والمحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة، يصنّف بنكَي الأهلي ومصر بأنهما الأكثر تأثيراً في الاقتصاد المصري، نظراً إلى أن ميزانيتهما المجتمعة تمثل نحو 40% من ميزانية القطاع المصرفي ككل. ويقول: "مما لا شك فيه أن الارتفاع في تكلفة الودائع بنحو 7% عن معدل فائدة الشهادات السائد وقت الطرح، مع ارتفاع (الكوريدور)، أي سعر العائد على الإيداع والإقراض لدى البنك المركزي لليلة واحدة، بنسبة 1% فقط في مارس، سيؤدي إلى تراجع حادّ في أرباح الربع الأخير من العام المالي 2021-2022 بتلك البنوك".
بلغ صافي ربح بنك مصر 21.47 مليار جنيه من أول يوليو 2020 حتى نهاية سبتمبر 2021، فيما حقق البنك الأهلي صافي ربح بلغ 19 مليار جنيه للفترة عينها الممتدّة إلى 15 شهراً بفعل تعديل السنة المالية لدى البنكين.
توظيف الأموال
آية زهير، من "زيلا كابيتال"، ترى أن "أرباح البنوك ستتأثر ، لكن شهاداتها ذات العوائد المرتفعة تصبّ في صالح الحفاظ على استقرار الاقتصاد وتخفيف صدمة الأسعار عن أصحاب المدخرات، خصوصاً العائلات التي تعتمد على عوائد البنوك لتلبية جزء من متطلباتها الحياتية".
وتابعت: "يجب بذل جهد أكبر للوصول إلى أفضل سبل التوظيف لأموال هذه الشهادات، لضبط هيكل تكلفة الأموال وتخفيف حدّة تأثير الشهادة مرتفعة العائد بقدر الإمكان".
تراجع سعر صرف الجنيه المصري بنحو 15% منذ رفع الفائدة لأول مرة هذا العام في مارس الماضي حتى الآن، ورفع "المركزي المصري" أسعار الفائدة 300 نقطة أساس منذ بداية العام في محاولة لامتصاص الضغوط التضخمية بالأسواق.
قفزت أرقام التضخم في المدن المصرية بشكل قوي، متأثرة باستمرار فورة أسعار الغذاء العالمية، لتسجل 13.1% في أبريل على أساس سنوي، مقابل 10.5% في مارس، وهو أعلى مستوى للأرقام منذ أبريل 2019.
خلال الشهور الأخيرة، تخطّت أرقام التضخم في مصر الرقم المستهدف من قِبل البنك المركزي المصري البالغ 7% (بزيادة نقطتين مئويتين أو أقل) حتى نهاية 2022. وكان التضخم في مصر قفز بعد أن حررت الدولة سعر صرف الجنيه في نهاية 2016.
تلقّت مصر دعماً خليجياً سريعاً عقب إعلانها عن رفع أسعار الفائدة، وترك عملتها الجنيه للتحرك أمام الدولار نهاية مارس الماضي، إذ أودعت السعودية 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري نهاية مارس الماضي، كما يتطلّع "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي إلى استثمارات محتملة بقيمة 10 مليارات دولار في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والزراعة والمالية.
إلى ذلك، تعهدت قطر بضخّ 5 مليارات دولار في صورة استثمارات في مصر، في حين أبرمت "القابضة ADQ"، أحد صناديق أبوظبي السيادية، في مارس الماضي، صفقة بنحو مليارَي دولار لشراء حصص في شركات مصرية مملوكة للدولة، مدرجة في البورصة.
فروق العملة
بدوره، يَعتبر جنينة أن ما قد يفاقم أثر الانكماش في صافي دخل الفائدة لدى البنكين خلال 2022 هو "تسجيل خسائر ناجمة عن فروق سعر الصرف، نظراً إلى وجود فجوة بين الأصول و الخصوم الأجنبية بعد تخارج ما يقارب 20 مليار دولار من أذون وسندات الخزانة، وزيادة المخصصات الخاصة باضمحلال قيمة القروض".
لكنه لفت إلى أن نسبة كفاية رأس المال لدى بنكَي الأهلي و مصر في يونيو 2021 بلغت 16% و15% علي التوالي، وهي نسب أعلى مما يتطلبه البنك المركزي، ولذا ما زال لديهم قدرة على امتصاص الصدمات دون الاضطرار إلى تخفيض حادّ في توفير القروض للقطاعين الخاص والعام.
انخفضت استثمارات الأجانب بأدوات الدَّين المصرية إلى 28.8 مليار دولار في ديسمبر من 34.1 مليار دولار في سبتمبر، وفقاً لأحدث بيانات رسمية متاحة.
استحوذت "القابضة ADQ" على حصص في 5 شركات مقيّدة ببورصة مصر مقابل نحو 1.8 مليار دولار من بنك مصر والبنك الأهلي المصري في أبريل الماضي، وهو ما قد يساعد في تخفيف الضغوط التي قد تتعرض لها ميزانيات تلك البنوك.
عليا ممدوح، من "بلتون" المالية، ترى أن الشهادات الجديدة التي طرحتها البنوك ذات عائد 14% لمدة 3 سنوات تعطي إشارات إلى أن البنوك تتوقع استمرار رفع أسعار الفائدة في مصر، وبالتالي فإن ارتفاع الفائدة على أذون وسندات الخزانة قد يقلل الضغط بعض الشيء على تأثر ربحية البنكين.