بعد عام من العزلة والإغلاق، تبدو أربعة أشهر على متن السفينة اختياراً جيداً جداً للترفيه عن عشاق الرحلات البحرية.
واستشرت جائحة كوفيد-19 في يوليو عندما فتحت شركة "فايكينغ أوشن كروزس" (Viking Ocean Cruises) الحجوزات لخط سير رحلة بحرية عالمية مدتها 136 يوماً. أما بالنسبة لرحلات عيد الميلاد لعام 2021 فقد نفدت في غضون أسابيع. وفي خضم الموجة الثانية في شهر ديسمبر، افتتحت الشركة رحلة بحرية ثانية لنفس الفترة؛ حيث نفدت بطاقاتها بسرعة أيضاً.
لم تواجه الشركة أية مشكلة في ملء اثنتين من سفنها المتطابقتين تقريباً والتي يبلغ عدد ركابهما 930 راكباً، وهما "فايكينغ ستار" (Viking Star) و"فايكينغ نيبتون" (Viking Neptune)، وذلك على الرغم من أن حدود العديد من البلدان العشرين التي تخطط لزيارتها ما تزال مغلقة إلى حد كبير أمام الزوار الدوليين. وفي الواقع، كانت الكبائن الوحيدة التي لم يتم بيعها هي تلك التي أغلقت بسبب احتياجات الحجر الصحي المحتمل؛ حيث تندفع الشركة الآن نحو وضع مسار إضافي حول العالم بدءاً من عام 2023.
رحلات باهظة الثمن
ويقول "ريتشارد مارنيل"، نائب الرئيس التنفيذي للتسويق في "فايكينغ": "نتطلع إلى فتح الفرصة التالية بأسرع ما يمكن، فانظروا إلى هذه المساحة!"
وعلى الرغم من الصعوبات الأليمة التي شهدتها صناعة الرحلات البحرية خلال العام الماضي -أو ربما بسببها- فإن التذاكر الأكثر سخونة على العديد من خطوط الرحلات البحرية هي تلك التي تُعد باهظة الثمن، والخاصة بالجولات العالمية متعددة الأشهر المخطط لها أن تتم بعد عام أو أكثر.
وهذه الحجوزات، التي يمكن أن تكلف من حوالي 50,000 دولار لكل زوجين في الغرف العادية إلى مئات الآلاف من الدولارات في الأجنحة من الدرجة الأولى، تُمثل بصيص أمل نادر لصناعة تكبدت أكثر من 30 مليار دولار من الخسائر وما تزال مثقلة بعدم اليقين. والجدير بالذكر أن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ترى حالياً أن الرحلات البحرية تُشكّل "مستوى مرتفعاً جداً" من مخاطر كوفيد-19، وتوصي المسافرين بتجنبها في جميع أنحاء العالم. وقد ألغت حتى الآن معظم الخطوط الإبحار حتى يونيو، ويبدو هذا الجدول الزمني متفائلاً.
و"الفايكينغ" ليست الشركة الوحيدة التي لديها خطط كبيرة لمستقبل بعيد إلى حد ما. وفي 27 يناير، فتحت "أوشينيا كروسز" (Oceania Cruises) المبيعات للجمهور من أجل رحلة "حول العالم في 180 يوماً" لعام 2023، والتي ستصل إلى خمس قارات، بما في ذلك القارة القطبية الجنوبية؛ كما نفدت بطاقات شركة الرحلات الراقية لسفينة بسعة 684 راكباً في يوم واحد.
وفي هذا السياق، باعت شركة "سي بورن" (Seabourn) من جانبها جميع الأجنحة رفيعة المستوى في رحلتين عالميتين على متن "سي بورن سوجورن" (Seabourn Sojourn) بسعة 450 راكباً، حيث دفع الأزواج ما يصل إلى نصف مليون دولار للرحلات البحرية التي تستغرق خمسة أشهر بدءاً من عامي 2022 و2023. ونتيجة كثرة الطلب، فتحت الشركة مؤخراً قوائم الانتظار.
لماذا الآن؟
هناك العديد من العوامل التي تقود هذا الاتجاه، بدءاً من حمى المقصورات، وصولاً إلى العروض المواتية، ووعد اللقاحات للفئات الديموغرافيات الأساسية الأكبر سناً في الرحلات البحرية.
بغض النظر عن أسمائها، لا تدور الرحلات البحرية حول العالم بالضرورة. ولكن يبدو أن محبي الرحلات البحرية ظلوا عالقين في المنزل منذ مارس 2020 وهم متفائلون برؤية أكبر قدر ممكن من العالم في ضربة واحدة؛ بما في ذلك الوجهات التي يصعب الوصول إليها مثل جزيرة إيستر، أو بورا بورا، أو جزر سيشل. ولنأخذ على سبيل المثال أحدث خط سير لرحلة "سيلفرسي" (Silversea)؛ فعند إبحارها في عام 2022، سيقضي الركاب أول "رحلة استكشافية عالمية" على الإطلاق على مدار 167 يوماً في رحلة من أوشوايا بالأرجنتين إلى ترومسو بالنرويج -أي من القطب إلى القطب تقريباً.
وفي هذا الصدد، يقول "ماثيو أبتشيرش"، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "فيرتوسو" (Virtuoso)، وهي شبكة مستشاري السفر الفاخر، إن الطلب المكبوت و"إعادة ترتيب أولويات أهداف الحياة" يلعبان دوراً كبيراً هنا. وبالإضافة إلى الرحلات البحرية العالمية، التي تتم عادةً خلال فصل الشتاء حتى الربيع، فإن الإبحار الأطول لعدة أسابيع أو أشهر يجذب اهتماماً أكثر مما كان عليه قبل الجائحة. ويقول "أبتشيرش":
هناك توق للفرص الضائعة خلال العام الماضي، ورغبة قوية في الاستفادة من رؤية العالم بينما يمكنهم ذلك؛ فعند حرمانك من شيء ما، فإنك تُدرك قيمته الحقيقية وتقدره
أرصدة إضافية وخدمات مجانية
قد تلعب عروض القيمة الأخرى دوراً أيضاً. وبالنسبة إلى محبي الرحلات البحرية الذين اضطروا إلى إلغاء رحلة واحدة أو عدة رحلات في عام 2020، تظهر هذه المسارات التي تحدث مرة واحدة في العمر كطريقة جيدة للاستفادة من رصيدهم. وخلال الـ12 شهراً الماضية، شجعت خطوط الرحلات البحرية المسافرين على عدم السعي لاسترداد أموالهم من خلال تقديم 10% إلى 25% قيمة مضافة في شكل "أرصدة إضافية"، والتي يجب استبدالها في بعض الخطوط بحلول أبريل 2022.
كما تعمل خطوط الرحلات البحرية أيضاً على تكثيف العروض المجانية لكبار الشخصيات التي تقدمها للضيوف على المدى الطويل، مثل غسيل الملابس الجاف المجاني، وخدمة الواي فاي، وخدمات التأشيرات. وللمساعدة في تأمين إشغال السفن لفترة طويلة وضمان الدخل في ميزانياتها العمومية ذات الرصيد السلبي، فإن الشركات تضيف حفلات فخمة قبل المغادرة، وتذاكر سفر درجة رجال الأعمال، وآلاف الدولارات في رصيد الإنفاق على متن السفينة.
حجة للسلامة
"ليندا وايزمان" وزوجها "مارتي"، جرّاح العظام المتقاعد، هما من بين الأشخاص المتحمسين للعودة إلى البحر؛ حيث اعتاد الزوجان على الهرب من درجات الحرارة الباردة في ميشيغان و"قضاء فصل الشتاء" في رحلات "كونارد" (Cunard) العالمية لأربع عشرة مرة –حيث أقاما دائماً في إحدى أرقى أجنحة "كوينز غريل" (Queen’s Grill) وأنفقا ملايين الدولارات في هذه العملية. وهما يُخططان للقيام بنزهة عالمية أخرى لمدة أربعة أشهر على متن "كوين ماري 2" (Queen Mary 2) في عام 2022.
وتقول ليندا: "أفتقد الناس، والخدمة، وأن يتم الاهتمام بي ورعايتي مثل الملكات على مدار الأربع والعشرين ساعة وطوال أيام الأسبوع، وسؤالي هل ترغبين في تناول القواقع الليلة؟"
بعد الجائحة، سيتعين على الركاب التعامل مع بعض المخاوف الخطيرة، بما في ذلك تواتر تفشي المرض على السفن التي وعدت بتعزيز بروتوكولات كوفيد-19 في الصيف والخريف الماضيين. وعلى الرغم من هذه العناوين الرئيسية، يقول "مارنيل" من شركة "فايكينغ" إن محبي الرحلات البحرية العالمية سيستفيدون من "بيئة ثابتة" آمنة يمكن للمسافرين أن يشعروا فيها بالراحة في التسكع لفترة طويلة. ومثل الخطوط البحرية الأخرى، تم تجهيز سفن شركته بمختبرات لإجراء اختبارات فيروس كورونا "بي سي آر" (PCR) المتكررة وأنظمة تنقية الهواء الجديدة، من بين تدابير أخرى.
ومع ذلك، تظل سلامة الزيارات الشاطئية علامة استفهام تلوح في الأفق -لا سيما في البلدان التي لم يبدأ فيها التطعيم بعد بأي شكل من الأشكال. وفي حين تعمل شركات الرحلات البحرية بشكل عام على خطط لضمان السلامة في هذه المرافئ، فإن الطبيعة المتغيرة بسرعة لتوصيات السفر والمهلة الطويلة قبل استئناف مسارات الرحلات تعني أن هذه التفاصيل لم يتم التصريح عنها على نطاق واسع.
الموضوع بعيد عن الضمانات
لكي تنفذ شركات الرحلات البحرية هذه الخطط، ستحتاج إلى أن تحدث العديد من الاشياء. ومن المقرر أن تبحر رحلة "الفايكينغ" البحرية في ديسمبر 2021 إلى 56 ميناء في 27 دولة، بما في ذلك مواقع في أمريكا الوسطى، وهاواي، وأستراليا، ونيوزيلندا، وآسيا، والشرق الأوسط، والبحر الأبيض المتوسط بأسعار تتراوح من 53,000 دولار إلى 166,000 دولار للفرد.
وسيتعين على الشركة، مثل الشركات الأخرى التي تقدم رحلات بحرية عالمية، أن تتعامل مع تعقيد متطلبات الدخول المتغيرة باستمرار وقواعد الحجر الصحي في عالم قد لا يصل إلى مناعة القطيع لسنوات.
ويقول "أبتشيرش" من شركة "فيرتوسو" إن المجهول المحيط باللوائح الحكومية سيجعل من الصعب على خطوط الرحلات البحرية تخطيط مسارات الرحلة؛ ويُضيف بأن "الاضطرار إلى تغيير المسار بمجرد أن تبدأ الرحلة ليس بالأمر العملي، فهو مكلف، ولا يُساعد على استعادة ثقة المستهلك".
تأمل مشغلة الرحلات البحرية أن كوفيد-19 لن يكون مشكلة بحلول الوقت الذي تبحر فيه هذه المسارات البعيدة؛ وفي حال استمرار إغلاق الحدود لفترة أطول من المتوقع، فقد يلزم تأجيل مسارات هذه الرحلات، تماماً مثل بقية تقويم الرحلات البحرية.
وما لا يريده أحد هو تكرار ما حدث في الشتاء الماضي؛ فمع انتشار كوفيد-19، كان لا بد من إلغاء الرحلات البحرية العالمية في منتصف الطريق، حيث أُرسل الركاب إلى منازلهم في رحلات مرتبة على عجل أو تقطعت بهم السبل على متن السفن. ومع ذلك، فإن إحدى النتائج لما حدث هي أن المسافرين أدركوا أن "لا شيء مضمون"، كما يقول "أبتشيرش".
وهذا ينطبق على الزوجان "وايزمان" من ميشيغان، حيث تعيّن عليهما حزم حقائبهما العشرة (ثمانية لـِ"ليندا") والعودة إلى الوطن من بيرث عندما قُطعت رحلتهما البحرية على متن "كوين ماري 2" في مارس الماضي. وهما يأملان في تحقيق الأفضل في عام 2022.
وتقول "ليندا": "في كل يوم، يظهر لنا على الفيسبوك تذكير بالمكان الذي كنا فيه في مثل هذا اليوم من العام الماضي؛ واليوم تحديداً ظهر لنا تذكير بأننا كنا في بالي، وهذا محبط بالفعل".