الثابت الوحيد مؤخراً بالنسبة لعملة بتكوين هو هبوط ثم هبوط ثم هبوط، حيث تلاحقت صفقات البيع عليها بسرعة قصوى.
مع اعتزام بنك الاحتياطي الفيدرالي سحب برامج التحفيز من الأسواق، تعرضت الأصول عالية المخاطر للمعاناة في مختلف أنحاء العالم.
خسرت بتكوين، أكبر الأصول الرقمية، أكثر من 12% من قيمتها أمس الجمعة، منخفضة إلى أقل من 36 ألف دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ شهر يوليو الماضي. وفقدت العملة ما يزيد على 45% من قيمتها من ذروة ارتفاعها في نوفمبر 2021.
عانت العملات الرقمية الأخرى هبوطاً بنفس الدرجة، إن لم يكن أكثر، فعملة "إيثريوم" وعملات "الميم" أيضاً غارقة في مستنقعات مماثلة.
انهيار بتكوين منذ أعلى مستوى بلغته في نوفمبر، محا ما يزيد على 600 مليار دولار من قيمتها السوقية، مع خسارة أكثر من تريليون دولار من إجمالي سوق العملات المشفرة.
يُعدّ ذلك أكبر تدهور في قيمة بتكوين وإجمالي سوق العملات المشفرة المقومة بالدولار في تاريخها، رغم أنها شهدت قبل ذلك حالات انهيار أعلى من حيث النسبة المئوية، وفقاً لشركة "بيسبوك إنفستمنت غروب".
كتب محللو "بيسبوك" في مذكرة: "أن ذلك يعطينا فكرة عن حجم القيمة التي تلاشت، والتي قد لا تكشف عنها النسبة المئوية. وبطبيعة الحال، تتعرض العملات المشفرة لمخاطر هذا النوع من البيع الكثيف على خلفية طبيعتها المتقلبة تاريخياً، غير أن هذه التقلبات تستحق التفكير من حيث قيمتها الدولارية ونسبتها المئوية في ضوء الحجم الذي بلغته القيمة السوقية لسوق التشفير".
مخططات الفيدرالي
تهز نوايا بنك الاحتياطي الفيدرالي أوضاع الأسهم والعملات المشفرة، ولذلك ظهرت فكرة مهيمنة في مجال الأصول الرقمية، مفادها أن العملات المشفرة شهدت تقلبات في قيمتها تقريباً بنفس الدرجة في أسواق الأسهم.
قال ستيفان ووليت، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك في منصة تداول العملات المشفرة للمؤسسات "إف آر إن تي فايننشال" (FRNT Financial): "إن العملات المشفرة تستجيب لنفس نوعية الديناميكيات التي تضغط حالياً على الأصول عالية المخاطر عالمياً. ولسوء الحظ، بالنسبة إلى بعض المشاريع الناضجة والمكتملة مثل بتكوين، فإنها ترتبط ارتباطات واسعة داخل فئة الأصول المشفرة، مما يجعل انخفاض قيمة هذه الأصول شبه يقيني على الأقل لفترة مؤقتة، فنشهد تراجعاً في قيمة مجموعة العملات البديلة الأخرى بشكل عام".
انخفضت أسعار الأسهم التي ترتكز على سوق العملات المشفرة يوم الجمعة، مع خسارة أسهم "كوين بيس غلوبال" نحو 16% من قيمتها وتراجعها إلى أدنى مستوى منذ بدء تداولها العام في ربيع 2021، وفقاً بيانات "بلومبرغ".
وهبطت أسهم "مايكرو ستراتيجي" بنسبة 18%، بينما قالت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية إن الشركة لا يحق لها حذف التقلبات العنيفة لعملة بتكوين من البيانات المحاسبية غير الرسمية التي تروجها وسط المستثمرين.
ما تمتلكه شركة برمجيات المؤسسات من عملة بتكوين جعل من حركة سهمها مؤشراً على أداء الأصول الرقمية من الناحية الفعلية.
في نفس الوقت، تستعد إدارة بايدن لإصدار استراتيجية حكومية مبدئية شاملة للأصول الرقمية بحلول الشهر القادم، وتكليف الأجهزة الفيدرالية بتقييم الفرص والمخاطر التي تنطوي عليها هذه الأصول، وفق تصريحات مصادر مطلعة.
أنتوني ترينشيف، المؤسس المشارك والشريك الإداري في شركة "نيكسو" (Nexo)، يذكر ارتباط بتكوين مع مؤشر "ناسداك 100" الذي يتسم بارتفاع الوزن النسبي لأسهم التكنولوجيا، والذي يقترب حالياً من أعلى مستوى له في عشر سنوات.
قال ترينشيف: "تتعرض بتكوين لأضرار بسبب موجة من مشاعر تجنب المخاطرة. ومن يريد دلائل إضافية عليه أن يراقب الأسواق التقليدية. إن الخوف والقلق واضح وملموس وسط المستثمرين".
بالنظر أيضاً إلى معامل الارتباط بين عملة بتكوين وصندوق مؤشرات "إيه آر كيه إنوفيشين" الذي يتبع كاثي وودز (ARK Innovation ETF)، أو الطفل المدلل في زمن الجائحة الذي عرف بالإقبال الشديد على المخاطرة. يصل هذا المعامل إلى نحو 60% منذ بداية العام، مقابل نحو 14% ارتباطاً مع أسعار الذهب، وفق حسابات "كاتي ستوك تون"، وهي مؤسسة وشريكة إدارية في شركة "فيرليد ستراتيجيز" للأبحاث التي تركز على التحليل الفني.
أضافت ستوك تون: "إن هذا الارتباط يذكرنا بتصنيف عملة بتكوين والعملات المشفرة البديلة كأصول مخاطرة لا ملاذات آمنة".
تصفية مراكز
في الوقت نفسه، أغلق أكثر من 239 ألف متعامل مراكزهم الاستثمارية على مدى 24 ساعة ماضية، وقد بلغ إجمالي تسييل المحافظ نحو 874 مليون دولار أمريكي، وفق بيانات صادرة عن منصة "كوين غلاس" المتخصصة في معلومات وتداول العقود الآجلة على العملات المشفرة.
قالت نويل أشيسون، رئيسة تحليلات السوق لدى شركة "جينسيس غلوبال تريدينغ"، رغم صعود عمليات تسييل وتصفية الاستثمارات، تنخفض هذه الأرقام نسبياً مقارنة مع فترات الهبوط السابقة.
توضح أشيسون أن معامل الالتواء لمدة أسبوع في عملة بتكوين، الذي يقارن تكلفة خيارات التشاؤم مع تكلفة خيارات التفاؤل، ارتفع إلى ما يقرب من 15% يوم الأربعاء مقارنة مع متوسط يبلغ نحو 6% في الأيام السبعة السابقة.
قالت أشيسون: "يبرز ذلك التطور قفزة في مشاعر التشاؤم، التي تتسق مع الاضطرابات العامة للسوق على خلفية حالة عدم اليقين الراهنة في الاقتصاد الكلي".
كارا ميرفي، رئيسة شؤون الاستثمار لدى شركة "كيسترا إنفستمنت مانجمنت"، قالت إن العملات المشفرة لها حياتها الخاصة، غير أن الأزمة الأخيرة أزمة منطقية.
أضافت أن: "هذه الأزمة مفهومة لأن الناس يبدؤون في إعادة تنظيم مراكزهم بقدر ما، والبحث عن شيء أكثر صلابة وتماسكاً بقليل، إنهم سيخرجون من سوق العملات المشفرة. وعلى هامش ذلك، ستعاني الأصول المشفرة على خلفية تحول الجميع إلى تجنب المخاطرة".