قال خبراء اقتصاديون في البنك المركزي الروسي، إنَّ روسيا تواجه انكماشاً اقتصادياً شديداً وطويل الأمد، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض مستويات المعيشة، إذ إنَّ العقوبات على روسيا التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بسبب غزو أوكرانيا، تستنزف المنتجات والتكنولوجيا الحيوية الروسية.
اقرأ أيضاً: روسيا تواجه وضعاً ملحاً وعاجلاً لتفادي التخلف عن السداد وتجنّب "وول ستريت"
جاء في بيان صادر عن البنك المركزي، وهو الأكثر تفصيلاً منذ بدء الحرب حول التوقُّعات المستقبلية، أنَّ قسم الأبحاث في البنك المركزي الروسي حذّر في تقرير له من أنَّ "حدّة الانكماش قد تكون كبيرة للغاية، وأنَّ مسار الخروج قد يستغرق وقتاً طويلاً"، لأنَّ صدمات العرض الناجمة عن العقوبات من غير المرجح أن تتلاشى بسرعة.
اقرأ المزيد: أمريكا تتوقع تحركاً لحمل روسيا على سداد تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا
من المنتظر أن يصدر البنك المركزي توقُّعاته المحدثة بعد اجتماع تحديد سعر الفائدة في 29 أبريل، علماً أنَّ توقُّعات إدارة الأبحاث لا تتوافق دائماً مع التوقُّعات الرسمية. لكنَّ استطلاع البنك للمحللين الذي صدر يوم الخميس، وجد أنَّ توقُّعات الانكماش هذا العام ساءت إلى 9.2%، في حين من المتوقَّع أن يصل التضخم إلى 22% بنهاية عام 2022.
اقرأ أيضاً: المملكة المتحدة تحظر الكافيار والماس الروسي
توقعات متناقضة
تتناقض توقُّعات التقرير المستقبلية مع توقُّعات الكرملين المتفائلة والقائلة إنَّ روسيا صمدت أمام أشد العقوبات، وإنَّ اقتصادها سيخرج بشكل أقوى. فقد تنبأ التقرير بعودة بعض الظواهر التي عاشها الروس آخر مرة خلال اضطرابات التسعينيات.
قال قسم الأبحاث: "إنَّ الركود الحالي الذي يتسم بطبيعة هيكلية وتحولية، سيكون أكبر من حيث الحجم وطول مدته في كل السيناريوهات" مقارنة بالركود السابق الذي تسبّبت فيه إغلاقات "كوفيد-19" في عام 2020. وأضاف أنَّ انسحاب مئات الشركات العالمية من روسيا، من المرجح أن يكون له تأثير أكبر من العقوبات المباشرة.
يقول سكوت جونسون، الخبير في الاقتصاد الروسي لدى "بلومبرغ إيكونوميكس": "ستتلاشى صدمات العقوبات في نهاية المطاف، لكنَّ الانتعاش سيكون بطيئاً بشكل مؤلم ما لم يتم رفع العقوبات. من المحتمل أن تكون بعض الأضرار التي لحقت بقدرة روسيا الإنتاجية دائمة، وقد يؤدي ذلك إلى إبقاء الإنتاج أدنى من ذروته قبل الحرب حتى وقت لاحق من هذا العقد".
في الوقت الحالي، يظهر التباطؤ بشكل رئيسي في استطلاعات رأي الشركات، إذ لم تُستنفد بعد مخزونات ما قبل غزو 24 فبراير.
لكن، وبحسب التقرير؛ فإنَّ هذا الهدوء لن يستمر، فقد انعكست عقوبات هذا العام على سلاسل التوريد، في وقت تتزاحم فيه الشركات الروسية لتعويض المكوّنات التي لم تعد متوفّرة. وبمرور الوقت؛ ستصبح الآلات والمعدات بالية بسبب نقص قطع الغيار، الأمر الذي سيقلل الكفاءة.
عودة تجارة "الشنطة"
وفقاً للتقرير؛ سيترتب على تباطؤ الأعمال، انخفاض الطلب، وتقلّص الوظائف، وتراجع الإيرادات، الأمر الذي يزيد من ضعف الاقتصاد. ومن غير المرجح أن يرتفع الإنتاج المحلي ليحل محل الناتج المفقود في هذه المرحلة. كما ستتحول الواردات، لا سيما واردات السلع الاستهلاكية، إلى "التجارة المكوكية"، أو "تجارة الشنطة" التي شهدتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، عندما كان يسافر الروس بشكل جماعي إلى الصين وتركيا والأسواق الأخرى لجلب البضائع وبيعها في الأسواق المفتوحة.
يرى التقرير أنَّ "أحجام الشراء الصغيرة واللوجستيات المعقدة، ستجعل تلك الواردات أكثر تكلفة، وستعني أنَّه سيكون من المستحيل استبدال المورّدين التقليديين".
وفقاً للتقرير؛ "سيتسارع التضخم حتماً بشكل مؤقت". وأضاف أنَّ أسوأ انكماش في الإنتاج والإيرادات والوظائف، "من المرجح أن يحدث تقريباً بحلول نهاية عام 2022".
بعد ذلك، ستبدأ حقبة من "التخلف الصناعي" تمتد سنوات عدة، تبحث فيها الشركات عن بدائل للتقنيات التي حجبتها العقوبات. وذكر التقرير أنَّ "الكفاءة التكنولوجية والاقتصادية للمعدات المنتِجة، ستكون أقل من تلك الحالية". كذلك؛ ستنخفض المعايير البيئية مع تزايد الانبعاثات والنفايات.
في نهاية المطاف، ستجر عملية التأقلم "التوازن والتنمية إلى قاعدة جديدة أقل تقدّماً من الناحية التكنولوجية"، وفقاً للتقرير، الذي أشار إلى أنَّه ليس من الممكن حتى الآن، تحديد ما إذا كانت معدلات النمو المحتملة في روسيا - حوالي 2% سنوياً على مدار العقد الماضي - سترتفع أو تنخفض نتيجة لذلك.