يحتدم الجدل بشأن مدى فاعلية القيود المفروضة على السفر، وتشديد الرقابة على الحدود، وعزل مزيد من الدول لمواطنيها، في وقف أو إبطاء انتشار فيروس كورونا المستجَدّ (Covid-19)، إذ يميل مسؤولو الصحة إلى رفض القيود المفروضة على حركة الأشخاص كونها غير فعالة في وقف انتشار المرض.
وتنطوي هذه التدابير، داخل الدول وبينها، على تكاليف اجتماعية واقتصادية ضخمة، مع أنها قيود يمكن أن تساعد على إبطاء انتشار المرض، وإعطاء السلطات الصحية الوقت للاستعداد لمواجهة تداعيات الوباء.
1. كيف قُيِّدت الحركة بين الدول؟
في البداية، حدَّت بعض الدول، كالولايات المتحدة وأستراليا واليابان وسنغافورة والفلبين، من دخول غير المواطنين الذين كانوا في برِّ الصين الرئيسي وغيرها من البؤر التي تفشَّى فيها المرض. وعاشت كثيرٌ من دول أوروبا حالة من الحظر، لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، فقد أعادت النمسا والمجر وجمهورية التشيك والدنمارك وبولندا وليتوانيا وألمانيا وإستونيا والبرتغال وإسبانيا، بالإضافة إلى الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل سويسرا والنرويج، عمليات التفتيش على الحدود لأول مرة منذ عام 1995.
وعلى الرغم من كونهم أعضاء في منطقة "شنغن" التي تضم ستاً وعشرين 26 دولة أوروبية، فقد ألغت جوازات السفر، وضوابط الهجرة على الحدود المشتركة الداخلية بعضها مع بعض.
وتم عزل إيطاليا، التي أصبحت أكبر مركز للوباء خارج الصين، بصورة متزايدة. وكذلك منعت الولايات المتحدة دخول معظم الرعايا الأجانب الذين كانوا في أوروبا القارية، ثم وسَّعت الحظر بعد أيام ليشمل المملكة المتحدة وأيرلندا.
وانضمت روسية والنرويج إلى أكثر من خمسين 50 دولة كانت تحظر دخول الأجانب، أو توقف رحلات الطيران، أو تطلب من المسافرين الحجر الصحي، في حين أوقفت الهند معظم التأشيرات.
2. ماذا عن الوضع داخل الدول؟
فرضت الصين الحجر الصحي الأكثر اتساعًا في التاريخ، استجابة لتبعات وباء فيروس كورونا المستجَد (Covid-19)، وحظي نجاحها الواضح في الحدِّ من تفشي المرض بالثناء، واجتذاب الآخرين ليحذوا حذوها.
وأثرت إجراءات الإغلاق والحجر على نحو 60 مليون شخص في مدينة ووهان، عندما بدأ تفشي المرض، وفي المدن المجاورة في مقاطعة هوبي أيضاً، مما سمح باحتواء الأشخاص إلى حدٍّ كبير في منازلهم داخل هذه المناطق.
وعلى الجانب الآخر، فرضت إسبانيا وفرنسا وإيطاليا قيوداً أغلقت هذه البلدان فعليَّاً، فقد تمَّ إغلاق جميع المتاجر باستثناء متاجر البقالة والصيدليات، وقلة من المتاجر الأخرى.
وأغلقت دول عدة المدارس والجامعات أيضاً، أو ألغوا المناسبات العامَّة، أو منعوا التجمُّعات، أو طالَبوا السكان بالتوقف عن السفر ممن لم يكن لديهم أي مبرر تجاري أو أمر متعلِّق بالصحّة.
3. ما الجانب السلبي لتقييد السفر؟
فضلاً عن تعطيل حركة التجارة بشكل عامٍّ، وما يتبعه من تضرر النمو الاقتصادي، يمكن أن يُعيق تقييد السفر تدفق المساعدات، والدعم الفني والسلع التي يحتاج الناس إليها.
وتعرض الاختناقات عند الحدود المغلقة داخل الاتحاد الأوروبي تسليم الأغذية والأدوية للخطر بشكل خاصٍّ، إذ قال لوبي رابطة المزارعين الإيطاليين "كولديريتي" إنَّ كثيراً من سائقي الشاحنات، يترددون في دخول دول أخرى لنقل الشحنات التي يحملونها خوفاً من عدم قدرتهم على العودة.
وقال برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز"، في فبراير: "إنَّ ثلث الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في الصين معرَّضون لخطر نفاد أدويتهم بسبب قيود السفر.
ويمكن أن تسهم القيود المفروضة على الحركة في وصم الأشخاص من المجتمعات المتأثرة بالأوبئة، وخلق شعور زائف بالأمن في المناطق التي لم تتأثر، مما يصرف المسؤولين عن اتخاذ تدابير أخرى.
وكذلك يمكن أن يكون الخوف من فرض قيود على التجارة والسفر على منطقة ما، قد دفع الحكومات إلى إخفاء تفشي المرض.
4. لماذا نجحت الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الصين؟
مع انخفاض عدد الحالات الجديدة في الصين، خلصت منظمة الصحّة العالمية في تقريرها الصادر في 28 فبراير، إلى أن "النهج الجريء" للبلاد، بما في ذلك إغلاق مدينة ووهان، "غيَّر مسار" الوباء.
ورجَّح مسؤولو منظمة الصحة العالمية، أنَّ الحجر الصحي الصارم في الصين، قد وفَّر لدول العالَم مدة زمنية من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع للاستعداد لمواجهة الفيروس، ومنع إصابة مئات الآلاف من الأشخاص بالمرض.
5. لماذا يشكِّك خبراء الصِّحَّة في جدوى هذه القيود؟
أظهرت الأدلة الخاصة بالأمراض المتفشية السابقة بشكل عام أن هذه القيود "غير فعَّالة في معظم الحالات"، وفق منظمة الصحة العالمية.
وخلصت مراجعة الدراسات التي نُشرت في عام 2014 إلى أن قيود السفر، منعت انتشار الإنفلونزا بفاعلية محدودة.
وتوصلت دراسة أخرى أُجريت في يناير إلى النتائج نفسها بالنسبة إلى مرَضَين آخرَين غير الإنفلونزا، وهما "الإيبولا"، ومتلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة "سارس"، وهما مرضان شأنهما شأن فيروس كورونا المستجَدّ (Covid-19)، وتسببهما فيروسات تنتمي إلى المجموعة التاجية.
ووجدت بعض الدراسات، أن قيود السفر، خصوصاً عند تنفيذها بسرعة، بإمكانها تأخير استيراد فيروس ما، أو تأخير الوصول إلى ذروة العدوى لمدة أيام أو أسابيع أو حتى شهرين، وهذا أمر يمنح السلطات الصحية بعض الوقت للتحضير لمنع تفشي المرض من خلال إعداد الاختبارات، وتدريب العاملين في المجال الطبي على سبيل المثال.
ونصحت منظمة الصحة العالمية، في تقريرها الصادر في 10 مارس 2020، أن التدابير التي اتُّخِذت لتقييد تحركات الناس في أثناء تفشي وباء كورونا، يجب أن تتناسب مع مخاطر الصحّة العامة، ومِن ثَمّ يجب أن تُنفَّذ تلك التدابير لمدة قصيرة، وتُراجَع بانتظام طبقاً لتوفر مزيد من المعلومات حول الفيروس.
6. هل الفحص الصحي على الحدود فعَّال؟
نصحت منظمة الصحة العالمية في 29 فبراير بأنَّ فحص درجة الحرارة في النقاط الحدودية "ليس وسيلة فعَّالة لوقف الانتشار الدولي".
ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أنَّ مراقبة الحمَّى قد تغفل تشخيص الركَّاب المصابين الذين لا يزالون في مرحلة الحضانة ،ولا يعانون من أعراض، أو أولئك الذين يحاولون إخفاء الأعراض عن طريق تناول الأدوية، بالإضافة إلى إمكانية تشخيص من يعانون من أمراض أخرى عن طريق الخطأ في أثناء إجراء هذه العملية، ومِن ثَمَّ توصي منظمة الصحّة العالمية بجمع الإفادات الصحية من الناس عند وصولهم، إذ يُطلَب من هؤلاء المسافرين عادةً ذكر أي أعراض مَرَضية، بالإضافة إلى الرحلات الأخيرة إلى البؤر الوبائية، وإعطاء رقم المقعد، وبيانات الاتصال في حالة ضرورة تتبع المسافرين لاحقًا.
7. ما تأثير ذلك على قطاع السفر؟
تلتمس شركات الطيران في أوروبا والولايات المتحدة الحصول على دعم الحكومة لمواجهة أكثر حالات التباطؤ وحشية في تاريخ الصناعة، فقد ارتفعت عمليات إلغاء الرحلات الجوية بشكل كبير، وتوقَّفت آلاف الطائرات، وأُغلقت مباني الركاب في المطارات، كما أنَّ معظم شركات النقل الدولية، أوقفت خدماتها عبر المحيط الأطلسي ورحلاتها إلى الصين، كما توقَّف السفر المحلي في أوروبا أيضاً .
وقال الاتحاد الدولي للنقل الجوي،" إنَّ القطاع قد يحتاج إلى 200 مليار دولار من الحكومات للتغلُّب على تداعيات الوباء، فضلاً عن تخلي شركات الطيران بالفعل عن آلاف الوظائف".
وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومات للحفاظ على إبقاء العدوى بعيدة عن شواطئها، تعاني شركات الرحلات البحرية، من بعض السفن العالقة مؤقتاً في البحر، كما أوقفت وحدة "برنسيس كروزيس" التابعة لشركة "كارنيفال كورب"، الرائدة في سوق النقل البحري، جميع عمليات الإبحار مدة شهرين، مما أثر على 18 سفينة.