هل تستطيع منتجعات إسبانيا صناعة حقبة جديد بعد إغلاقات كورونا؟

منتجعات أسبانيا بلا رواد - المصدر: بلومبرغ
منتجعات أسبانيا بلا رواد - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في غضون عشر سنوات أخرى، قد تختفي الحانات، والمقاهي، ومرافق السياحة الليلية الإسبانية التي ظهر جزء منها في سلسلة الصور الجديدة للمصور الفرنسي فرانسوا بروست تحت اسم "ديسكوتيكا" (Discoteca). وتقع هذه الأماكن التي تنتعش ليلاً على الشواطئ السياحية النامية بكثافة على الساحل الشرقي للبلاد، وهي التي شهدت تبخُّر حشودها المعتادة نتيجة جائحة فيروس كورونا في فصلَي الصيف والخريف. وكما تكشف صور بروست، فإنَّ رونق هذه الأماكن الباهتة لا يوحي بمستقبل مشرق حتى بعد انحسار الفيروس.

وكان بروست قد التقط صوراً فوتوغرافية للملاهي، والحانات الليلية الفارغة خلال رحلة قام بها بالسيارة من أليكانتي إلى الحدود الفرنسية هذا الخريف. وخلال أي عام عادي آخر، كانت هذه الأماكن مزدحمة طوال الصيف، في حين تظل مفتوحة حتى اللحظات الأخيرة من الموسم. إذ تمتلئ بالزوار الذين ينجذبون إلى هذا الساحل المشهور في أوروبا، المليء بسلسلة من مباني الفنادق الخرسانية، التي تحمل معها فرصاً لانهائية للحفلات، والسهرات المعقولة التكلفة.

المصور: فرانسو بروست
المصور: فرانسو بروست

وخلال مكالمة هاتفية مع "سيتي لاب" (CityLab)، قال المصور المقيم في باريس: "لقد أصيب الناس بالهلع في أماكن مثل بنيدورم، لأنَّ مدينتهم أصبحت مهجورة. فكل هذه الشوارع والنوادي الليلية والبارات باتت خالية تماماً. وفي الأماكن التي تكون عادة مزدحمة في موسم الذروة، لا يسمع بها الآن سوى زقزقة الطيور. ولذلك، اعتقدت أنه سيكون من المثير للاهتمام الاحتفاء بهذه الأماكن في الوقت الحالي، لأنَّه من غير المعروف ماذا سيحمل لها المستقبل في السنوات القليلة المقبلة؟".

وغالباً ما يركز بروست في عمله على تصوير المساحات الحضرية التي تمتاز بحسٍّ استثنائيٍّ وغريبٍ، مثل "الهندسة المعمارية المزدوجة" للمدن الصينية التي تمَّ بناؤها لتحاكي المدن الأوروبية، أو الواجهات الخارجية النابضة بالحياة للنوادي الليلية على جوانب الطرق. وفي مقاهي وحانات شواطئ إسبانيا، تلتقط كاميرته صوراً لأماكن قد تبدو مألوفة بشكل غريب حتى بالنسبة لسكان أمريكا الشمالية الذين لم يسبق لهم زيارة أوروبا. ويقول عن ذلك: "تحمل هذه الأماكن بعض السمات الأمريكية للغاية، فهي تُظهر ثقافة لاس فيغاس في إسبانيا، وقد تأثرت بشدة بثقافة المستهلك الأمريكي خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي."

إذ تجمع هذه الأماكن بين الأسمنت المطليِّ بألوان زاهية, والعلامات كبيرة الحجم المصممة، إذ يمكن قراءتها أثناء المرور بالسيارة، وبالتالي استخدمت هذه الأماكن التصميمات المستوردة من نظام استهلاكي مسترخ. إلا أنَّ ملصقات هذه الأندية الإسبانية وإعلاناتها التي تَعِد بمتعة كبير يمكن الوصول إليها بسهولة، تترك اليوم أثراً مؤلماً بعد أن تقشَّر الطلاء، واختفت الحشود، ولم يبقَ سوى الزخارف غير الساحرة.

المصور: فرانسو بروست
المصور: فرانسو بروست

وتمثِّل هذه الأماكن أيضاً جزءاً من الاقتصاد الإسباني الذي تضرَّر بشدة جراء الجائحة. وكانت إسبانيا قد عانت من موجة أولى سيئة من جائحة (كوفيد-19) في فصل الربيع وأوائل فصل الصيف. ثم عادت بعد ذلك للانفتاح والترحيب بالزوار الأوروبيين لموسم الصيف، ومع ذلك لاتزال السياحة تتدهور. فقد سجل المنتجع الرئيسي في مدينة بنيدورم، على سبيل المثال، انخفاضاً إجماليَّاً في حجوزات الفنادق بأكثر من 80٪ بالمقارنة مع عام 2019. وتعتمد هذه المنتجعات على عدد كبير من الزوار لجعل أسعارها المعقولة نسبياً قابلة للتطبيق، ولكن وبالنسبة للكثيرين منهم تحوَّلت قلة الزائرين في عام 2020 إلى تهديدٍ وجوديٍّ.

ومن جهة أخرى، ربما تكون الجائحة قد سرَّعت في عمليةٍ كانت قد بدأت بالفعل، وهو ما تحاول إيصاله صور "بروست" بطريقة إيحائية رمزية. إذ تبدو فيها هذه السواحل وأماكنها الترفيهية، كأنَّها لقطات من حقبة زمنية أخرى.

تصوير: فرانسوا بروست
تصوير: فرانسوا بروست

وكان قد تمَّ تطوير هذه المدن الشاطئية بسرعة وبتكلفة منخفضة بدءاً من الستينيات حتى الثمانينيات، لتستفيد من نوع جديد من أسواق السياحة الجماعية، إذ قدَّمت هذه الأماكن لسكان أوروبا الشمالية ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، وللمرة الأولى فرصة للاستمتاع بأشعة الشمس المتوسطية بتكلفة ممكنة. وغالباً ما كان يعني هذا اختيار المنتجعات المبنية من الخرسانة والزجاج، ليقضي فيها هؤلاء إجازاتهم بمعزل جزئي عن ثقافة البلد المضيف. وتَعِد الشركات السياحية العاملة على الشاطئ الزوار بوجبات إفطار بريطانية مقليَّة، وبيرة هولندية، وموسيقى هي نفسها التي تسمعها في بلادك. ولكن الأمربالنسبة للكثيرين ممن نشؤوا في عالم كان السفر فيه إلى مختلف الدول، وفرصة الحصول على سمرة جميلة خلال الصيف أيضاً، يقتصر على النخبة؛ فإنَّ هذه الأماكن لاتزال تقدم صيغة مغرية للمتعة والراحة.

تصوير: فرانسو بروست
تصوير: فرانسو بروست

والآن بدأت الحاجة التي كانت تقضيها هذه المنتجعات بالتغيُّر. ففي عالم متصل، جعلت سهولة الحجز عبر الإنترنت حاجة الناس لمنظِّمي الرحلات السياحية أقل بكثير. كما تخلى العملاء الأوروبيون بشكل متزايد عن إجازة شاطئ البحر الأبيض المتوسط التقليدية مدة أسبوعين، إذ يذهب المرء إلى منتجع واحد، ويبقى في مكانه، وهو عنصر أساسي من عناصر أنماط الحياة في السبعينيات والثمانينيات.كما أصبح الأوروبيون مؤخَّراً يفضلون بدلاً من ذلك، وبشكل متزايد (أو على الأقل هذا ما قاموا به في حقبة ما قبل الجائحة)، السفر بشكل متكرر، ولفترات أقصر، مما أدى إلى ازدهار ما يعرف "فترات الراحة بين المدن"، أو العطلات الأقصر، بالإضافة إلى اختيارهم لوجهات ذات شهرة عالمية أوسع . ولقد كان انهيار وكيل السفر البريطاني "توماس كوك" العام الماضي بمثابة علامة على هذا التحوُّل، وقد يكون مشهد المنتجعات الشاطئية المهجورة في عام 2020 شكلاً آخرَ من أشكال هذا التحول.

وربما قد تجد هذه المنتجعات طريقة لإعادة إحياء نفسها، واكتشاف ذاتها بعد الجائحة، كما أنَّ إسبانيا تمتلك العديد من المساحات الساحلية التي لم تمسها مشاريع التنمية المفرطة بشكل كبير، إلا أنَّ هذه الصور تجعل الناظر يشعر بأنه ينظر إلى أماكن تجسِّد حقبةً زمنيةً قد مضت بالفعل.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات