يشهد قطاع الأسمنت السعودي في 2025 حالة من الترقب الإيجابي، في ظل استمرار المشاريع الكبرى المرتبطة برؤية المملكة 2030، وزيادة الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والإسكان.
وتُظهر بيانات الشركات توقعات بارتفاع الطلب المحلي، إلى جانب توسع ملحوظ في الصادرات، فيما تستمر غالبية الشركات في الحفاظ على مستويات إنتاج مستقرة دون الإعلان عن خطط توسعة كبيرة.
الطلب المحلي: تفاؤل في الرياض وتوقعات إيجابية من اليمامة
رغم تقارب التوقعات بين كبرى الشركات بشأن نمو الطلب المحلي على الأسمنت في 2025، إلا أن كلاً منها ينظر إلى السوق من منظور مختلف.
توقعت أسمنت الرياض، نمواً يتراوح بين 6% و8% على مدار العام، مع تسجيل نمو قوي يصل إلى 10% في الربع الأول، مدفوعاً بزخم المشاريع الكبرى في العاصمة، وفق ما أكده الرئيس التنفيذي للشركة في تصريح خاص لـ"اقتصاد الشرق".
وفي الاتجاه نفسه، أشارت أسمنت اليمامة في تقريرها السنوي إلى توقعها بنمو سنوي بحدود 7%، وهي نظرة إيجابية تتماشى مع موقعها كمزود رئيسي لمشاريع استراتيجية كبرى مثل نيوم، العُلا، البحر الأحمر، إلى جانب المشاريع المرتبطة بـاستضافة المملكة لإكسبو 2030، وكأس العالم 2034، ما يعزز احتمالات استمرار نمو الطلب على الأسمنت ومشتقاته خلال السنوات المقبلة.
الصادرات تتضاعف.. والإنتاج يلتزم الحذر
في الوقت الذي ترتفع فيه التوقعات بنمو الطلب المحلي، تُظهر الشركات اهتماماً متزايداً بتوسيع نطاق تواجد منتجاتها في الأسواق الخارجية.
تشير تقديرات أسمنت اليمامة إلى أن صادرات الأسمنت من المملكة ستصل إلى 8.5 مليون طن في 2025، مقارنة بـ2 مليون طن في 2024، ما يمثل نمواً استثنائياً بنسبة تقارب 325%.
ورغم هذه القفزة، فإن خطط التوسعة الإنتاجية بقيت محدودة. فمن المتوقع أن يبلغ الإنتاج الفعلي للقطاع 57.5 مليون طن في 2025، بزيادة طفيفة عن العام السابق، في حين سيصل إجمالي المعروض إلى 102.5 مليون طن، مقارنة بـ97.3 مليون طن في 2024.
"أسمنت الرياض": أرباح قياسية واستراتيجية مرنة
عززت أسمنت الرياض موقفها المتفائل بعد تحقيق أرباح صافية بلغت 310.4 مليون ريال في 2024، مقارنة بـ188.7 مليون ريال في العام السابق، بنمو نسبته 64%.
ويعود هذا الأداء بحسب رئيسها التنفيذي إلى ارتفاع أسعار البيع بنسبة 25%، وزيادة الإيرادات بنسبة 23%، إلى جانب عوائد استثمارات قصيرة الأجل، واسترداد 25 مليون ريال من هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
وأضاف العايض أن الربع الرابع من 2024 شهد طلباً قوياً بزيادة تفوق 10% على أساس سنوي، مع وصول متوسط سعر البيع إلى 200 ريال للطن، بارتفاع 31% مقارنة بالربع المماثل من 2023.
واحتفظت الشركة بحصة سوقية تبلغ 6.7%، مع مخزون يُقدر بـ600 ألف طن من الكلنكر الأسود و350 ألف طن من الكلنكر الأبيض، ما يمنحها مرونة تشغيلية لتلبية الطلب دون الحاجة إلى توسعة عاجلة في الإنتاج.
أسمنت السعودية: ريادة في الصادرات دون خطط توسعة
أما أسمنت السعودية، أكبر الشركات من حيث الإنتاج والصادرات في 2024، فقد أكدت في تقريرها السنوي أنها لا تخطط لأي توسعة على المدى القصير أو المتوسط، معتبرة أن طاقتها الإنتاجية الحالية البالغة 8.6 مليون طن كافية لتلبية الطلب المحلي والخارجي.
وأوضحت الشركة أنها تتمتع بمرونة عالية في إنتاج أنواع جديدة من الأسمنت، بما يتوافق مع متطلبات السوق، متى ما كان ذلك مجدياً من الناحية الاقتصادية.
وتُعد الشركة لاعباً محورياً في سوق التصدير، إذ شكلت صادراتها نحو 80% من إجمالي صادرات الأسمنت السعودي خلال 2024، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي في مدينة الدمام على ساحل الخليج، ما يتيح سهولة النفاذ إلى الأسواق الإقليمية.
أسمنت العربية: مشاريع مكة تعزز التفاؤل
أبدت أسمنت العربية، أقدم شركات الأسمنت في المملكة، تفاؤلها حيال الطلب خلال عام 2025، خصوصاً في منطقة مكة المكرمة ومحافظة جدة.
وتوقعت الشركة حراكاً إيجابياً في مشاريع تنموية حكومية، إلى جانب مشاريع حيوية تابعة لصندوق الاستثمارات العامة في منطقة مكة، إضافة إلى عدد من المشاريع الخاصة الكبرى. كما توقعت قرب الانتهاء من التصاميم والخطط التنفيذية الناتجة عن إزالة الأحياء العشوائية في محافظة جدة، ما يعزز التوقعات بتحرك عمراني واسع في المنطقة.
ويأتي هذا التفاؤل في ظل ارتفاع حصة المنطقة الغربية من التسليمات المحلية إلى نحو 26.8% في 2024، وهي نسبة مرشحة للزيادة مع انطلاق المشاريع الجديدة خلال الفترة المقبلة.
ثلاثية النمو لشركات الأسمنت
يرى حجاج حسن، مدير وحدة أرقام بلس أن قطاع الأسمنت في المملكة يتجه نحو نمو ملحوظ في عام 2025، مدفوعاً بثلاثة محركات رئيسية: المشاريع الحكومية، ومشاريع الإسكان، والتصدير. ويُتوقع أن يزداد الطلب بشكل واضح مع تسارع تنفيذ مشاريع كبرى مثل إكسبو، كأس العالم، حديقة الملك سلمان، نيوم، والبحر الأحمر، خاصة أن تأثير هذه المشاريع عادة ما يظهر بعد عامين إلى ثلاثة من إعلانها، وهي مدعومة بشكل مباشر من صندوق الاستثمارات العامة.
كما أشار إلى أن مشاريع الإسكان بدأت تنتعش نتيجة تراجع أسعار الفائدة وارتفاع عقود التمويل العقاري، مما يعزز الطلب المحلي.
أما على صعيد التصدير، فيشهد القطاع نمواً تدريجياً في الطلب الخارجي، خصوصاً من دول الجوار.
وفيما يخص الأسعار، فقد بدأت بالارتفاع بعد سنوات من المنافسة الحادة، لا سيما في المنطقة الوسطى، حيث عاد متوسط السعر إلى نحو 200 ريال للطن بعد أن كان قد هبط إلى 100 ريال خلال فترة كورونا. واعتبر أن تراجع مخزونات الكلنكر مؤخراً بعد بلوغها مستويات قياسية، يدل على أن الطلب أصبح يفوق العرض، مما يؤكد الاتجاه الإيجابي للقطاع.
