في المرَّة الأخيرة التي عُرِض فيها "المرأة الخارقة" (Wonder Woman) على الشاشة الفضية، كانت البطلة تُنقذ العالم من أخيها غير الشقيق، أريس، بالإضافة لإنقاذ البشر من الغازات السامة التي يلقيها الألمان خلال الحرب العالمية الأولى، كل ذلك فيما العالم يقف على أعتاب جائحة الإنفلونزا في العام 1918.
ومن الملفتِ أن تعود الآن "المرأة الخارقة" مجددًا في ظل الجائحة التي نشهدها. ولو أنه كان عاما مختلفا، لكان فيلم "المرأة الخارقة 1984"، من إخراج باتي جينكينز وبطولة غال غادوت، والذي نال استحسان النقاد، قد لاقى إقبالًا شديدًا في دور العرض حول العالم. حيث كان فيلمها الأخير قد حقق 38.5 مليون دولار فقط في الأسبوع الأول من عرضه في الخارج.
ولكن، في حين تنقذ المرأة الخارقة العالم من على الشاشة، أصبحت نذير شؤمٍ غير متعمد على القطاع. حيث كان من المتوقع أن يُعرض الفيلم في الولايات المتحدة وكندا يوم عيد الميلاد، وذلك في حوالي ثلث عدد صالات السينما التي عُرضت فيها النسخة الأولى من السلسلة في 2017. كما أنه من المفترض في الوقت عينه، أن يعرض على شاشات التلفزيون بأكثر من 12 مليون منزل (وهو رقم يوازي عدد المشتركين الحاليين في "إتش بي أو ماكس"). وتخطط "وارنر بروز" التابعة لشركة "إيه تي آند تي" لإصدار كافة أفلامها لسنة 2021 بهذه الطريقة.
أصعب أزمات دور السينما في تاريخها
ويخاف أصحاب صالات العرض العديدة، من أن تقضي هذه الطريقة لعرض الأفلام على العروض الأولى في صالات السينما، حيث عادة ما تُعرض الأفلام الجديدة حصريا لفترة 90 يومًا تقريبًا في السينما. بينما إذا أُمكِنَ للناس مشاهدة الأفلام الكبيرة والمُرتقبة من منازلهم، فلن تعود الحاجة لإنفاق المزيد من المال للجلوس وسط عددٍ كبيرٍ من الناس منطقية بشكل كاف.
وترد استديوهات الإنتاج على ذلك بأنَّها لا تمتلك خيارًا غير تغيير الأعراف المتعلقة بالعروض الأولى، حيث إنَّ أفلامها التي تكلف إنتاجها مئات الملايين من الدولارات ستبقى دون عرضٍ بدون هذا الخيار. وهم أيضًا (خلف الكواليس)، سعداء بالاستفادة من الأزمة لتوسيع خدمات بث الأفلام عبر الإنترنت الخاصة بهم.
وقد دفع الاضطراب هذا العام ببعض النقاد والمستثمرين إلى تقبل التراجيديا المتمثلة بوفاة دور السينما، ولكن هذا ليس أمرًا صحيحًا تماما. فرغم تحذير شركة "AMC" المدرجة من الإفلاس، لا تزال العديد من دور السينما تمتلك ما يكفي من المال للاستمرار.
وفي أكثر من قرن من الزمان، لم تعايش الصناعة أزمة كهذه يومًا، وهو ما بات يجعل تطورها الحقيقي ممكنًا بل وضروريًا أيضًا. ولن يكون كافيًا لإحداث هذا التطوير تحديث المقاعد الجلوس، والتوسع في تقديم المشروبات، ورفع الأسعار.
هل هناك حلول للأزمة؟
يقول مارك زورادي، وهو الرئيس التنفيذي لـ"Cinemark holdings Inc"، إن مصير صالات عرض السينما يختلف بحسب كل حالةٍ على حدة. فمثلا فيلماً ناجحًا على غرار "Top Gun" من إنتاج "باراماونت بيكتشرز" سيحظى بفرصة عرضٍ حصرية في دور السينما وسيحتل 40 ألف شاشة في أمريكا في أسبوعه الأول. وفي المستقبل، من الممكن اعتماد عملية تسعيرٍ ديناميكية، حيث يواجه الجماهير أسعار تذاكر مرتفعة أو حتى مزادات على المقاعد في ليلة الافتتاح.
وبالنسبة للأفلام الأخرى، كأفلام الدراما الموجهة للراشدين والأفلام الكوميدية الرومانسية، فإنه قد يتم عرض بعض منها على الشاشة الكبيرة، في حين يتم توزيع البعض الآخر على دور السينما والمنازل في الوقت عينه.
ومن المحتمل أن يحلَّ ذلك النزاع مع "نتفلكس"، حيث تمَّت مقاطعة أفلامها من قبل دور العرض الكبيرة. وقد تكون الاشتراكات الشهرية التي تبيعها شركات مثل "MoviePass"، الشركة الناشئة المعروفة والتي تعثرت مؤخراً، محوراً أساسياً للتعافي. وبالإضافة إلى التسعيرة العادية، فإنَّ مسلسلات "تايغر كينغ" وحفلات تايلر سويفت قد تستقطب المشاهدين الذين يشترون حقوق مشاهدتها بالأسعار المخفضة.
أفكار مُبدعة للبقاء
وفي حين تقلل خدمات المشاهدة عبر الإنترنت من قيمة الأفلام التي تُشاهد بمواعيد معيَّنة ومحدودة، إلا أن هناك أدلة تشير إلى أنَّ دور العرض يمكن أن تنجح بجعل تجربتها أكثر تميزًا ومنافسة.
ففي أواخر 2019، قدّمت سينما "Alamo Drafthouse" في أوستن، عروضًا مبتكرة وشعبية للغاية خلال عرض فيلم (Cats) الذي لاقى انتقاداتٍ لاذعة، وكانت العروض تحفز الجمهور على الصراخ والضحك على القطط الظاهرة على الشاشة والتي تتمايل بواسطة الكمبيوتر. كما أن هذه الدار قدمت أيضًا طعامًا بجودة مماثلة للمطاعم، بالإضافة للمشروبات بأنواعها للزبائن.
واكتشفت "Alamo Drafthouse" أنَّ الزبائن يريدون استئجار صالات العرض بأكملها خلال جائحة كورونا بشكل خاص، وهي خدمة أصبحت تستأثر على 50% من إيراداتها الرئيسية في الوقت الحالي.
وتقول سينما "Cinemark" إنها باعت أكثر من 100 ألف حفلة عرض خاص، محققةً إيرادات بقيمة 10 ملايين دولار. وقد يكون من الأسهل حجز هذه الخدمة مستقبلًا.
ويقول تيم ليغ، مؤسس سينما "Alamo Drafthouse": "لم أعتبر يومًا أن مشاهدة الأفلام عبر الإنترنت بمثابة منافسٍ لنا". وأضاف: "نحن نُقدِّم تجربة خارج المنزل. إننا ننافس المطاعم والحانات والملاهي".
ورغم إخلاصهم المستجد للشاشة الصغيرة، لا تزال استديوهات الإنتاج تريد لدور السينما النجاح في معركة البقاء هذه. وتوصَّلت دراسة ممولة من القطاع أجرتها "أرنست أند يونغ" في أوائل العام الماضي إلى أنَّه كلما عُرضت الأفلام في دور السينما بشكلٍ حصري لفترةٍ أطول، كلَّما ولَّدت المزيد من المال خارجها.
وقد تتغير الاقتصاديات والأوقات، إلا أنه لا يمكن لمشاهدة الفيلم من على الكنبة منافسة مكبرات الصوت الضخمة، والصورة العالية الجودة، والفشار المقرمش المشبَّع بالزبدة.