تراجع الاقتصاد الصيني أكثر من المتوقَّع في يوليو، مما يزيد العلامات على أنَّ التعافي العالمي يخضع لضغوط مع خنق متحوِّر "دلتا" لسلاسل الإمداد، وإضعافه لثقة المستهلك.
وتضرَّرت مبيعات التجزئة من قيود الفيروس الحديثة المفروضة حتى نهاية الشهر لاحتواء العدوى الجديدة.
وأدت الفيضانات في وسط الصين، وضعف مبيعات السيارات بسبب نقص الرقائق إلى تراجع التصنيع، في حين تسبَّب تباطؤ سوق العقارات والسياسات البيئية في خفض إنتاج الصلب والإسمنت، مما أضرَّ بالطلب على السلع.
رياح معاكسة
و إلى جانب تراجع ثقة المستهلك في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى في عقدٍ تقريباً وزيادة ضغوط سلسلة التوريد في جنوب شرق آسيا؛ أكَّدت بيانات الصين الضرر المحتمل الذي يمكن أن يلحقه متحوِّر "دلتا" الأكثر عدوى بالتعافي العالمي.
وأُغلق ميناء حاويات رئيسي في الصين جزئياً الأسبوع الماضي بعد إصابة عامل هناك، مما عطَّل التجارة في وقتٍ تستعدُّ فيه الشركات لموسم التسوق في عطلة الكريسماس.
اقرأ أيضاً: صدمة جديدة.. إقفال ميناء في الصين يثير مخاوف من إغلاق عالمي آخر
وقال بروس بانغ، مدير الاقتصاد الكلي والأبحاث الاستراتيجية في "تشاينا رينيسانس سيكيورتيز" في هونغ كونغ: "إذا فقد النمو الاقتصادي الصيني زخمه مع عودة ظهور كوفيد- 19، فقد يشهد بقية العالم مزيداً من الرياح المعاكسة لزخم النمو، بدءاً من اضطراب سلسلة التوريد إلى عودة أبطأ من المتوقَّع للمستوى الطبيعي من الاستهلاك".
كما يعني التباطؤ في الصين أيضاً ضعف الطلب على السلع العالمية، وانخفضت أسعار النفط لليوم الثالث على التوالي، مع تراجع غرب تكساس الوسيط بنسبة 2%، وأغلقت عقود النحاس الآجلة في شنغهاي على انخفاض نسبته 0.4%، متخلية عن مكاسب سابقة بنسبة 1.3%.
اقرأ أيضاً: خسائر النفط تستمر مع تزايد تفشي "دلتا" وانتعاش نشاط الخام الصخري
[object Promise]مخاطر على النمو
وباستخدام متوسط النمو لمدَّة عامين للتخلُّص من تأثيرات القاعدة الناجمة عن الوباء، أظهرت البيانات تباطؤاً ملحوظاً في مبيعات التجزئة إلى 3.6% في يوليو، في حين كان الإنتاج الصناعي أقل تأثُّراً بالتباطؤ الاستهلاكي بسبب الصادرات القوية، وقد نما بنسبة 5.6% بحسب مقياس السنتين، بانخفاض نقطة مئوية واحدة تقريباً عن الشهر السابق. واستقر تقريباً النمو في الاستثمار بالأصول الثابتة.
قال ريموند يونغ، كبير الخبراء الاقتصاديين بشأن الصين الكبرى في مجموعة "أستراليا ونيوزيلندا المصرفية" التي خفَّضت توقُّعاتها للنمو للعام بأكمله إلى 8.3%: "تشير بيانات يوليو إلى أنَّ الاقتصاد يفقد زخمه بسرعة كبيرة.. ويضيف ظهور متحوِّر دلتا أيضاً المزيد من المخاطر على نشاط أغسطس".
لا تغيير في السياسة النقدية
وتعتمد آفاق الصين حالياً على ما إذا كان من الممكن تخفيف قيود كوفيد الشهر الجاري، وما إذا كانت بكين ستزيد المحفِّزات النقدية والمالية لمنع تباطؤ أكثر حدَّة.
لكنَّ بنك الشعب الصيني أشار إلى ثبات مسار سياسته، يوم الإثنين، مع الحفاظ على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير إلى جانب تجديد معظم القروض السيادية المستحقة.
وارتفع العائد على سندات الصين القياسية لأجل 10 سنوات بمقدار نقطة أساس واحدة إلى 2.89%، وصعد مؤشر "سي إس آي 300" بحوالي 0.6% قبل أن يُقلِّص مكاسبه في وقتٍ لاحق من اليوم.
[object Promise]ضربة للاستهلاك المحلي
وبدأت حالة خارجية مصابة بمتحوِّر "دلتا" في نشر العدوى في مدينة "نانجينغ" الشرقية في يوليو، مما دفع السلطات لإغلاق المواقع السياحية، وإلغاء الفعاليات الثقافية، والرحلات الجوية خلال فترة العطلة الصيفية لاحتواء تفشي المرض، و برغم تطعيم أكثر من نصف سكانها؛ فإنَّ سياسة الصين الصارمة للقضاء على كوفيد تضرب الاستهلاك؛ فقد انخفض الإنفاق في المطاعم إلى أكثر من 4% في يوليو على أساس شهري.
ويمكن أن تكون استراتيجية الحكومة الصارمة الخاصة بكوفيد مكلفة اقتصادياً، وخفَّضت المؤسسات المالية مثل "نومورا هولدينغ"، و"غولدمان ساكس غروب"، و"جى بي مورغان تشايس آند كو" توقُّعاتها للنمو في الربع الثالث، وللسنة بأكملها، وحتى مع هذه المراجعات، ستكون بكين في طريقها لتحقيق هدف النمو المتواضع نسبياً للعام بأكمله الذي يتجاوز 6%.
التباطؤ الصناعي
تعكس أرقام الإنتاج أيضاً تأثير اللوائح التنظيمية المشددة في بكين للحدِّ من التلوث، ومخاطر سوق العقارات، وانخفض إنتاج الصلب في يوليو إلى أدنى مستوى له في 15 شهراً، وفقاً لحسابات "بلومبرغ"، وبدأت الصناعة الوفاء بتعهدها بخفض الإنتاج إلى ما دون المستويات القياسية في العام الماضي للحدِّ من الانبعاثات.
وانخفض إنتاج الإسمنت للشهر الثالث على التوالي، مما يشير إلى أنَّ الاستثمار في العقارات والبنية التحتية سيظلُّ ضعيفاً العام الجاري بعد أن ساعد في دفع التعافي السريع للصين من الوباء.
وواجهت المصانع قيوداً أخرى في يوليو، بما في ذلك الاضطرابات الناجمة عن الفيضانات في مقاطعة "خنان"، إلى جانب استمرار النقص في رقائق الكمبيوتر الذي تسبَّب في انخفاض إنتاج السيارات للشهر الرابع على التوالي.
قال تومي زي، رئيس أبحاث الصين الكبرى في شركة "أوفر-سي تشاينيز بانكينغ كورب": "نشهد تأثيراً مكثَّفاً من جهود الصين لخفض انبعاثات الكربون إلى جانب عدم اليقين بسبب كوفيد، ونقص الرقائق العالمي".
البيانات الاقتصادية الصينية الرئيسية على أساس متوسط النمو في عامين
يناير - فبراير | مارس | إبريل | مايو | يونيو | يوليو | |
مبيعات التجزئة على أساس سنوي | 3.2 % | 6.3 % | 4.3 % | 4.5 % | 4.9 % | 3.6 % |
الإنتاج الصناعي على أساس سنوي | 8.1 % | 6.8 % | 6.6 % | 6.5 % | 5.6 % | |
الاستثمار في الأصول الثابتة (منذ بداية العام حتى الآن) | 1.7 % | 2.9 % | 3.9 % | 4.2 % | 4.4 % | 4.3 % |
استثمار حكومي
قال فو لينغوي، المتحدِّث باسم المكتب الوطني للإحصاء، إنَّ الصين ستحافظ على "انتعاش مستقر" في النصف الثاني من العام مع بقاء المؤشرات الرئيسية "ضمن نطاق معقول".
ومن المتوقَّع أن يكون الدعم السياسي في النصف الثاني من العام في الجانب المالي بشكل أساسي، إذ من المحتمل أن يضخَّ البنك المركزي النقدية في النظام المصرفي لمساعدة البنوك على استيعاب سندات الحكومات المحلية، وحدَّد مكتب النخبة السياسي في الحزب الشيوعي الحاكم الشهر الماضي الأولويات الاقتصادية للنصف الثاني من العام، وتعهد باستثمارات أقوى من الحكومات المحلية.
وقال "لو تينغ"، كبير الاقتصاديين الصينيين في "نومورا هولدينغز": "ما زلنا نتوقَّع تباطؤاً كبيراً في النمو بالنصف الثاني في ظلِّ عدم ترك بكين أي مجال يذكر للتراجع عن الإجراءات الصارمة غير المسبوقة في قطاع العقارات".
لا يتوقَّع "لو" أن يُخفِّض بنك الصين الشعبي أسعار الفائدة العام الجاري، ويرى أنَّ هناك احتمالية تقلُّ عن 50% لخفض آخر العام الجاري في مقدار الأموال التي يتعيّن على البنوك الاحتفاظ بها كاحتياطي إلزامي.