حدثت اختناقات في سلاسل التوريد مع استئناف الطلب ونقص حاويات الشحن بمجرد بدء موسم التسوق في منطقة أمريكا الشمالية، وهو ما ساهم في تراجع تقديرات المحللين لموسم إعلان الشركات عن نتائج الأرباح القادم.
يتوقع عدد من المحللين نهاية أزمة اختناق الإمدادات خلال العام الجاري، حيث تؤدي أزمة نقص الطاقة إلى وجود مخاوف من حدوث التضخم. كما يسود الحذر في قطاعات أشباه الموصلات وتجارة التجزئة والمواد الخام.
قال جورج بول، رئيس مجلس إدارة شركة الاستثمار "ساندرز موريس هاريس" التي تتخذ من هيوستن مقرا لها: "ستبقى مشكلات سلسلة التوريد لفترة، مما سيسفر عن صعود في الأسعار على نحو كبير، مما سيؤدي إلى وقوع اضطرابات هائلة في أنحاء متفرقة من الأسواق التي لا يتوقعها أحد".
أضاف: "ستجد جميع قطاعات الاقتصاد تقريباً، التي لا تعتبر قطاع خدمات خالص أو تقودها التكنولوجيا كلياً، صعوبة في مواجهة مشكلات سلاسل التوريد لمدة زمنية طويلة".
نستعرض فيما يلي بعضا من هذه التحديات بجانب الفرص المتاحة التي رصدها مستثمرو قطاعات أساسية قبل موسم الإعلان عن الأرباح:
أشباه الموصلات
على صعيد قطاع أشباه الموصلات، من المتوقع أن يحدث فقدان لمزيد من سعة الإنتاج مع حلول الفترة الأخيرة من عام 2022 جراء إغلاق المصانع والفترات الزمنية الأطول التي يتطلبها التسليم. ومن المحتمل أن تقود أزمة نقص الطاقة في الصين الموقف إلى مزيد من التدهور حيث إنها تنفذ عمليات إغلاق لمصانع.
بالرغم من ذلك، فإن استئناف العمل في مراكز أخرى على غرار دولة ماليزيا، من المحتمل أن تتراجع القدرة على الاستمرار في رفع أسعار بعض الشركات بصفة خاصة، عندما تزيد تكاليف مدخلات الإنتاج مثل مادة السيليكون.
بلغت أسعار الرقائق الإلكترونية الخاصة بذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية (DRAM) والذاكرة الوميضية (NAND) على ما يبدو ذروتها بالفعل، وشهدت توقعات الأرباح المستقبلية لمدة عام تقلبات أو تراجعات للشركات العملاقة في قطاع تصنيع الرقائق مثل شركات "سامسونغ إلكترونيكس ليمتد" و"مايكرون تكنولوجي إنك" و"إنتل كورب" على مدى الشهرين الأخيرين. هبطت أسعار الأسهم بنحو 20% أو يزيد من أعلى مستوياتها في الآونة الأخيرة.
من جهته، قال كريستوفر رولاند، المحلل في شركة "سسكويهانا"(Susquehanna): "بالرغم من أن العديد منهم سجل ارتفاعا في العائدات بلغت مستويات قياسية، إلا أن الأسهم لم تكن على نفس المستوي". تابع: "يدل ذلك على أن جزءا من هذا الفزع، خلال هذه المرحلة، يرتد إلى الأسهم على نطاق أوسع".
خسائر السيارات
ساهم نقص إمدادات الرقائق الإلكترونية أيضاً في إحداث خسائر لمبيعات شركات تصنيع السيارات والمقدرة بنحو 210 مليارات دولار خلال العام الجاري. أعلنت كثير من الشركات عن تراجع في إيرادات الربع الثالث من العام الجاري، والتي ساءت جراء عوائق الشحن وازدحام الموانئ. ورغم ذلك، ومع توثيق مشكلات القطاع بطريقة متقنة، إلا أن بعض المحللين يرى أن جل الأمور السلبية قد أثرت بالفعل على حركة الأسعار.
توقع محللون في شركة "مورغان ستانلي" ومن بينهم آدم جوناس يوم الأربعاء الماضي، أن الربع الثالث ربما يكون منخفضاً من ناحية معدل إنتاج المركبات في الولايات المتحدة بالرغم من أنه من المحتمل أن يكون لديهم انخفاضات متعددة توجيهية من قبل موردين.
أضافوا: "بيد أن التراجع في عملية الإنتاج وصل تأثيره إلى النهاية، لذلك لا يجب الشعور بالمفاجأة عن مشاهدة المستثمرين وهم ينفذون عمليات شراء في ظل تراجع الرقائق الإلكترونية خلال الربع الثالث".
صعد مؤشر مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال لشركات السيارات ومكونات التصنيع في جميع دول العالم إلى أعلى مستوى في غضون سبعة أشهر تقريبا أمام السوق ذي النطاق الأوسع منذ أواخر شهر أغسطس الماضي.
تتعامل شركات صناعة السيارات من أمثال شركتي "تسلا إنك" و"تويوتا موتور كورب" مع العجز في الرقائق بطريقة أفضل بالمقارنة بغيرها، حيث أعلنت شركة صناعة السيارات اليابانية عن ارتفاع بنسبة 1.4% في مبيعات سياراتها خلال الربع السنوي الأخير.
قالت "تينيك فريكي"، رئيسة قسم أبحاث الأسهم البريطانية في شركة "ويفيرتون إنفستمنت مانجمنت" (Waverton Investment Management): "استغلت شركة تويوتا إمداداتها من الرقائق الإلكترونية بطريقة جيدة للغاية إلى الآن لأنهم سلكوا نهجا مختلفا في التعامل فيما يتعلق بعلاقات الموردين، وذلك بعد حادثة وقوع زلزال في وقت سابق من العام الجاري أسفر عن وقف عمليات الإنتاج".
تجارة التجزئة
يقدم التراجع بنسبة 65% في سعر أسهم شركة بيد باث آند بيوند إنك "Bed Bath & Beyond Inc"منذ مطلع شهر يونيو مثالاً على طبيعة المشكلات التي تواجه شركات تجارة التجزئة في جميع أنحاء العالم، في ظل تعدد النقاط التي تشهد اختناقاً في سلاسل التوريد الخاصة بهم، مثلما يحتاجون لرفع مخزوناتهم في أهم توقيت خلال العام. يأتي مؤشر القطاع متأخراً عن السوق ذات النطاق الأوسع بما يفوق 7 نقاط مئوية خلال النصف الجاري، حيث قلصت شركات توقعاتها لمستوى المبيعات وكذلك معدل الربحية.
أكدت كريستينا فرنانديز، وهي محللة في في شركة "تيلسي أدفيسوري غروب" (Telsey Advisory Group)، أن التحديات ستؤثر "بشكل طفيف" على هوامش الأرباح خلال الربع الثالث من العام الجاري، وستوثر بدرجة أشد أهمية خلال الربع الأخير، الذي يوافق موسم عطلات الأعياد.
تزيد عمليات إغلاق المصانع من صعوبة الأمر. خفضت شركة نايكي من تقديرات المبيعات الخاصة بها في أواخر شهر سبتمبر الماضي جراء الإغلاق المفروض في فيتنام، حيث يرحل عشرات الآلاف من العمال في الوقت الحالي عن موقع المصنع الأساسي. وتصنع شركات "ديكيرس اوتدور كورب" و"سكيتشرز يو أس أيه" و"أديداس أيه جي" و"أندر أرمور إنك" ما يصل إلى ربع إنتاجها على الأقل داخل فيتنام، وذلك بحسب ما ذكره المحلل في شركة "ويدباش سيكيوريتس" (Wedbush Securities) توم نيكيك.
كتب نيكيك في رسالة يوم الاثنين الماضي: "رغم ذلك، هبطت الأسهم الأكثر تأثراً بنسبة تقريبية تصل إلى 20% في المتوسط منذ منتصف شهر أغسطس الماضي، لذلك نعتقد أن المستثمرين استوعبوا معظم هذه المشكلات".
مشكلات المواد الخام
يزداد الوضع سوءاً بالنسبة لهامش الأرباح في ظل أزمة نقص المعروض داخل قطاع السلع الأساسية، وهو ما يسفر عن صعود في تكاليف المواد الخام للشركات التي تواجه فعليا مصاعب لوجستية.
قال زيكاي تشين، رئيس قسم الأسهم الآسيوية في صندوق استثمار "بي إن بي باريبا أسيت مانجمنت" (BNP Paribas Asset Management): "سيأتي الاضطراب المقبل في ميزان العرض والطلب من جهة الطاقة". تابع: "من المحتمل أن نشاهد مشكلات إضافية على صعيد لإمدادات في حال أصبحت إجراءات ترشيد استهلاك الطاقة أكثر شيوعاً ".
بدأ مؤشر مراجعة الأرباح العالمي التابع لشركة "سيتي غروب" - وهو مؤشر يرصد توقعات المحللين - بعد أن جرى طرح تراجعات توقعات معدلات الأرباح منه - يهبط باتجاه المنطقة السالبة بعد أن حقق أعلى مستوى له على الإطلاق في شهر مايو الماضي.
صعدت أسعار القطن مقتربة من ارتفاع جديد لأعلى مستوياتها خلال عقد يوم الخميس، في حين أدت سياسات التخلص من الكربون التي تبنتها الصين والهند إلى وجود أزمة حادة في المعروض من الفحم بجانب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا على نحو كبير.
على الرغم من ذلك، قال ويليم سيلز، كبير مسؤولي استثمار قطاع الخدمات المصرفية الخاصة وإدارة الثروات في شركة "أتش أس بي سي هولدينغز بي إل سي"، إن أزمة النقص في الطاقة وزيادة أسعار خام النفط من المفترض أن يكون لهما أثر إيجابي على منتجي الطاقة النظيفة، والمركبات الكهربائية، وقطاع البطاريات، علاوة على سلاسل الإمدادات الخاصة بالطاقة النظيفة بأسرها.
حركة تصحيحية
من المتوقع أن تتعامل الشركات الصناعية وشركات البناء بحذر مع مشكلات سلاسل التوريد مع انطلاق عمليات الإعلان عن نتائج الأرباح للربع الثالث في وقت لاحق من الشهر الجاري. وتواجه الأسواق المركزية الكبرى وشركات السلع الاستهلاكية وصولا إلى شركات التجارة الإلكترونية عجزا في عدد سائقي الشاحنات في مناطق متفرقة من العالم.
ولا تزال شركات الشحن تواجه عجزا في عدد حاويات شحن البضائع المتاحة سواء كان ذلك على صعيد المكان الملائم أو السعر الملائم.
قال ساندرز موريس هاريس بول: "كانت القطاعات الأوسع نطاقا، مثل قطاع الأغذية وقطاع البناء بدون أضرار تذكر، وهي حالياً معرضة لحدوث مزيد من الحركات التصحيحية التي تعكس المخاطر".